ثقافة الهبل-الهبل في علاج المرضى
علينا أن نعترف بأنّ الجهل المستفحل بين أبناء أمّتنا هو سبب معاناتنا على مختلف الأصعدة، وتتصاعد النتائج الكارثيّة للجهل لتصل إلى الاحتراب الدّاخليّ، وقتل مئات الآلاف، وتدمير الأوطان، بل وتصل إلى درجات تضييع الأوطان، وخدمة الأعداء لترسيخ هذا الضّياع، وعلينا الاعتراف بأنّنا ورثة عادات وتقاليد هي وليد شرعيّ للجهل، وجزء من عاداتنا تتناقض والدّين الذي نؤمن به، وجهلنا يدخلنا في حلقات مفرغة من المصائب لا نهاية لها، فما أن يخرج المرء من حلقة حتّى يدخل في أكثر من حلقة أكثر صعوبة من الأولى، وإذا لم ترعَ الحكومات تطوير التّعليم في مراحله المختلفة، وتضمنه كحقّ لجميع مواطنيها، فإنّ هزائمنا ومصائبنا ستتواصل إلى ما لا نهاية، وستهدّد وجودنا على هذه الأرض.
وسأطرح هنا قضيّة المرض، وما يصاحب التّعامل معه عند كثيرين من هبل واستهبال: " ممّا يروى أنّ عمر بن الخطاب مرّ برجل يقرأ القرآن على ناقته الجرباء، فقال له: لو أضفت قليلا من القطران إلى قراءتك لشفيت ناقتك." أيّ أنّ "القطران" علاج للجرب كما معروف في ذلك الزّمان، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "لكل داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دواءُ الداء، بَرَأَ بإذن الله عزَّ وجل"
وهذا الحديث يؤكّد على وجود الدّواء، وأنّ المريض سيشفى إذا ما أعطي الدّواء المناسب لدائه، وفي هذا الحديث أيضا دعوة إلى العلم والبحث عن أسباب الأمراض وتشخيصها وتقديم الدّواء المناسب لها. أمّا الاعتماد على عادات الجهل والتّخلف من شعوذة وغيرها في التّعامل مع المرضى، فهذه هي الكارثة بعينها. ولعلّ المصابين بالأمراض النّفسيّة أو العصبيّة أو العقليّة هم الأسوأ حظّا في مجتمعات التّخلف، حيث يتم علاجهم بالشّعوذة والاعتقاد بأنّ "الجنّ يتلبسّسهم، وعلاج ذلك بالضّرب المبرح الذي قد يودي بحياة المريض، وما ينتج عن ذلك من تبرئة للقاتل، وردّ الأسباب -في فهم خاطئ- إلى "القضاء والقدر". وإذا ما قُدّر للمريض أن يبقى على قيد الحياة فإنّ مرضه سيزداد بالضّرب. مع التّأكيد على التّقدم العلمي في مجال الطّبّ، ولا بديل عن الطّبّ لعلاج الأمراض كافّة.
ومن النّوادر على العلاج بالضّرب للأمراض النّفسيّة، ما ورد في حكاية شعبيّة تقول: "يروى أنّ أحد شيوخ القبائل كان ثريّا وكريما، ويملك مخازن كبيرة للحبوب، وأصيبت بلاده بالمحل وانحباس الأمطار، فأخذ يوزّع الحبوب على أبناء عشيرته، ليحميهم من جوع محقّق، ولمّا تكرّرت سنوات المحل، نفذت مخازنه من الحبوب، ولشدّة كرمه وتعاطفه مع الجوعى والمحتاجين، تمنّى لو أنّه يتحوّل إلى جبل من القمح، كي يغرف الجياع والمحتاجون حاجتهم منه، فأصيب بانفصام واعتقد أنّه تحوّل إلى جبل من قمح، فقام أتباعه وأوثقوا قيوده وبدأوا يعالجونه بالضّرب المبرح، فقال لهم:
لقد شفيت الآن ففكّوا قيدي، وتوقّفوا عن ضربي.
فسأله أحدهم: هل أنت مقتنع الآن بأنّك الشّيخ فلان، ولست قمحا؟
فأجاب: نعم أنا مقتنع، لكن من يقنع ذلك الدّيك بذلك كي لا يأتي ويبتلعني؟
ويبقى السّؤال هو: من يقنع من يحملون عقل ديك أنّ علاج الأمراض عند الأطبّاء والمستشفيات، وليس عن الجهلاء والمشعوذين؟
وسوم: العدد 705