هل يَقفز الضابط المغامر ، في بلادنا ، إلى السلطة ، ليقول للناس : شاركوني فيها !؟
( القاعدة العامّة : أن العسكر الانقلابيين ، يفترسون خصومهم - من عسكر وساسة – أولاً .. ثمّ يفترسون حلفاءهم في الانقلاب .. ثمّ يفترس بعضُهم بعضاً .. ثمّ يفترس آخرُهم ، أقربَ الناس إليه ، خوفاً من غدره ، أو استئثاراً بالسلطة ، دونه .. ليظلّ ، وحدَه ، الزعيم الملهم ، الذي ينتزع لنفسه ، صفتين من صفات الألوهية ، هما : / فعّال لِما يُريد / و /لا يُسأل عمّا يفعل !) .
والحالات النادرة لا يقاس عليها .. كحالة عبد الرحمن سوار الذهب، في السودان ! فهذه حالات تعكس طبائع رجال حقيقيين، بشَر، وأبناء وطن، وكبار في نظر أنفسهم ، قبل أن يكونوا كباراً في أنظار الناس ! وكل منهم يرى السلطة وسيلة ، لإدارة حياة الناس ، وتحقيق مصالحهم ومصالح أوطانهم ، لا وسيلة للتحكّم بهم ، ونهب ثرواتهم ، وخنق حرياتهم ..! وهذا هو الفرق ، بين الرجل الكبير، الذي يرى نفسه أكبر من السلطة ، وبين الصغير، أو القزم ، الذي يرى نفسه هزيلاً، تافهاً، لا قيمة له خارج دائرة الكرسي ، الذي يجلس عليه ، ويطلّ على الناس مِن فوقه !
الذين يطالبون لصوصَ الحكم ، بإشراك شعوبهم في سلطاتهم ، يقسمون إلى فئات عدّة ، من المواطنين ، أبرزها :
السذّج الذين لا يفقهون شيئاً ، من الحياة الإنسانية ، الاجتماعية منها ، والسياسية وغيرها ..! ( ونؤكّد على أن المقصودين هنا ، هم لصوص الحكم ، من العسكر المغامرين .. لا كل مَن استولى على السلطة السياسية ، بقوّة العسكر.. فالنموذج السوداني ، واضح لدينا.. وقد أشرنا إليه ، بداية) .
العجَزة الذين لا يملكون شيئاً ، من وسائل القوّة ، يجابهون به ، قوّة العسكر في بلادهم ! وإذا ملكوا ما يمكّنهم من المجابهة ، تردّدوا ، وأحجموا، وجَبنوا ! فهؤلاء ، إنّما يمنعهم عن مجابهة اللصوص المستبدّين : العجز ، أو الجبن ، أو كلاهما..لا الحكمة ، ولا الحرص على مصلحة الوطن والشعب !
النخب العاقلة المثقفة ، التي تعلم أن الحكم ، إنّما هو حقّ للشعوب ، لا للمغامرين ! وتعلم أن المجابهات المسلحة ، بين أبناء الوطن الواحد ، تضرّ أكثر ممّا تنفع ! وتؤمن أن للكلمة تأثيراً حقيقياً ، في الصراعات السياسية والاجتماعية .. ولو كان هذا التأثير بطيئاً ! حتى إذا جاوز طغيان اللصوص ، وعبثهم بمصير البلاد والعباد ، كل حدّ ، واستثارت حماقاتُهم ، حماقاتٍ ، أو حماساتٍ ، شعبيةً مضادّة ، واشتعلت نيران الصراع الدامي المدمّر.. انصرف همّ هذه النخب المثقفة العاقلة ، إلى إطفاء الحرائق ..! أو احترقوا في لهيبها.. كما حَدث ـ ويحدث اليوم ـ في بلدان كثيرة !
المناهج الموحّدة ، التي يتبعها لصوص الحكم ، في سبيل استيلائهم على السلطة ، وفي سبيل احتفاظهم بها :
صناعة الشعارات البرّاقة ، التي تتضمّن أهدافاً وطنية عامّة.. واتّخاذَها أغطية ، لتسويغ /الاستيلاء/على السلطة ، مثل:(تحرير.. إصلاح.. مكافحة فساد.. رفع مستوى الشعوب اقتصادياً واجتماعياً.. إزالة الطغيان..!) وبالطبع ، كل لصّ يتبنّى من هذه الشعارات، ما يراه مناسباً لظروف بلاده ، وتطلعات شعبه !
ابتكار عناوين جذابة ، وجعلها شعارات ، تتضمّن أهدافاً عامّة .. واتّخاذها أغطية، لتسويغ /الاحتفاظ/ بالسلطة مدى الحياة ، مثل : (المحافظة على أمن الوطن ، من المؤامرات الداخلية والخارجية .. المحافظة على المنجزات والمكتسبات ، التي حققتها/الثورة المباركة !/..المحافظة على الوحدة الوطنية ، من عبث العابثين)! وهنا ، كذلك ، يتّخذ كل لصّ ، ما يراه مناسباً ، لظروف بلاده وتطلعات شعبه ، من شعارات خادعة ، يغطّي بها الهدف الحقيقي ، من استئثاره بالسلطة ، واحتفاظه بها، إلى أن يهلك ، أو يطيح به انقلاب آخر، يحمل الشعارات ذاتها، أو شعارات أخرى مشابهة !) .
النقاط التي يستند إليها ، لصوص الحكم ، في سرقة السلطات السياسية ، والاحتفاظ بها:
قوّة السلاح ، لدى الجيوش الوطنية ، وهي قوّة حَصرية ، لا تملكها ، في العادة ، أيّة فئة، داخل الدولة ، سوى الجيش! ( وأهمّ ركيزة ، في هذه القوّة ، هي قوّة الميليشيات الخاصّة ، التي تصنعها الحكومات ، لحماية كراسيها ، وتسمّيها أسماء مختلفة ، مثل : كتيبة حماية الثورة .. سرايا الدفاع .. سرايا الصراع.. الوحدات الخاصّة .. الحرس الجمهوري ..!)
جهل الشعوب بحقوقها ، وجهلها بأساليب الاحتفاظ بها ، وجهلها بأساليب مقاومة اللصوص الذين يسرقونها !
الضعف النفسي والخلقي ، لدى فئات من الناس الانتهازيين ، المستعدّين لخدمة أيّ قويّ ، حتى لو سَرق حقوق شعبهم كلها.. وحتى لو استولى على بيوتهم ، وعبث بكراماتهم ، ونهب قوت أطفالهم ..!
تناقضات المعارضات ، وتشتّت آرائها ، وتباين مصالحها .. مع تغذية هذه التناقضات ، بشكل مستمرّ ، من قِبل لصوص الحكم .. وتأجيج الصراعات ، بين هذه القوى المعارِضة ، لتظلّ منصرفة عن مقاومتهم ، مشغولة بالمشكلات ، القائمة فيما بينها !
اعتماد اللصوص ، على دولة خارجية قوية ، عند القفز إلى السلطة ، وعند الاحتفاظ بها !
كثيرون من قادة المعارضات ، عرفوا أبعاد اللعبة ، التي يمارسها لصوص الحكم في بلادهم ..ّ إلاّ أنهم محكومون بتناقضات الواقع ، التي تقيّد تصرفاتهم وقراراتهم ، داخلياً وخارجياً ..! ومِن أبرزها ، وأشدّها تكبيلاً لإرادة المعارضة ، في بلادها : تناقضات المعارضة فيما بينها ..! وهذا هو الرهان الأقوى ، الذي يراهن عليه لصوص الحكم في بلادهم ، ليظلوا محتفظين بالسلطات ، أطول فترة ممكنة ! مع إدراك قادة المعارضات لهذا الرهان ، وعجزهم عن تأجيل الاهتمام بتناقضاتهم ، إلى ما بعد تحرير بلادهم ، من سيطرة اللصوص !
ولله في خلقه شؤون !
وسوم: العدد 708