قانون الولاية الأمريكية على العالم
تلقّى الرئيس الأمريكي باراك أوباما صفعة كبيرة بعد تصويت البرلمان الأمريكي (الكونغرس) بغرفتيه (الشيوخ والنواب) بتجاوز «الفيتو» الذي وضعه على قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» وهو ما سيفتح الباب بالتالي لعائلات ضحايا الإرهاب الأمريكيين لرفع دعاوى قضائية ضد حكومات أجنبية.
القانون يبدو مفصّلاً على العرب وبالتحديد المملكة العربية السعودية فكلّ الإشارات تقول إن المشرعين الأمريكيين اشتغلوا على هذا القانون وفي ذهنهم هجوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 الذي اتهم به تنظيم «القاعدة»، ويعتمدون تقارير سرّية تربط بين المهاجمين ومسؤولين سعوديين، وبما أن المقصود من القانون هو الحصول على تعويضات ماليّة فإن المعادلة ستستند على ابتزاز المملكة لدفع تعويضات لضحايا الهجوم.
يبدو هذا القانون تصعيداً أقصى في طريقة فهم المشرّعين الأمريكيين لبلدهم ليس باعتباره القوّة العظمى فحسب بل باعتباره البلد المثال القادر على سنّ قوانين تتجاوز بلادهم (كما تفعل طائرات «الدرون») وعلى إلزام العالم بالامتثال لهذه القوانين، وهو أمر قد يكون مفهوماً لولا ثبوت أن هذه القوّة العظمى، رغم جبروتها النووي والعسكري والاقتصاديّ، لم تعد قادرة على التحكّم في العالم، الذي اتسعت خروقه على الراتق، وهو معنى لجوئها إلى الاتفاق النووي مع إيران، وحيرتها في مواجهة كوريا الشمالية، الجائعة والمحاصرة ولكن المرعبة نووياً.
يصحّ القول إذن إن المطلوب من القانون هو استخدامه للابتزاز المالي للسعودية، على خلفية أن هذه المملكة لديها مئات المليارات (تقدّر بـ750 ملياراً في الولايات المتحدة وحدها)، وأن هذا الابتزاز سيضطرها للاستغناء عن بعض ثرواتها (كما فعلت ليبيا القذافي في السابق)، تعويضاً عن إرهاب ليست هي مسؤولة عنه (بل كانت وما تزال تتعرّض لنيرانه).
وإذا ضربنا صفحاً عن أن الكثير من الأمريكيين يعتقدون أن هجمات 11 أيلول/سبتمبر كانت مؤامرة دبّرتها السلطات الأمريكية نفسها، فإننا لا نستطيع أبداً أن نتجاوز ما فعلته واشنطن من محاسبة لمن اعتبرتهم المسؤولين وذلك بمهاجمة «القاعدة» في مركزه، أفغانستان، لكن الطامّة الكبرى كانت في استخدام هجوم 11/9 ذريعة لاحتلال بلد عربي مسلم آخر («على البيعة») هو العراق.
وإذا سلّمنا بعلاقة أفغانستان، باعتبارها مركز وجود «القاعدة»، بالهجوم على نيويورك، فإن احتلال العراق، الذي لا علاقة له أبداً بالهجوم، وتداعيات هذا الاحتلال، الذي بني على الكذب والخديعة والتآمر، كرّس مبدأ إرهاب الدول للشعوب، وأنتج موجة هائلة لم تنته بعد من الإرهاب المضاد للإرهاب الأمريكي (ولإرهاب إيران وتوابعها العراقية الذي جاء بعده)، وقد انداحت هذه الموجة من العراق إلى سوريا وامتدتّ إلى كافة أنحاء الأرض.
فوق ذلك كلّه، فقد أدّى «انتقام» أمريكا المزعوم لضحايا هجوم 11 أيلول/سبتمبر إلى فتح المجال لانتشار النفوذ الإيراني في ربوع المنطقة العربية كلّها، وهكذا، مع نشر الإرهاب، وتمكين إيران من المنطقة العربية، قلبت الولايات المتحدة الأمريكية المعادلات التاريخية والجغرافية في المنطقة وزعزعت المنظومة العربيّة وشكّلت تهديداً وجوديّاً هائلا للسعودية نفسها التي وجدت نفسها مواجهة من إيران والعراق واليمن وسوريا ولبنان… والتنظيمات الإرهابية التي ساهمت واشنطن وحلفاؤها في وجودها.
المضحك أن هناك تشابهات بين قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، الذي يجعل لأمريكا ولاية قضائية على العالم، ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية صاحبة نظرية «الوليّ الفقيه» الذي يعتبر نفسه وليّاً على المسلمين في العالم.
كلا الوليّين يبعدان مسؤوليتهما عن الجريمة الشنيعة التي تفتك بالوطن العربيّ، والتي تشاركا في رعايتها، واشنطن من خلال احتلالها الإجراميّ للعراق، والثانية في تثبيتها أركان الطائفيّة فيه، وبعد الانتقام الشنيع ونتائجه الكارثية ها هما يطلبان الثمن مجدّداً من السعودية ومن دماء أهل العراق وسوريا واليمن ولبنان
وسوم: العدد 688