السياسة الروسية
في الحقيقة أن كثرة التحليلات جعلتنا نفقد البوصلة. فالجميع يتحدث أن روسيا باعت العراق لأمريكا وباعت ليبيا أيضاً ولكن الأمريكان لم يُقدِّموا العرض المناسب للروس في سوريا. (جميع التحليلات تصب في هذا الاتجاه). والحقيقة أن هذه التحليلات تنم عن نظرة قاصرة في السياسة.
الواقع هو أن روسيا اثناء حرب العراق كانت تُعاني من أزمة اقتصادية خانقة خاصة بعد استنزافها في أفغانستان وفَرَط عقد الاتحاد السوڤيتي. والعراق كانت دولة نفطية قوية جداً. وهذا يعني أنها أمام خيارين. أما أن ينهار العراق ويعم الخير عليها بهذا الانهيار. او أن تُدافع عنه فتغرق معه. كيف؟! هذا ما سوف اجيب عنه.
اذا حدثت حرب ضد دولة نفطية. فهذا يعني ان اسعار النفط سترتفع الى الضعف. بينما لو دافعت روسيا عن العراق وهي منهارة اقتصادية أساساً لانهارت معه. لذا هي غضّت الطرف عن الأمريكان حتى وأن أعلنت عكس ذلك. وبعد غزو العراق ارتفعت اسعار النفط ثلاثة أضعاف وهذا ما ساهم في انتعاش الاقتصاد الروسي. عدا أن هذه الحرب كانت استنزاف للاقتصاد الامريكي. وقد تكرر هذا الشيء في الحالة الليبية أيضاً. فهي أيضاً لم تعارض على الحرب الليبية وأن صرّحت بعكس ذلك لان ليبيا أيضاً دولة نفطية. فقد اسرع الأمريكان والاوربيين للإطاحة بالقذافي كي لا يطول الصراع. بينما روسيا رفضت تدخل برّي ليس لانها تخشى على الشعب الليبي بل لانها تريد ان يطول الصراع أطول وقت ممكن.
اما في سوريا فالوضع مختلف تماماً فروسيا تعتبر وجودها في سوريا كسر عظم للغربيين الذين تحالفوا مع المانيا العدو الخاسر في الحرب العالمية الثانية ولم يتحالفوا معها وهي كانت جزء من التحالف الذي انتصر أذبان الحرب العالمية الثانية.ولم يكتفوا بذلك بل أصبحوا يتأمرون لتفكيك الاتحاد السوڤيتي من خلال الحرب الباردة ضدها ودعم المناهضين للشيوعية والتي أدت الى تفكك الاتحاد في النهاية.
حاولت روسيا توجيه انظار الغربيين الى الصين ومحاولة إقناعهم بإن الصين هي الخطر القادم عليهم وليس روسيا. وسعت بكل ما لديها لان تكون جزء من حلف الناتو ولكنها لم تُفلح. ولذلك تستميت اليوم من اجل أن تُشكل حلف مع امريكا في سوريا قد يفتح لها باب العودة الى الحضن الغربي فتصبح قطب اخر وهذا ما ترفضه امريكا. أمّا الأن فهي تستعرض عضلاتها اليوم في سوريا لهذا السبب وعلى مبدأ (يا لعّيبة يا خرّيبة). وتأكدوا لو أن أمريكا اليوم حاولت اجتياح ايران لما رفضت روسيا ذلك. وستجدون روسيا تدعم ايران عسكرياً لهدف اطالة الحرب وليس حبّاً بالشعب الإيراني. فهي سوف تحقق هدفين. من جهة تستنزف امريكا ومن جهة أخرى ترتفع أسعار النفط. ودعم روسيا السياسي اللامحدود لإيران اليوم وللمليشيات الشيعية ولبشار الاسد. ليس لانهم حلفاء استراتيجيين كما يظن البعض. بل لأنها تريد إيصالهم لمرحلة مواجهة مع دول الخليج. فإذا اشتعلت حرب بين دول الخليج وايران فهذا يعني أن روسيا اصبحت هي المتحكم الوحيد بالنفط في العالم. عندها ستركع اوربا وأمريكا تحتها وتعود هي القطب الأوحد في العالم. وهذه هي احلام بوتين بإختصار. وهو فعلاً لا يدافع عن بشار. ولا عن ايران. لان الروس يَرَوْن ايران ونظام بشار والمليشيات الشيعية عبارة عن وقود فقط. سوف يُشعلون بهم حرباً يوماً ما. تعود ثمرة هذه الحرب على روسيا بالنفع والفائدة. واذا كان الأمريكان اذكياء عليهم أن يُدركوا هذه الحقيقة ويسارعوا في القضاء على احلام بوتين من خلال التخلص من بشار الاسد واي فصيل موالي لإيران. تحليل هام وتوصيف للسياسة الروسية في المنطقة للتنويه والحذر ...
وسوم: العدد 687