نولد كالأرانب ونموت كالأرانب!
مذ بدأ الحكم العسكري في 1952 والمشكلة السكانية تتفاقم وتتزايد ، بسبب فشل الحكام العساكر في قيادة البلاد على طريق النمو العلمي والاقتصادي والحضاري. ما زالت مصر تحيا على مساحة 6% من إجمالي الأرض المصرية ، والمصريون يقيمون بيوتهم الخرسانية الكالحة بناء رأسيا بشكل ناطحات سحاب ، ليس في المدن فحسب بل امتد الأمر إلى القرى والكفور والنجوع، يستهلكون أجود الأراضي الزراعية في إقامة المساكن القبيحة ، بينما الصحراء السافية تمتد من حدود فلسطين المحتلة شرقا حتى الحدود الليبية غربا ، ومن شاطئ البحر المتوسط شمالا حتى وادي حلفا جنوبا ، وهي خالية من البشر والأثر ، والخيبة تلاحق الناس الذين آثروا العيش في بطن الوادي ، واستكانوا لأحوال القهر والفقر والعبودية ، والفاشلون يبيعونهم أغاني وأناشيد من عينة " تفوت على الصحرا تخضر"! تخدرهم وتنفخ كبرياءهم ، وعائدها صفر !
الجنرال الذي يرأس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ، يرى أن الزيادة السكانية كارثة ومصيبة وفيروس خطير ، ولا بد من تحديد النسل . في الماضي كان يقال تنظيم النسل يعني أن تكون الولادة على فترات متباعدة ، مع الاكتفاء بولدين أو ثلاثة ، وفي حال التحديد أو التنظيم لم يلتفت أحد إلى من حُرم نعمة الإنجاب وكيف ندخله في هذه المعادلة ؟
من حق الجنرال الذي يعترف بفشل الحكم العسكري ضمنا أن يرى أن «الزيادة السكانية في مصر فيروس خطير يجب التخلص منه كما استطعنا التخلص من فيروس الكبد الوبائي (سي)». وإن كان فيروس الكبد ما زال حاضرا بقوة ، فهناك أكثر من عشرة ملايين يعانون ويئنون ويموتون كل يوم بسبب قصور العلاج .
ومن حقه أن يقول في كلمته بالمؤتمر العلمي للمجلس القومي للسكان مؤخرا 25/9/2016 ، إن الزيادة السكانية نقمة وتدفع المجتمع للأسفل نتيجة عدم وجود موارد للإنفاق عليها، مؤكدا أن المجتمع والمسئولين بالدولة لا يعون خطورة هذه المشكلة، وأن خطوات العلاج غير كافية، وحال المجتمع أصبح في تدهور.
ومن حقه أن يقاطع الدكتورة مايسة شوقي نائب وزير الصحة التي رفضت وصف السكان بـ«الكارثة»، مؤكدة أنهم أعظم ثروة، ويجب استغلالها وتوظيفها بالشكل الأمثل والارتقاء بالخصائص السكانية. وله أن يتمسك برأيه قائلا: «الزيادة السكانية كارثة بالفعل لأنه مفيش فلوس ننفق عليهم، والإمام الخميني في إيران في فترات سابقة دعا إلى تحديد النسل وتعقيم الرجال».
وقد ردت الدكتورة مايسة نائب وزير الصحة بأن المواطنين شركاء، ولا يجب أن أخاطبهم بأنهم «كارثة»، وأن خلافها مع رئيس «التعبئة والإحصاء» ليس في المضمون، بل في أسلوب المخاطبة، مشددة على أنه يجب أن نخاطب المواطنين ونقول لهم أنتم الأمل وأنتم بكرة.
هناك كثير من النخب التي تطالع الناس بالآراء المكتوبة أو المنظورة أو المسموعة من ينحو نحو الجنرال ، ويردد آراءه ، ويصف السكان في مصر بأنهم يولدون كالأرانب ويموتون كالأرانب ، ويحاول استنطاق التراث الإسلامي ، بأنه يحلل تحديد النسل ، ويستشهدون بما فعلته سنغافورة حين فرضت غرامة 500 دولار ، ورفع الدعم عن الطفل الثالث ويطالبون أن تكون السلطة في شجاعة تونس التي منعت الزواج بأكثر من واحدة وجعلت الطلاق أمام المحاكم، يقول وسيم السيسي ( المصري اليوم 30/9/2016): "كنت في مؤتمر في نيروبي، وبدعوة كريمة من سفيرنا على العشاء، قال لي: لشد ما يؤلمني C. D يوزع على كل الدول الأفريقية عن سكان المقابر في مصر بسبب الانفجار السكاني!. أضاف الرجل بمرارة.. أصبحنا عبرة!.."
بالطبع لم يقل السفير الموقر شيئا عن الحكم العسكري الذي يقود البلاد إلى الهاوية ، ولم يتكلم عن أسس بناء الدول على الحرية والشوري والعدل والتخطيط وتنظيم الموارد والمصارف ، وأن إمكانات مصر ، كفيلة بأن تجعلها أقوى دولة في الشرق الأوسط لو طبقت هذه الأسس ولكنها لا تطبقها ، وتفضل أن يكون هناك تباين صارخ في سلوكها وإنفاقها ، وتمييز فاضح بين أبنائها ومواطنيها ، ولذا لا يتبقى مال لإنفاقه على الأغلبية الساحقة التي تسكن العشوائيات والمقابر والأرصفة وقوارب الصيد الصغيرة فضلا عن الريف!
من المؤسف أن نشير إلى منهج الصين في معالجة المشكلة السكانية ، فقد اقتربت عدد سكانها من 1.4 مليار ، وكانت تلزم مواطنيها بعدم إنجاب أكثر من طفل ، ثم سمحت باثنين الآن ، وقد تتغاضى عن الثالث ، وارتقت في شتى المجالات بالعزيمة والإرادة ومكافحة الفساد وإقامة العدل بين أبنائها وتطبيق الشورى والعلم والخبرة في المستوى القيادي الجماعي حتى وصلت إلى الاقتصاد الثاني في المعمورة!
في الدول غير الشيوعية يبحثون عن الزيادة السكانية بكل السبل ، لأنهم يرون أن الثروة البشرية أغلى وأهم من كل الثروات . فالدنمارك تعمل على زيادة معدل المواليد بوساطة سلسلة من حملات الجنس الموجهة، بما في ذلك تلك التي دعت الدنماركيين "افعلها من أجل الأم". وقد أطلقت سلسلة من الحملات في العام الماضي عبر التلفزيون الوطني لتشجيع الدنماركيين على الإنجاب.
وبعد تسعة أشهر، أفادت التقارير أن الدنمارك ستشهد طفرة في عدد المواليد مع 1200 طفل أكثر من المقرر أن يولدوا هذا الصيف مقارنة بالعام الماضي.
وقد أعلنت السلطات المجرية عن رصد مكافأة تقدر بعشرة ملايين فورنت أى ما يقرب من ثلاثمائة ألف جنيه مصري لكل أسرة تقرر زيادة عدد أطفالها حتى ثلاثة اطفال. كما تعهدت هذه السلطات بمساعدة العوائل التي تقدم على مثل هذا القرار بتقديم المساعدات اللازمة لتملك بيتا مناسبا إلى جانب تقديم الدعم المالي المناسب حتى بلوغ الطفل الثالث العاشرة من العمر.
أما الرئيس رجب الطيب أردوغان فإنه يحضّ النساء التركيات على ألا يقل عدد ابنائهن عن ثلاثة، معتبرا أن حياة المرأة "لن تكون كاملة" ما لم يكن لها أولاد .وشدد أردوغان في خطاب ألقاه 5/6/2016 في افتتاح مقر جديد لجمعية النساء التركيات الديمقراطية ، على أنه من أكثر دعاة مشاركة المرأة في سوق العمل، شرط ألا يؤدى ذلك إلى منعها من بناء عائلة تضم العديد من الأطفال. وأضاف: "إن رفض الأمومة يعنى رفض الإنسانية"، مضيفا "أدعو إلى أن يكون لكل عائلة ثلاثة أطفال على الأقل" كون "العائلات القوية تبنى أمما قوية".
حين تكون لديك ثروة من البشر أنعم الله بها عليك ، وتفشل في استثمارها وتوجيهها وفقا للعلم والتخطيط والعدل ، فلا تلومن إلا نفسك ، ولن يجدي تحديد النسل فتيلا !
الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !
وسوم: العدد 699