لماذا المسير في أرض الأشواك؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
يدور حوار داخل نفوس الكثيرين من الإخوة الدعاة وبإلحاح أحياناً يتساءلون :
- لماذا نتابع السير مع الدعوة الإسلامية هذه الأيام؟
- أما تقتلها الخلافات المدمرة؟
- أما نسي القادة إخوانهم وتلاميذهم ومريديهم؟
- أما ضاعت دماء الشهداء هدراً؟
- أما حدثت أخطاء كبيرة وكثيرة ولم نر من يحاسِب أو يحاسَب عليها؟
- أما نرى الكثيرين ممن كانوا كباراً في عيوننا قد صغروا وتجاوزتهم المرحلة؟
- أما نرى الكثيرين من الكبار ما زالوا في مواقعهم حائرين ولم يقدموا المخرج للأزمة الصعبة التي تشغل الجادين من الأمة؟
- أما نرى الكثيرين من إخواننا الذين كنا نؤمل فيهم الخير قد شغلتهم الدنيا ومصالحهم الشخصية ووضعوا الدعوة جانباً وهامشاً في حياتهم؟
- تساؤلات كثيرة واستفهامات أكثر تلح على النفس حتى تصل ببعض الأخوة الدعاة إلى اليأس والإحباط عندما لا يجدون الجواب الشافي لما يحسون به من أمور خطيرة وأحداث وأهوال مؤلمة.
- ولا شك أن هذه التساؤلات ليست من فراغ، وقد لا تكون دائماً من وساوس الشيطان، وقد يكون صاحبها ممن يتحرقون ويتألمون على واقع الدعوة الإسلامية والمصير الذي وصلت إليه !
- نعم قد يكون جميع ذلك حقاً ولكن.
- ولكن لابد من متابعة الحوار إلى نهايته، ولابد من الوصول إلى جواب يجعلنا نقف على أرض صلبة لئلا تعبث بنا الرياح الهوج فتهلكنا وتزيدنا حيرة وتشرذماً وضياعاً.
- ويتكرر السؤال لماذا المسير في أرض الأشواك التي تدمي القلب وتدك قواه؟؟
- وللإجابة على جميع ذلك نقول مستعينين بالله تعالى:
إننا سنتابع الطريق مهما كثر فيه من الدخن والأشواك، ولا خيار لنا في ذلك، ومثلنا مع دعوتنا الإسلامية الحبيبة كمثل من عنده ابن وحيد قد ألمت به أصناف من الأمراض المستعصية والمزمنة.
فهو يتقلب به من طبيب إلى آخر، ومن بلد لآخر، ومن دار رعاية لأخرى بلا ملل ولا كلل، وقلبه معلق بابنه يسأل الله له العافية والشفاء، ولا يضن عليه بأثمن ما يملك من الحياة.
إننا يجب أن نكون مع دعوتنا الإسلامية على أقل تقدير كحال هذا الرجل مع ابنه الوحيد وماذا نظن به لو ترك ابنه يتألم ويعاني؟ ثم وجد على الأطباء الذين لم يقدروا على استئصال المرض؟ بل شك في حسن نيتهم وجديتهم في معالجة ابنه. فاتخذ قراراه أن يترك ولده في معاناته ويقعد لجانبه ينتظر مصيره؟؟
إننا أيها الإخوة الدعاة ما كنا نظن في يومٍ من الأيام أن يكون طريقنا سهلاً وميسراً ومريحاً. بل كنا دائماً موقنين بعظم القضية وثقل المسؤولية ولكن كانت أنظارنا تتوجه إلى عدونا الذي يحاربنا، وماذا عساه أن يضع في طريقنا من أشواك وألغام، ولا بأس أن تتوجه أنظارنا أحياناً إلى أنفسنا وإخواننا وآلامنا الداخلية وما فيها من عقبات وآلام، فكل ذلك عقبات على الطريق، ولا بد أن نستعين بالله تعالى على اجتيازها مهما كان الثمن ومهما كانت التكاليف حتى نصل إلى الهدف –الله غايتنا- بإذن الله.
ولنضع نصب أعيننا هذه المعاني فلعل فيها جرعة من الدواء:
1- إننا أصحاب رسالة ربانية نتعبد الله تعالى بأدائها والقيام بها، ونعتقد أننا في دعوتنا نقوم بتكليف شرعي رباني ولسنا مختارين في أن نقدم أو نحجم.
2- إن دعوتنا الإسلامية ـ على تعثرها ـ هي من أفضل الدعوات منهجاً ووسطية واعتدالاً وتفكيراً وأهدافاً، ولو كان في الساحة ما هو أفضل لأبان عن نفسه. ولأن إخواننا وأحبابنا العاملين في ميدان الدعوة الإسلامية المباركة هم ـ على علاتهم ـ من خير من نطمئن للتعاون معهم ولا نشك في نياتهم مهما تعثرت الخطا.
والخطأ يعالج باستمرار التناصح والتعاون والتشاور وليس بالتخلي عن العمل وترك الساحة لتخلو من المخلصين ويتفرغ لها الغافلون العابثون وأصحاب الأهواء والمصالح والنفعيون من ذوي الهمم الضعيفة.
3- إننا ما زلنا نعتقد أن الإسلام لا ينهض به إلا جماعة إسلامية جادة وراشدة ومخلصة وأن كل جهد فردي ضائع في مهب الريح ما لم توجهه الجماعة الواعية، فعلينا بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
4- إن القاعدين والمتساقطين على الطريق لم يقدموا البديل العملي الأفضل وأكثرهم في طريقهم إلى الذوبان والضياع والانشغال بمصالحهم الشخصية.
فهل يعذر أحد بعد هذا في قعوده وتفرجه على الأحداث واكتفائه بالدعاء إن فطن لذلك؟؟ اللهم لا اللهم لا.
ولعل خير ختام لهذه الخاطرة أن نتأمل ونتمعن بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}. سورة آل عمران الآية 200.
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة التأصيل الشرعي لجماعة الاخوان المسلمين في سورية
الجمعة 14ذي الحجة 1437هـ الموافق 16/9/2016م
وسوم: العدد 686