الإسلاميون والإبداع ورسالة عتاب !
نشر الزميلان حسن عاشور وهبة خفاجي تحقيقا مطولا في المصريون حول قضية الإبداع ولماذا يغيب عن التيار الإسلامي وجماعاته وخاصة الإخوان المسلمين ، فلم نر شعراء كبار أو مفكرين أو فلاسفة يفرضون أنفسهم ورمزيتهم على الساحة الثقافية على عكس اليسار والليبراليين الذين ظهر بينهم عدد من الشعراء والمفكرين والمواهب ، حتى المفكرين الذين برزوا في التيار الإسلامي كانت أصولهم يسارية ، مثل سيد قطب وعبد الوهاب المسيري ومحمد عمارة وغيرهم ، وقال نص التقرير : (يفتقر التيار الإسلامي في مصر والذي يتصدره جماعة الإخوان المسلمين إلى الإبداع، فعلى الرغم من أن الجماعة قد أسسها حسن البنا في عام 1928 لكنها لم تقدم خلال ما يقرب من المائة عام مفكرًا أو أديبًا أو فيلسوفًا وسط مئات من المفكرين المنتمين للأفكار المنافسة للفكر الإسلامي وعلى رأسهم الفكر اليساري. وقد لجأ عدد كبير من المفكرين والتي بدأت نشأتهم من الإخوان إلى الهروب من الجماعة، وذلك بسبب أن الإخوان جماعة منغلقة على ذاتها لا يتوافر بها أي إبداع؛ لأن أي عمل إبداعي لابد أن يتضمنه حرية الرأي، الأمر غير المتوفر لدى الإخوان الذين يتربون على مبدأ السمع والطاعة. وعلى خلاف جماعة الإخوان المسلمين كفل التيار اليساري إلى المنتمين إليه حرية الرأي والتفكير، مما خرج عن ذلك مجموعة كبيرة من الفنانين والشعراء والأدباء .. فيما كان الفكر اليساري هو البداية الحقيقة للقيادات الإسلامية سواء حاليًا أو سابقًا، فقد كانت نشأة سيد قطب، مفكر الجماعة، يسارية الأساس كما كانت بدايات كل من عبدالوهاب المسيري والصحفي فهمي هويدي) . وقد استند الزملاء إلى آراء بعض الباحثين ، من بينهم رأي الصديق الدكتور عمار علي حسن ، وهو من أبناء التيار الإسلامي بالأساس وإن كان له تكوين ليبرالي في السنوات الأخيرة . وبعد نشر التحقيق وصلتني رسالة عتاب من الناقد الكبير الدكتور حلمي القاعود ، أستاذ النقد والبلاغة بجامعة طنطا ، ينفي فيها صحة ما ذهب إليه التحقيق ، ويطرح وجهة نظر أراها جديرة بالمتابعة ، يقول في رسالته : (أخي الأستاذ جمال سلاما وتحية .. وبعد : فقد طالعت التحقيق المنشور بموقع " المصريون " اليوم 24/9 حول غياب الإبداع عن الإسلاميين ، فأسفت لمحدودية معلومات الصحفيّين اللذين أعدا التحقيق ، واكتفائهما بسؤال كاتب يساري ، وتجاهل أصحاب القضية أنفسهم . الحكم بغياب الإبداع عن الإسلاميين خطأ محض ، فالإسلاميون ليسوا قاصرين على التنظيمات الإسلامية ، ولكنهم موجودون في كل مكان يعتمد التصور الإسلامي فكرا وتطبيقا .. وقد خرج من عباءة التنظيمات نفسها أدباء وشعراء ونقاد كثيرون ، ولكن الحكم العسكري الذي بدأ في 1952 لم يمكّن الأصوات الإسلامية من الذيوع والانتشار لأنه منح وزارة الثقافة والإعلام والسينما والتعليم والنشر للرفاق الماركسيين ، ومع ذلك كان هناك أدباء على جودة عالية ، وأدبهم يُقرأ باستمرار مع الحصار والتعتيم : محمود حسن إسماعيل ،محمد عبد الحليم عبدالله ، عبد الحميد جودة السحار ، سعيد العريان ، سيد قطب ، نجيب الكيلاني ، ....... عملية التصنيف التي قام بها المحرران غير دقيقة ، فالأبنودي ونجم وغيرهما ، كانا في اليسار اتجاها وليس تنظيما ، وإن كان الأول قد انضم في بداية صعلكته إلى إحدى الخلايا الشيوعية ليقضي في المعتقل أياما انتقل بعدها إلى أحضان وزارة الداخلية ( شعراوي جمعة ، رءوف المناوي ...حتى عصر العادلي )، أما سيد قطب فلم يلحق بأية منظمة يسارية ، ولكن ميولا يسارية بدت في كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام . هناك آخرون لا علاقة لهم باليسار ، وإن كانت علاقتهم بالغرب وثقافته الليبرالية ، مثل زكي نجيب محمود ، وبعضهم (لميس جابر) علاقتها بالطائفة والكنيسة أقوى من أية علاقة أخرى ، ولم أعلم أنها انتسبت إلى اليسار في يوم ما . على فكرة الدكتور محمد عمارة كان يصلي بالماركسيين في معتقل الواحات ، ولعل الذي أخبرني بهذه المعلومة كان الماركسي الراحل محمود أمين العالم . واسلم لأخيك : حلمي القاعود) انتهت الرسالة . وأنا أتفق مع الدكتور حلمي ، صاحب المؤلفات والمقالات العديدة التي توثق تاريخ الأدب الحديث ودور الإسلاميين تحديدا فيه ، وهو أكاديمي وناقد مرموق ، لأن الإسلاميين عانوا طويلا من حصار الأنظمة المتتالية وإقصائهم عن دوائر الثقافة والإعلام ، بينما تحالف اليسار مع السلطة في أكثر من مرحلة ومنحوا إدارة معظم الصحف القومية والمجلات والوزارات المعنية بالثقافة والتوجيه وبنوا لهم جسورا وثيقة مع نظرائهم في عواصم عربية أخرى في الخليج العربي وغيره خاصة أيام المد القومي ، كما أتفق معه في أن الإبداع الإسلامي أوسع من الجماعات ، فليس كل الكتاب والمثقفين الإسلاميين من المنضوين تحت جماعات أو منظمات ، لأن الجماعات بالفعل لم تكن بنيتها التنظيمية والإدارية وسيطرتها الفكرية الضيقة تسمح للإبداع أن ينطلق ويتوهج ، بل كانت بيئة طاردة للمواهب إذا ظهرت فلا يكون أمامهم من سبيل سوى التحرر من الجماعة لكي يطلقوا طاقات التوهج والإبداع ، مما تسبب في غياب وجود النماذج المبهرة شعرا ونثرا وفنا وفكرا وفلسفة في صفوف الجماعات ، كما أن كثيرا من المفكرين الإسلاميين الذين كانت لهم جذور يسارية ، مثل محمد عمارة والمسيري وعادل حسين وصافي ناز كاظم لم يتوهجوا وتكون لهم بصمة كبيرة في عالم الفكر والثقافة إلا بعد كتاباتهم في الفكر الإسلامي ونضالهم في ساحته .
وسوم: العدد 687