ثورةٌ .. لا معارَضةٌ
في ظل نظامٍ مجرم قَمَع الحريات، وحارب الكلمة، وحاصر الفكر بالسلاح، كان من الطبيعي أن لا يكون لدينا في سورية معارَضة ظاهرة منظمة، تمارس نشاطها ضمن إطارٍ قانوني، ولا أدلَّ على ذلك من تفرّدِ حزب البعث بالسلطة، وتصدّر مرشحيه لمجلس الشعب، وحيازة رئيسه الديكتاتوري لنسبة 99,99 بالمائة، من أصوات الناخبين، في مسرحيات الانتخابات الهزلية، التي لا ينافسه فيها مرشحٌ آخر.
واقتصرت بيئة معارضة النظام، على أقبية السجون، ومنفى الغُربة، حيث تقتصر على شخصيات مستقلة، وبقايا أحزاب معارضة، لم تفلح حتى في إجبار النظام على إصلاحات سياسية.
قامت الثورة السورية بعفوية ضمن موجة الربيع العربي التي اجتاحت تونس ومصر وليبيا، وكانت انطلاقتها شعبية، من كل فئات المجتمع المقهور، الذي عانى من الظلم والفساد والقهر والحرمان، ولم تكن بتحريك من أحزاب معارضة، حتى وإن التحقت بها تلك الأحزاب لاحقاً.
ثورة شارك فيها الرجال والنساء، وانخرط فيها الصغير والكبير، ولم تكن حكراً على حزب أو قومية أو مذهب أو تيار أبداً، بل شارك فيها جميع الشرفاء، ولم تقتصر على مدينة بعينها، بل شارك فيها الأحرار من كل المحافظات.
حاول النظام المجرم أن ينسبها لحزب بعينه ففشل، فحاول أن يلصقها بغرباء مجهولين وصفهم "بالمندسين" ففشل أيضاً، كما حاولت شخصيات عدّة في بداية الثورة أن تختطف الثورة وتتحدث باسمها فكانت الثورة أكبر من تختزلوها بأحزابهم وتياراتهم.
لينجح النظام المجرم فيما بعد - وبتآمر دولي- بتغيير الوصف الثوري للحراك الشعبي المقاوم، إلى معارضة مسلحة إرهابية، تقاتل الدولة، وأخرى معتدلة صنعها في دمشق ليحاور عبرها نفسَه، ويتخلص من الضغوط الدولية بمحاورة المعارضة.
لكن مهلاً .. لماذا هي ثورة وليست معارضة؟ وهل وصفها بالمعارضة يقلل من شأنها؟ ما أفهمه من فروق بين الثورة والمعارضة، يتلخص ضمن هذه البنود العشرة:
- المعارضة عبارة عن أحزاب منظّمة، تختلف مع النظام القائم، في المشاريع، والرؤية، وتعمل سياسياً بالوسائل الديمقراطية المتاحة، لاستلام السلطة لتنفيذ رؤيتها، وقد ترضى باقتسام السلطة مع النظام القائم، فيما الثورة حراك شعبي يرفض القمع والظلم والفساد، يقوم به الشعب، ويهدف لتسليم لسلطة لأصحاب الكفاءة والعدل من أبناء الشعب.
- الثورة حقٌ من حقوق الشعوب المظلومة، لتمكين الشعب من تقرير مصيره، واختيار حاكمه، أما المعارضة فقد تكون للتنافس على الحكم، ولا تعبر عن رأي الشعب، فقد تكون معارضة فاسدة ضد نظام جيد.
- الثورة الشعبية لا تهدف لاستيلاء القائمين بها على الحكم "بأشخاصهم"، إنما تحرير الشعب، ومنحه حرية اختيار الحاكم، أما المعارضة فتهدف للاستيلاء على الحكم لنفسها.
- الثورة حقٌ ضد أنظمة جائرة مستبدة، لتعيد المشروعية للشعب، فيما يُنظر للمعارضة على أنها تكتل خارج عن الشرعية، ضد نظام شرعي.
- الثورة تستهدف اقتلاع الظالمين المستبدين من جذورهم، ولا تتصالح معهم على الدماء والتضحيات، فيما المعارضة قد تنتهي باقتسام السلطة، أو نيل بعض الامتيازات، أو الحصول على بعض مقاعد البرلمان، أو حقائب الحكومة.
- الثورة تستمد تعاليمها وأنظمتها من المبادئ الأخلاقية العامة، أو القيم الدينية، والإنسانية، فيما المعارضة تحكمها أنظمة وقوانين الحزب المعارض، وتسير وفق رؤيته، ولا تخرج عن ضوابطه.
- المعارضة تتحرك بأوامر رؤسائها، ولها برنامج تلتزم به، والثورة تتحرك بعفويتها، وفطرتها، وبرنامجها هو ما تمليه عليها مستجدات كل مرحلة، من السلمية، والتسليح، وغيره.
- المعارضة تتطلب شروطاً في الانتساب، تحددها لوائح وأنظمة، فيما الثورة لا تشترط هذه الشروط، وبابها مفتوح لكل حر، صغيراً كان أم كبيراً، رجلاً كان أم امرأة، فقيراً كان أم غنياً، تاجراً كان أم بائعاً متجولاً، سياسياً كان أم طالباً جامعياً، مثقفاً كان أم أمياً، عالم دين أم عالم اقتصاد وهندسة، طبيباً كان أم حرفياً.
- تستطيع المعارضة أن تفصل من تشاء من صفوفها، لأي سبب تراه، أما الثورة فلا يستطيع أحدٌ إخراج ثائرٍ منها، إلا من أساء لها وخالف مبادءها فهو قد أخرج نفسه منها، حتى وإن ادعى الانتساب إليها.
- غالباً ما تنتهي المعارضة إذا تمت تصفية رموزها وقادتها، فيما تتقد الثورات، ويزداد حماسها كلما تقدم أبطالها إلى الميدان، وقدموا أرواحهم مشعلاً على درب الكرامة والعدل.
من أجل ذلك حرِصتْ الدول المتآمرة على تشويه اسم الثورة، وتقزيمها ضمن تسمية "معارضة مسلحة" ليسهل عليها التحكم بمفاصلها، والإيحاء بأن النظام القائم هو صاحب الشرعية، وأن ما عداه معارضة قليلة، تحمل السلاح دون مشروعية في وجه الدولة، حتى وإن سيطرت هذه المعارضة على أكثر من 70% من البلاد، وحتى إذا لم يتبق تحت سيطرة هذا النظام أكثر من 19%.
لذلك فإنني أصرُّ، على تسميتها بـ "الثورة"، لا بـ "المعارضة"، بل إن النظام المجرم هو الذي يُعارض إرادة الشعب ورغبته في الحرية والكرامة، وهو الذي يُعارض الحق والعدل بتسلطه واستبداده، وهو الذي يُعارض الدين بجرائمه وبغيه.
والانضمام للثورة ودعمها واجبٌ على كل حرٍّ شريف، وعليه فليس كل الذين التحقوا بالثورة من المعارضين قد أساؤوا لها، بل إن فيهم كثيراً من الشرفاء الذين دافعوا عن الثورة، وأوصلوا صوتها للعالم بأمانة وصدق، ولكن على هؤلاء أيضاً أن يدركوا أنهم جزء من الثورة، وأن الثورة أكبر من أحزابهم، وأن البوصلة هي ثورة الشعب، وليست تحركات الأحزاب المعارضة.
الثورة منتصرة وإن طال الزمن، والثورة مستمرة عبر الأجيال، ولن تفلح أيّ قوة في الأرض في إنهائها، حتى ولو أُخمدت نيران المدافع ستتقد العيون بالثأر من القتلة وإنهاء تسلطهم على الشعب.
قولوها للقتلة.. قولوها لمجلس الأمن.. قولوها للأمم المتحدة .. قولوها لمن يراهن على فشلها.. قولوها للدول المتآمرة.. قولوها للشعوب المتفرجة .. قولوها للأحفاد والأجيال القادمة.. قولوها للإعلام المنحاز للمستبدين ..
إنها ثورة شعب ...وليست معارضة..
وسوم: العدد 696