هل تشكو من عصبية زوجك أو ولدك أو جارك؟
نواجه في الحياة أناساً عصبيين، يثورون لأتفه الأمور، وغالباً ما يخرجون عن أطوارهم، ويجعلون الأجواء من حولهم مسمومة أو متوتّرة!.
نسمع هذه الشكوى من زوج على زوجته، أو من زوجة على زوجها، أو من جار على جاره، أو من مرؤوس على رئيسه...
وفي الحقيقة حيثما وُجد الإنسان العصبي فهو يولّد بؤرة توتُّر في المحيط الذي يعيش فيه أو يتعامل معه. وتزداد المشكلة إذا كان الآخرون لا يستطيعون تجنّب هذا الإنسان أو الابتعاد عنه، كما في الحالات التي أشرنا إليها آنفاً. فماذا يعملون؟!.
قد يبدو العصبي إنساناً قوياً جباراً، وهو في الحقيقة ضعيف ضعيف!. إنه كالسكران الذي يتملّكه شعور خادع بالقوة، لكنه يمشي مترنّحاً، ويسقط أمام أي عثرة أو صدمة. وكلا العصبي والسكران يتجنّبه الناس اتّقاء شره، أو توهُّماً لقوته!.
إن من أهم مقاييس قوة الشخصية القدرة على ضبط النفس، والتحكم بالمشاعر، والسيطرة على المواقف، وحسن التصرّف والتكيّف في أي موقف. وفي الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم: "ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". والعصبيّ بالذات هو الذي لا يملك نفسه عند الغضب!.
وفي أغلب الأحيان لا يقصد العصبي إيذاء مشاعر الآخرين، لكنه يفقد السيطرة على أعصابه، فتنِدُّ منه تصرفات قولية أو فعلية، ينفّس بها عن غضبه، فقد تراه بعد ساعة يعود إلى التعامل الطيب مع الذين ثار في وجوههم!.
ولنتذكر أن صفة "العصبية" التي نتكلم عنها، قد توجد عند الأطفال، وعند المراهقين، وعند الكبار... عند الذكور والإناث. ومن الصعب ذكر سبب وحيد لظهور هذه الصفة. لكن نظرة تحليلية يمكن أن تلقي الضوء لاستكْناه الأسباب, والتعرف على العلاج.
العصبي ينزِع – بشكل لا إرادي – إلى لفت الأنظار إليه، وإشعار الآخرين بأهميته، ومحاولة تحقيق طلباته قسرياً، والتعويض عما يظنه حقوقاً له مهضومة، والتصرف بردّ فعل على حرمانه من الحب والتقدير، لا سيما إذا كان مصاباً بجنون العظمة، ويرى الآخرين من حوله لا يقدرونه قدره!.
ولو تفحّصنا مَنْ حولنا من العصبيين، من أطفال ومراهقين وكبار... لا نجد أحوالهم تخرج عن هذا التشخيص، فهم إذاً مرضى يحتاجون إلى رفق ومعالجة، أكثر منهم مذنبين يستحقون العقاب. ومعالجة هؤلاء تنصبُّ إذاً على توجيه ذويهم ورفقائهم، قبل أن تنصبَّ على توجيههم أنفسهم.
فإذا كان شريك حياتك، أو جارك، أو ابنك... عصبياً، فاسترشد بهذه النصائح العشر:
1- غالباً ما تظهر بوادر الغضب على وجه هذا العصبي وعلى أعضاء جسمه، قبل الانفجار، فتراه يتنفس بسرعة، وتنتفخ أوداجه، ويقطب حاجبيه، ويقبض كفّيه بقوة، ويضغط فكَّيه، وقد يضرب الأرض بقدميه... وعندئذ تجنّبْ إثارته، وابتعد عنه ما استطعت، ولا بأس أن تسايره فيما يطلب، مالم يكن في هذا أذى ظاهر!.
2- إذا علمت بأن هناك أموراً تستثيره، وتسبب له التوتر العصبي، وكان بإمكانك تجنبيه هذه الأمور، لتحول دون توتره، فجنِّبه إياها.
3- حاوِرْه عندما يكون هادئاً. ولْيكن حوارك لبقاً لا يثير في نفسه العزّة بالإثم. وإذا اضطررت إلى الحوار معه وهو غاضب، فليكن بعبارات مختصرة منتقاة، بعيدة – قدر الإمكان – عن الاستفزاز. ولاحِظْ أن كثيراً من العبارات التي لا تسبب استفزازاً عند الأسوياء، قد تستفزُّ العصبي عند ثورانه، كما قد تسبب له الإثارة وهو هادئ!.
4- لا تُشْعِرْه أنك ضعيف أمامه، خائف منه، فهذا قد يجعله يتمادى في عصبيته، بل حافظ على تماسكك وثباتك، وأشعِرْه أنك مهتمّ به، راغب في مساعدته، وأنك تستمع إليه باهتمام، ولكن لا تُظْهِر موافقتك إياه على خطئه بقصد تهدئته، بل قل له مثلاً: سنجد حلاً للمسألة إن شاء الله!.
5- بعد عودة الهدوء إليه، أشعره أنك تتفهّم موقفه من ناحية، وأنك لا توافقه على طريقته في التعبير عن هذا الموقف، وأقْنِعْه أن ضبط أعصابه أدعى إلى حل المشكلات والوصول إلى التفاهم، وأن عاقبة الغضب هي الندامة، وعاقبة الحلم والأناة الفلاح.
6- ذكّره، بين الحين والآخر، أن الله تعالى أثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وذكّره بوصية النبي r: "لا تغضب" – في حديث رواه البخاري – وأن الغضب حالة تعرو معظم الناس، لكن المطلوب منهم ألا يسترسلوا معه ويفقدوا أعصابهم، لذلك أرشد النبي r من يعروه الغضب أن يتوضأ، وأن يجلس إذا كان واقفاً، أو يستلقي... وأن يذكر الله تعالى.
7- تذكّرْ دائماً، وأنت تتعامل مع العصبي، أنك تعالج مريضاً، فاصبر عليه، وتخوَّلْه بالنصيحة، ولا تقاطعه، ولا تعاقبه، بل ادعُ الله تعالى له.
8- هناك العصبية العارضة التي قد تحدث مع كثير من الناس حين يواجهون ضغطاً نفسياً هائلاً، من غير أن تكون العصبية شأناً متكرراً عندهم. هؤلاء ليسوا مرضى، ولا يحتاجون إلا إلى مسكّن مؤقت، من كلمة طيبة، ونصيحة مخلصة، ريثما يعودون إلى توازنهم، ويتدبروا أمورهم بحكمة.
9- وهناك العصبية المرتبطة بمراحل النمو، وبشكل خاص في الطفولة وفي المراهقة، حيث يلجأ الطفل أو المراهق إلى العصبية ليلفت الانتباه إليه، ويحصل على ما يريد من أمور مادية أو من احترام وتقدير واهتمام. ومعالجة العصبي في هذه الأحوال تحتاج إلى حكمة. إذ لا يجوز الاستجابة له كلّما "عصَّب" لئلا يرى أن تعصيبه هو الطريق إلى تحقيق ما يريد. إنما يجب تهدئته بالكلمة الناعمة مرة، وبالزجر والحزم مرة، وبالحوار معه بعد أن يهدأ، ثم – وهو الأهم – معالجة أسباب عصبيته بشكل غير مباشر، بأن نشعره بالحب والتقدير والتفهم لمواقفه ما دامت في النطاق السليم، وبأن نقنعه بخطئه عندما يخطئ...
10- هناك، أخيراً، العصبية المفتعلة!.
كان حديثنا في كل ما سبق، عن الإنسان الذي لا يملك السيطرة على أعصابه، لسبب أو لآخر، وكنا نتعامل معه على أنه مريض يحتاج إلى عطف وعلاج.
لكن هناك أناساً يفتعلون العصبية عندما يريدون! فكلما أرادوا أن يعبّروا عن أحقادهم المتراكمة تجاه آخرين، اصطنعوا الانفعال الزائد والغضب العارم والعصبي، وأفرغوا ما في صدورهم بعبارات جارحة، تحمل الإهانة والتحقير والتهديد لهؤلاء "الآخرين"، وبذلك يحققون غرض التعبير عن أحقادهم وإهانة خصومهم، من ناحية، كما أنهم ينجون من المؤاخذة على ما بدر منهم، بحجة أنهم كانوا في حالة "عصبية".
إنهم يغضبون و"يعصّبون" عندما يريدون، ويهدؤون عندما يريدون!. فإذا كان مرض العصبيين الذين تحدثنا عنهم من قبلُ، مرضاً عصبياً فعلاً، فإن مرض هؤلاء مرض أخلاقي.
وبطبيعة الحال فإنه ليس من السهل على كل إنسان أن يكشف ما إذا كان الغضب (أو التعصيب) حقيقياً أو مفتعلاً، إنما يكشفه أولئك الذين عايشوا هذا الفرد، وعرفوا فيه افتعال العصبية عندما يريد، أي عرفوا أنه يقوم بـ"تمثيل دور العصبي" حيلةً منه لإيذاء الآخرين، والتنصل من مسؤولية ذلك.
فإذا كنتَ ممن يكشف افتعال العصبية عند إنسان فعليك أن تفوِّت عليه الحيلة، بأن لا تُظهر به اكتراثاً، بل أن تُظهر له احتقار هذا الدور الذي يمثّله!.
*****
ما أجمل أن نُشيع فيما بيننا ثقافة الحب والتسامح والحِلْم والأناة والحوار، وأن نَقْصُر غضبنا على ما يستحق الغضب فعلاً، وأن نقتدي في هذا وذاك بسيد الخلق محمد r الذي "ما انتقم لنفسه في شيء قَطُّ، إلا أن تُنْتَهَك حرمةُ الله، فينتقم لله تعالى" متفق عليه، والذي قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شانه" رواه مسلم.
اللهم زيّنّا بالعلم، وجمّلنا بالحلم.
وسوم: العدد 703