الدنيا ليل وغربة ومطر
سليمان عبد الله حمد
الدنيا ليل غربة ومطر .. وطرب حزين وجّع تقاسيم الوتر .. شرب الزمن فرح السنين .. والباقي هداهو السهر! .. اكاد اجزم ان من اقسي مايمكن ان يشعر به اي إنسان عاش وتربي في حضن الوطن وعشقه هو ان يبتعد عنه او ان يُفرض عليه هذا الإبتعاد! ان تعيش وانت تحمل السودان في كل خطاويك وتسافر إليه يوماتي , تتخيل نفسك وانت تسير ليلا فاردا صدرك راسك للامام حينا وكثيرا نحو السماء في شارع الاربعين او الموردة امدرمان او انك هنالك مع بعض اعز الرفاق تتناولون فتة فول وجبة عشاء في بري او بحري .. تقف هنالك في ميدان ابو جنزير خلف المسجد الكبير الخرطوم تنتظر حافلة تعود بك الي بيتك وتكون في قمة السعادة وانت تجلس تجاور الشباك والحافلة تعدي الكبري ونظرك الي النيل وضاربك هواء الكبري! .. انت في بعض ديار الغربة حيث الاسواق الكبيرة والعمارات الشاهقة والشوارع النظيفة تحن لشارع بيتكم الذي قد يكون زقاقا ليس إلا تملؤه مياه الامطار في فصل الخريف او حتي مياه غسيل من طشت جارك العزابي! , كثيرون هم امثالنا ممن طوتهم الغربة عن الوطن 6 ملايين سوداني او اكثر ينتشرون الان في هذا العالم الوسيع بينهم من شردتهم الحرب ومن هم في معسكرات النازجين في دول الجوار ومنهم اللاجئين في اوربا وامريكا وكندا واستراليا والمنتظرين في مصر والقابعين في الحدود الليبية المصرية ومنهم الاغلبية في الخليج وكذلك تجدهم حتي في اسرائيل وبلاد الشمس واقصي المحيط المتجمد!.. قبل مجي الاوباش من الاسلاميين لحكم السودان كان الإغتراب والهجرة في اضيق حدوده خاصة من فئة الشباب واغلبه للبعثات الدراسية والطلبة والقليل جدا من محبي المغامرة واستكشاف العالم! , كان السودان مليا بالكوادر والخبرات في كل المجالات! الاطباء والصيادلة والمهندسين والبياطرة والاقتصاديين والزراعيين واساتذة الجامعات والمعلمين المؤهلين! كانت به الايدي العاملة والماهرة الصناعية والحرفية! لكن الان ولا اظنني احتاج للكن هذه فالكل يعلم ما اصبح عليه حال البلد! كل الشباب يسعي للهجرة حتي الفتيات اصبحن يطاردن الهجرة , إنهم يفرغون البلد من اهلها قسرا ويدفعونهم للخروج الي غياهب المجهول! انهم يرموننا للاوطان البديلة ونعلم يقينا انه لابديل للوطن الا هنالك حيث ولدنا وعشنا وتربينا وعشقنا! , اعلم اناسا هنا لاهم لهم الا ان لايموتون بعيدا عن تراب السودان او حتي ان لايضمهم قبرا غير قبرا في الوطن! .. ماصنعته الإنقاذ وقادتها وكوادرها بنا وبالوطن لايستوجب فقط اسقاطهم وتغييرهم وانما تعليقهم كالخراف في الطرقات ومن علي اعواد المشانق او حرقا واذابة في الاحواض المملؤة بالمحاليل الكئمياية حتي لا يبقي لهم اثرا! .. انا الان فقط اشتاق الي هذا الوطن وناس بيتنا والرفاق هنالك ولا اجد غير ان اردد الغربة مرة ومؤلمة.. قولوا للنيل ضفة ضفة والعشيات لما تصفي .. والنسيمات البتاخد من عفاف ريدتنا عفة .. إنه شوقي شووق إنسان معذّب مضيّع ضيعه الليل والسهر .. لا ينابيع ريدي جفت لا ولا اشواقي خفت .. كل يوم في غربة وبيها كل الدنيا عرفت .. الدنيا ليل غربة ومطر! او كما قال عبد العال ساتي وغني ود ست الجيل ود سيد احمد!..