انتفاضة الحجر في ذكراها.. اغتالها أوسلو وقيادة استمرت على ذات المنهج
ظلت انتفاضة الحجارة العلامة الفارقة في تاريخ شعبنا الفلسطيني من حيث الأداء والقوة، الوحدة والسقف السياسي، حتى بواعث التجديد في تاريخ الحركة الوطنية.
فالأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني تحولت مقاومة الإحتلال إلى ثقافة جامعة للكل الفلسطيني، بل أصبحت مناط تحرك الناس وثقافتهم، الأمر الذي انعكس على اقتصاد الناس ومعاشهم وتعليمهم، فاهتم الناس في زيتونهم وأرضهم، و بالتعليم أيضا عبر لجان العمل الوطني المكافح لإغلاق المدارس، حتى البنية الاجتماعية عاشت مظاهر التكافل والمقاومة الذاتيه، فانقلبت بذلك على مظاهر التطبيع التي كانت مستشريه، فعزل ما كان سائدا "التنسيق مع العملاء" لتسهيل حاجات الناس، بعد أن كونت لهم الإدارة المدنية سطوة بين وقدرة لتمرير مخطط الروابط.
تطورت الحالة الفلسطينية بفضل الانتفاضة فاصبحت معها الضفة الغربية وغزة والقدس كمدن اقرب إلى العصيان المدني والشعبي الشامل في مواجهة احتلال أضحى بعرف القوة الدولة المسيطرة من خلال إدارة التعليم والصحة والشؤون المدنية.
الحالة الصهونية التي لم تستعد للانفجار ما رست عبر حكومات اليسار ومن ثم اليمين مكنة من البطش الشديد عبر سياسات الإبعاد وتكسير العظام، وغيرها من الاعتقالات الواسعة المجنونة، لكن بنية المجتمع المتحمسة الثائرة، سبقت جنون الاحتلال وظلت ترفد الحالة بقيادات ميدانية أفشلت مخططات الاحتلال، لكنها في ذات الوقت للاسف أخافت القيادات التقليدية الخارجية في الحالة الفلسطينية التي خشيت سحب البساط من تحتها.
هذا العنفوان الشعبي الهادر ولد حالة ثقافية عامة تقول( المعاكس لتيار المقاومة عميل) فتسابق الكل الفلسطيني لبناء ذاتيته على ثقافة الانتماء للحركات الوطنية، فلمعت على أساس ذلك الأأطر المقاومة في فتح والجبهات وحماس والجهاد الإسلامي، مما ولد حاله تنافسية محمومه وصلت حد الصدام العنيف بين الأطراف للسيطرة على المشهد.
ظلت الحالة الوطنية تعج نشاطا حتى تسرب للأوساط القيادية في فتح قناعة كانت كامنة منذ العام 1970 بضرورة استثمار الحالة والدخول بنوع من المفاوضات مع الاحتلال بعد أن مهد لذلك، اغتيال رموز فتح الثورية منها أبو جهاد وأبو إياد سعد صايل، الأمر الذي خلق حاله من كسر الثورة، بل طعنها في القلب خاصة أن الدخول هذا الفكر جاء في ذروة تبلور المقاومة المسلحة في الداخل الفلسطيني وعجز المؤسسة الصهونية السيطرة على الحالة الفلسطينية خاصة في غزة والشمال الفلسطيني.
ولد أوسلو فحيد فتح وغزة عن المقاومة المباشرة، كما تسبب في إدخال الحالة الفلسطينية في مواجهة ذاتها.
كما تسببت أوسلو المشهد الفلسطيني في الانكفاء عن القضية الفلسطينية في العالم ، بعد أن وصل الحد إلى تعاطف طال الانظمة الرسمية العربية التي رفعت لواء التأييد العلني لمقاومة الشعب الفلسطيني.
الحالة هذه أوقفت المد الشعبي أواسط العام 1993 وحصرت المقاومة الشعبية، مما جعل المقاومة تتركز في يد المقاومة الإسلامية التي خطت طريقها عبر ما بات يعرف بالعمليات الاستشهادية.
هذه المرحلة وما تلاها تشكلت معها السلطة الفلسطينية وبات تيارها يؤمن بضرورة انهاء المظاهر المقاومة لصالح سلسلة الاتفاقيات الدولية.
وقفت الانتفاضة وأسس لمرحلة جديدة نعيش نحن اليوم في آثارها السلبية التي من أهم ملامحها:
أولا: إضعاف البنية الوطنية المقاومة وتحول أهم الحركات الوطنية فتح إلى سلطة بلا جسم حقيقي له رؤية واضحة في المقاومة عدا(مرحلة انتفاضة الأقصى).
ثانيا: ترسيخ رؤية الأحادية القيادية تحت سقف أوسلو الأمر الذي قزم منظمة التحرير وحول الفصائل الفلسطينية في داخلها إلى فصائل ضعيفة التأثير.
ثالثا: مهد لانقسام سياسي حاد تسبب فيما بعد لحالة انقسام سياسي بين غزة والضفة الغربية.
رابعا: خلق ما يعرف (بأمراء المراكز) من خلال السلطة فحيد الكادر وأدخله في حالة التناحر على المكاسب الأمر الذي أوصلنا إلى تناحر كبير نعيش ملامحه في أزمة المخيمات والانفلات القائم في بعض المدن الفلسطينية.
خامسا: تكسرت موانع التطبيع مع الاحتلال، ودخلت فئات مجتمعية وسياسية في تطبيع ليس له حدود في ايمنا هذه.
سادسا: ترهلت الحالة المجتمعية والسياسية لصالح المظاهر الإنحلالية والرفاهية الواهمة مما خلق الشعور بوهم التحول من شعب تحت الاحتلال إلى حالة تشبه الدولة.
سابعا: نحر المقاومة و تحولها إلى سلوك دبلوماسي ومظاهر احتفالية شكلية في الضفة، وخنق المقاومة المسلحة في غزة عبر التحالف عليها حينا أو رفع الغطاء عنها مرة أخرى.
ثامنا: السماح لحركة تحولات خطيرة لدى العرب من خلال تطبيع اتسع حتى طال دولا ومؤسسات بل تجاوزه لخلق استراتيجيات مشتركة مع الاحتلال في ملفات المنطقة.
انتفاضة الحجر وبرغم مرور 29 عاما إلا أن ذكراها تعييد للذهن كيف قتل الفلسطيني ثورته، وكيف شيعها إلى نحر أدخل الحالة الفلسطينية في ضعف ستعاني منه حتى التخلص من آثار أوسلو.
برغم المراحل المقاومة التي مرت بعدها من انتفاضة الأقصى والقدس، عانت وستعاني من الإرث الذي تسبب في نعي انتفاضة الحجر المقدس، لذلك أي محاولة للثورة عليها التمهيد لثورة داخلية تنهي كل الرواسب التي علقت بالحالة الفلسطينية الناشئة عن ثقافة التفاوض القائمة اليوم.
وسوم: العدد 697