الموقف الشرعي من الهدنة العسكرية والمفاوضات السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1].
وقال تعالى: ﴿ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 61].
وقال تعالى: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58].
وقال تعالى: ﴿ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الأنفال: 72].
وقال تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾ [التوبة: 7].
وقال تعالى: ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ ﴾ [التوبة: 4].
إنه على ضوء عموم النصوص السابقة في القرآن الكريم، مع ما ثبت من معاهدات النبي r للمشركين واليهود في مواقع متعددة، ومنها صلح الحديبية؛ إنه على ضوء ذلك فإن مبدأ الهدنة والموادعة ومصالحة أهل الحرب، فضلاً عن التفاوض معهم أمر ثابت في الشريعة، وهو خاضع لمبدأ تقدير الموقف، وتقدير المصالح والمفاسد، وإنما يقرر هذه المصلحة ومدى الحاجة إليها أهل الاختصاص من عسكريين وسياسيين، وفق ما بين أيديهم من معطيات ومعلومات ومرجعيات شرعية، ولذلك فقد اطلعنا على ما تم الإتفاق عليه بين الرئيسين الأمريكي والروسي، والموقف الذي اتخذته هيئة المفاوضات العليا في سوريا ومعظم الفصائل المقاتلة على الأرض من قبول مبدأ الهدنة ومبدأ المفاوضة لتحقيق مصلحة الشعب السوري مع مراعاة الملحوظات والتحفظات الدقيقة والأساسية التي أبدتها هيئة المفاوضات العليا؛ فإننا نرى في هيئة التأصيل الشرعي في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا أن هذا الموقف صحيح شرعاً من حيث المبدأ، مع التأكيد على أن يحرص من يمثّل الشعب السوري في هذه المفاوضات على تطلعات شعبنا، وخاصة ما يتصل بالمبادئ الخمسة التي أقرها جميع أطياف المعارضة والثوار، وهي:
1- وجوب إسقاط نظام بشار وأركان حكمه.
2- تفكيك أجهزة القمع العسكرية والأمنية، مع الحفاظ على أجهزة الدولة بما يحقق مصلحة الشعب والأمة.
3- خروج جميع القوى الأجنبية من سوريا.
4- وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
5- رفض المحاصصة السياسية والطائفية.
لا شك أننا نقرأ في شروط الهدنة وما يتبعها من مفاوضات سياسية أنها كتبت بلغة الأقوياء الذين يريدون أن يفرضوا شروطهم، وأنها تضمنت ما فيه ظلم شديد لثورة شعبنا، وأن بعضهم يريد إعادة تأهيل النظام من جديد وتثبيته، وشرعنة وجود روسيا الغازية وإيران وحلفائها، وإذ نتحفظ على ذلك كله ونرفضه جملة وتفصيلاً؛ لكنه نؤكد حق هيئة المفاوضات العليا طالما حافظت على مصلحة الشعب في تحقيق تطلعاته في الحرية والعدالة والكرامة والحق، وطالما سعت لحقن الدماء ورد العدوان، ورأت أنه من خلال هذه المفاوضات يمكن أن تحقق شيئاً من ذلك فإنها تقوم بعمل مشروع مشكور إن شاء الله تعالى.
وسوم: العدد 686