على هامش ظاهرة الفتاوى التكفيريّة لدى الفصائل في سورية

إزاء ما تشهده الساحة السورية من تفشٍ لظاهرة الفتاوى التكفيريّة لدى الفصائل، و لاسيّما الجهاديّة منها ( إخوة المنهج )، يمكن للمراقبين أن يُشيروا إلى جملة من الأمور بهذا الصدد:

ـ بعد أن تمّت أسلمةُ الثورة في سورية، فقد كان متوقعًا أن يكون هناك حضورٌ للتيارات السلفية، كردة فعل على نمط التديّن ( الصوفي المتراخي، و المشيخي المساير )، المصنّف كجزء من منظومة الحكم القائم.

ـ إنّ الرغبة في إطالة أمد العنف في هذا الملف، تستدعي حضورًا لأصحاب الرؤى المتشددة، بحكم التعبئة التي تحصل لهم، و هم مؤهلون إلى أبعد مدى للتكفّل بالحروب الموسومة بـ ( الدينية )، و هي عادة ما تكون طويلة، و لا يميل دعاتها إلى الحلول التفاهميّة؛ و بذلك تمثّل ثقبًا أسود يمتصُّ كثيرًا من العوالق، التي تريد أن تتخلّص منها الدول المتحيّنة هكذا فرص.

ـ إنّ جرجرة الأطراف التي يُراد لها أن تغوص في الوحول السورية، كإيران و ملحقاتها، و تركيا، و روسيا، و حتى خصوم إيران التقليدين في المنطقة، من خلال ابتلاعها طُعم التطييف، و الأدلجة في الكعكة السورية، ستكون ( ابتداءً ) من خلال تسهيل أمر تلك الجماعات للانخراط في تفاصيل هذا المشهد، و ( لاحقًا ) من خلال تعقبها بعد إدراجها في قوائم الإرهاب الدوليّ.

ـ إنّ الاكتظاظ الذي شهدته الساحة السورية لأصحاب الرؤى و التيارات الإسلامية المؤدلجة، لينتظر تصادمًا فيما بينها؛ بحكم اختلاف المشارب العقدية و الفكرية و السياسية لها، فكلٌّ منها يرى في نفسه المشروع المرتجى للسوريين، و لا ضير كي يتجسّد واقعًا ملموسًا أن يفتح أبواب الصدام كلّها مع أصحاب المشاريع الأخرى، متذرِّعًا في ذلك بقضايا هي أقرب إلى الوسائل منها إلى الغايات، كالحديث عن الديمقراطية، و العلمانية، و المجتمع المدني، و القبول بتحكيم غير شرع الله، و الصلح و المهادنة مع النظام، و الالتقاء مع النافذين في الملف السوري، و تلقي الدعم من غرفتي ( الموم، و الموك )، و الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، و هو الأمر الذي أنتج صراعًا فصائليًا في غير ما زمان و مكان.

ـ إنّ التباين بين أطياف السلفيّة الجهادية ( إخوة المنهج )، ليعدّ الأبرز بين الجماعات الإسلامية؛ بسبب طبيعة تعاطيها الحادّ مع مواضيع الخلاف الكبرى، كالولاء و البراء، و السمع و الطاعة لولي الأمر، و الاستعانة بغير المسلم، و أحكام ديار الحرب و الهجرة، و هي في ذلك على خصام شديد، و كثيرًا ما قامت الحكومات و الدول، و الأجهزة المخابراتية المحلية و العالمية باختراقها في ظلّ هذه المسائل الجدليّة.

ـ لقد ولّدت جملةُ هذه الأمور إشكالات خرجت عن السيطرة في كثير من الأحيان، و نتج عنها صدامات و مواجهات مسلحة مع الفصائل الأخرى، محليّة و عالميّة، مؤدلجة و مهنيّة، و لم يستثنَ فيها أيُّما سلاح، و سالتْ فيها شهيةُ المُفتين و الشرعيين إلى أبعد مدى، و لم يبقَ في كتب الفرق و المذاهب الإسلامية فتوى تتباين مع واقع الحال: زمانًا، و مكانًا، و شخوصًا، إلاَّ و استُحضِرت، حتى لكأنّ القوم في الزمان، و المكان الأوليين، حيث الخلاف ولّدَ شرخًا في الصفوف، لم يلتئم على مرّ السنين.

ـ لقد عادت ظاهرة الكفير لتوِّها لدى الفصائل الجهاديّة، مُطلَّة برأسها جالبة الكثير الآلام للأمة الإسلامية، التي مازلنا نعاني و ندفع ثمنها، فبدعةُ التكفير، أو ظاهرة التكفير، أو الغلو في التكفير هي من أخطر الظواهر، و الآفات التي تعترض السوريين في أيام محنتهم، ذلك أنّ الذين يحكمون على بعض الناس بالكفر يستحلون قتلهم و لو كانوا في بيوت الله.

ـ إنّ هذه القضية ليست بالسهولة التي يظنها الواقعون فيها، إنّها في غاية الخطورة، فالحكمُ على الناس بالكفر يعني رميتهم بأبشع تهمة، فإذا كانت الخيانة بالمنطق الوطني تعدّ أبشع تهمة، فإنّه بالمنطق الديني تعدّ الردة أبشع جريمة أيضًا، و عليه لا يجوز التهاون في إطلاقهما دونما تثبّت من جهات قضائية عليا، متفق عليها و على مرجعيّتها القانونية.

ـ إذا كانت الحالةُ الفصائلية قد جعلت الثورة السورية في أحرج ظروفها، فإنّ هذه الفتاوى قد جعلت الفصائلَ فيها مثلاً غير مطمئن للمشروع الإسلاميّ، و حملتْ كثيرًا من الحواضن الاجتماعية لتخطوَ عنه خطواتٍ يصعبُ العودةُ عنها في المدى المنظور.

وسوم: العدد 708