مجلس الظلم والرعب الدولي
تأسّس ما يُسمّى مجلس الأمن الدولي سنة 1945 بعد الحرب العالميّة الثانية، وهو واحد من مؤسّسات منظّمة الأمم المتحدة.
ومن المحزن أنّ الدول المنتصرة فرضت بطريقة ما نظام مجلس الأمن، فجاء نظامًا رديئًا يأباه كلّ عقل سليم، ويُناقض قانون العدل ومبادئ حقوق الإنسان.
1- ومن أنظمته العجيبة أنّ هذا المجلس مكوّن من خمس عشرة دولة، منها خمس دول دائمة العضويّة، ولكلّ واحدة منها مقعد ثابتٌ دائمٌ في مجلس الأمن لا تنزاح عنه، ولا يُمكن أن تُزاح ! وهذه الدول الخمسة هي: الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والاتّحاد السوفييتي (الذي ورثتهُ روسيا بعد تفكّك الاتّحاد) وفرنسا وبريطانيا والصين.
2- وليست المشكلة فقط في أنّ هذه الدول منحت نفسها عضويّة دائمة في المجلس، بل زادت الطين بلّة بأن ابتدعت ما يُسمّى حقّ النقض لكلّ دولة من الدول الخمس الدائمة العضويّة، ومعنى حقّ النقض أنّه لو اتّفقت أربع عشرة دولة من دول المجلس على قرار إلاّ دولة واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية رفضته، فإنّ القرار يسقط، ويُرمى في سلّة المهملات، فأين مبدأ الأكثريّة، وأين الديمقراطيّة المدّعاة. وقد يكون موضوع البحث متعلّقًا بالدولة المعترضة أو دولة صديقة لها، أو تربطها بها مصالح، وهنا يقول منطق العدل: إنّه يجب ألا يكون للدولة التي يتعلّق الموضوع بها صوت أصلاً، إذ أنّها لن تُصوّت إلاّ بما يحقّق مصالحها وأهدافها، ولو أضرّ بالعالم كلّه وبالسلم العالميّ، فكيف يحقّ لهذه الدولة أن يكون لها صوت فضلاً عن أن ترفض موقف العالم كلّه المتمثّل ببقيّة دول المجلس وتردّ ما اتّفقوا عليه.
3- إنّ مجرّد حقّ النقض ظلم واضحٌ وسعيٌ ماكر لبقاء هيمنة تلك الدول وبقاء سيطرتها على العالم، وإضفاء شرعيّة مزيّفة على عدوانها وظلمها.
أمّا أن يكون للدولة التي يبحث المجلس أمرًا متعلّقًا بها حقّ النقض فهذا ظلمٌ مركّب واستخفاف بالبشريّة - يدعو إلى القرف - تمارسه دول تدّعي الحضارة والرقيّ والتقدّم، ونسف للسلم العالميّ من أساسه.
4- يستطيع المجرم أو المتّهم الذي يسعى العالم - إن لم يكن العالم متآمرًا معه - لكبح جماحه وردعه عن عدوانه أن يبصق في وجه العالم ويُتابع إجرامه دون أدنى مبالاة باستخدامه لحقّ النقض المصادم للحقّ والعدل.
5- ومن الأنظمة العجيبة في المؤسّسة الدوليّة أنّ قرارات الجمعيّة العامّة ليست ملزمة على الرغم من أنّها تضمّ عددًا من دول العالم اقترب من مائتين لكنّ قراراتها دون قرارات مجلس الأمن في المرتبة والمنزلة.
6- والمعروف عالميًّا أنّ المجالس النيابيّة في الدول الديمقراطيّة تحظى بسلطان وسلطات فوق سلطات الحكومات والوزارات، وهي التي تمنحها الثقة، وتحاسبها، وترسم سياساتها، وتضع خططها وتعزلها إذا اقتضى الأمر، وكذلك الأمر في الجمعيّات العموميّة في المؤسّسات والشركات فهي التي تُقرّ نظام الشركة، وتضع خطّتها وتُعيّن المديرين وتُحاسبهم، إلاّ في هذه المنظّمة فالأمر معكوس ومقلوبٌ، حيث يتحكّم في مجلس الأمن عدد من الدول لا يُجاوز أصابع اليد الواحدة، وليس للجمعيّة العموميّة دور حقيقيّ لا في المحاسبة ولا في غيرها.
وثمّة مآخذ أخرى على نظام الأمم المتّحدة ومؤسّساتها، وما عرضناه ما هو إلاّ عيّنات ليس غير.
7- لقد تطوّر العالم بعد الحرب العالميّة الثانية وقفز قفزات واسعة في مجالات كثيرة منها مجال الأنظمة والقوانين في الدول والحكومات والمؤسسات والشركات، وبقيت قوانين المنظّمة الدوليّة مهترئة في حال جمود مريب.
8- ومن أعظم أسباب ذلك الجمود تشبّث الدول الخمس المستفيدة من هذا النظام الظالم المهترئ به وحرصها عليه.
9- ويحقّ لكلّ عاقل أن يسأل ماذا فعلت المنظّمة الدوليّة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي في أمّهات الأزمات العالميّة في العقود الأخيرة كأزمة كوسوفو وجروزني وميانمار وتايلاند، ثمّ ماذا فعلت لفلسطين وسورية والعراق واليمن؟ إنّ كلّ دولة من هذه الدول المنكوبة تُقدّم قصّة حزينة من الظلم أو من تآمر المجتمع الدولي ممثّلاً بالمنظمة الدوليّة ومؤسّساتها، لقد أنعمت على الشعب السوري بالقلق والأسف والحزن، وما يُشبه هذا من كلام تافه لا يُسمن ولا يُغني من جوع، وعندما أقدم الأحمق الخائن بشار على استخدام الأسلحة الكيميائيّة عشرات المرّات وقتل الآلاف لم يزد موقف مجلس الأمن على الإعلان بأنّه سيحقّق لمعرفة الفاعل، ولا بارك الله في هذا المجلس الذي لم يعرف حتّى الآن مَنِ الفاعل، ولم تطلبه المنظّمة الدوليّة إلى محكمة الجنايات الدوليّة، وقد عرفه العالم حتّى العميان.
10- ترى المنظّمة ويرى العالم جيوشًا طائفيّة منفلتة في سورية تُعاون القاتل بشارًا وتسانده، بل تحتلّ سورية وتذيق شعبها ألوان العذاب من قتل ونهب وتشريد وتهجير فلا تزيد على القول بأنّ: (هذه الأعمال قد ترقى إلى جرائم حرب) بل إنّ الأمم المتّحدة ساعدت في تهجير الناس وإحداث تغيير ديمغرافي كبير وخطير بدلاً من أن توقف القتل والدمار والتشريد والتهجير القسريّ واحتلال جيوش الصفويين والروس والميليشيات الطائفيّة لبلادنا؟
فما هو المطلوب:
إنّ المطلوب دراسة شاملة يتلوها تغييرات جذريّة في نظام مجلس الأمن يتضمّن إلغاء حقّ النقض وتصحيح علاقة المجلس مع الجمعيّة العموميّة ليُصبح دورها أقوى من دور مجلس الأمن خاصّة عندما يحدث استعصاء في مجلس الأمن في بعض الأمور، وبغير هذا لن تُصبح الامم المتّحدة موئلاً للمظلومين وملاذَا للمستضعفين ورادعًا للطغاة والمستبدّين، والأفضل حينئذٍ إلغاؤها لئلا تشرعن الظلم والعدوان.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
أحمد الجمّال الحمويّ
نائب رئيس جمعية علماء حماة سابقًا.
عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام.
عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين.
عضو الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين.
وسوم: العدد 701