المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج 2
تتناول هذه المقالة ملحوظات الأخ عبد الله حمودة على بيان المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج،
يقول "كيف يمكن وضع الميثاق القومي 1964 والميثاق الوطني 1968، وعلى قدم وساق في الوقت الذي نعرف أن جميع التعديلات على الميثاق القومي هي التي أوصلتنا إلى جريمة أوسلو. إذا كنا حقاً نريد التوحد على أساس المقاومة فيجب التركيز على الميثاق القومي 1964" (موقع كنعان 2 آذار/مارس 2017)- انتهى.
بدلاً من أن يلحظ الأخ عبد الله أن سقف بيان المؤتمر الشعبي ارتفع فوق سقف كل المنظمات والفصائل التي وضعت ميثاق 1968 هدفها. وذلك بتأكيده على ميثاق 1964 أيضاً، فوجّه له نقداً لأنه طالب بالميثاق الوطني 1968. فالمطلوب التركيز على ميثاق 1964 فقط. إذا أردنا "التوحد على أساس المقاومة".
إنه لم يلحظ أن ما يتفوّق به الميثاق القومي لعام 1964 هو بُعده العروبي القومي في معالجة القضية. وهذا ما أراد البيان أن يُغني به الميثاق الوطني ويُطوّره. ولكنه لم يلحظ أيضاً أن الميثاق الوطني لعام 1968 يتفوّق ببُعْد المقاومة (المسلحة الشعبية) وليس ببناء جيش التحرير فقط مع أنه حافظ عليه. وقد سلم قيادة المنظمة لفصائل المقاومة.
فالجمع بين الميثاقين استهدف التكامل بينهما، وليس وضعهما على "قدم وساق" (يقصد بالتساوي(. أما اعتباره الميثاق الوطني لعام 1968 هو الذي أوصل إلى جريمة أوسلو فهو ظلم كبير للقادة الذين وضعوه ومنهم الدكتور جورج حبش الذي يقدره، بحق، الأخ عبد الله. وكان الرئيس عبد الناصر وراءه، كما كان وراء الميثاق القومي 1964.
ويقول الأخ عبد الله: " كيف سيعمل المؤتمر على إخراج منظمة التحرير من اتفاق أوسلو؟ هل في بقائها في رام الله تحت سيطرة الاحتلال أم الدعوة إلى الخروج من السجن الإسرائيلي الصهيوني ورفض الاعتراف بالكيان الصهيوني ابتداء، والعمل لتحرير فلسطين من دون قيود".
لم يَظهر هنا أين النقد للبيان الذي طالب بالخروج من "اتفاق أوسلو المشؤوم وتوابعه وتداعياته" (إقامة السلطة والاعتراف والصلح والمفاوضات). فهل نقيصته أنه لم يُجِب عن السؤال "هل في البقاء في رام الله أم الخروج من تحت سيطرة الاحتلال؟ بالتأكيد لو اقترح أحد في المؤتمر ضرورة خروج م.ت.ف من تحت سيطرة الاحتلال، وإضافة رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني والعمل على تحرير فلسطين لكان له ذلك. وهذا كله وارد بشكل أو بآخر في البيان.
ويقول: "كيف سيتم تفعيل وإعادة بناء المنظمة وهي في السجن الصهيوني؟" (المصدر نفسه)
هنا أيضاً لا مشكلة مع البيان أو المؤتمر في أن يكون التفعيل (م.ت.ف وإعادة بنائها) خارج السيطرة الصهيونية. وهذا لا يمكن أن يكون إلاّ كذلك. ولا خلاف إلاّ حول شرطه بأن تكون الوحدة على أساس الميثاق القومي 1964 فقط، وإنما الميثاقان. وهذا سقف كما مرّ أعلى من كل ما في الساحة الفلسطينية بما في ذلك الذين لم يلحظوا البُعد المتعلق بالمقاومة وفصائلها الوارد في ميثاق 1968.
· ويقول رداً على البيان أو نقداً له:
"أما الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية ومنع ذوبانها في مجتمعات اللجوء والاغتراب لا يمكن أن يتم إلا بالإيمان بعروبة القضية والنضال من أجل تحريرها. لأن الخطر الصهيوني على الأمة العربية والوطن العربي وليس على الشعب العربي الفلسطيني فقط".
هذه نقطة "عروبة القضية" مُشار إليها في البيان. ولكن لا تكون "عروبة القضية" من دون "فلسطينية القضية" أولاً. وذلك بسبب كوْن المشروع الصهيوني اغتصب فلسطين وهجّر الشعب الفلسطيني. وهذا ليس مجرد جزء من الخطر الصهيوني على الأمة العربية والوطن العربي. فليس الخطر الصهيوني على أي قطر عربي بمستوى الخطر الذي مثله على فلسطين باحتلالها واقتلاع شعبها وإحلال المستوطنين اليهود مكانه. ومن ثم فإن من الخطأ وضع "عروبة القضية" قبل "فلسطينية القضية"، وإنما بعدها، وبالتكامل معها، كما التأكيد على العلاقة العضوية بين فلسطينية القضية وعروبتها، كما التأكيد على بُعدها الإسلامي ثم بُعدها الإنساني العالمي. فالحفاظ على الهوية هنا لا يجوز أن يُحصَر ببُعدٍ واحدٍ من بين الأبعاد الآنفة الذكر.
· ويقول ورأيه هنا يمس نقطة خلافية مزمنة في القضية الفلسطينية. وقد حسمت التجربة الفلسطينية هذه المسألة. وهو ما سيوضح لاحقاً.
يقول الأخ عبدالله: "كيف يكون شعبنا العربي الفلسطيني خارج التجاذبات الإقليمية في دول الطوق وتحييد المخيمات والعدوان الصهيوني الامبريالي على الأمة العربية والوطن العربي وما يحدث كل يوم في لبنان وسورية ومصر والأردن. هل نحيّد أنفسنا عند احتلال العراق والحرب على سورية والغارات على تونس والتآمر على الجزائر وحرب العدوان على لبنان".
لنقرأ النص الذي ورد في البيان حول هذه المسألة: "قرر المؤتمر النأي بنفسه عن التدخل في المحاور العربية والدولية أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وللدول عامة ويعلن أن بوصلتهُ قضية فلسطين وشعبها في الداخل والخارج".
الرد أعلاه لا علاقة له بهذا النص لأن ما أراده المؤتمر هو النأي الفلسطيني عن صراع المحاور العربية أو صراعات المحاور الإقليمية والدولية. أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والدول عامة. وقد دلت التجربة الفلسطينية بأن كل تدخل أدى إلى كوارث لحقت بعشرات أو مئات الألوف من الفلسطينيين. ويكفي التذكير بما حدث نتيجة التدخل الفلسطيني (ياسر عرفات) في الصراع الكويتي – العراقي، أو في الصراع العراقي – السوري في لبنان.
ولكن الأهم أن الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة والمناضلة والسياسية تحمل ثقلاً عظيماً يقصم الظهر في مواجهة العدو الصهيوني. وإنه لعجيب أن يقوى على حمله فكيف يُطلب منه حمل المزيد. وهنا ينطبق المثل القائل: "حمّلوه عنزة فانحنى ظهره فقالوا أردفوا عليه أخرى فأخريات"!
وبكلمة، إرحموا الشعب الفلسطيني وقواه وثقوا بشعوبكم العربية وقواها فهي أقوى ظهراً وقدرة وذكاء ولا تريد من الفلسطيني إلاّ أن يحارب في فلسطين ولا تحترمه حين يتدخل خارج فلسطين. أما في فلسطين فحبها له لا يُضاهى، وتقديرها لما يقدّمه الفلسطينيون من شهداء وتضحيات لا حدود له.
ما تقدم يمثل عيِّنة لأهم نقاط نقدية أو اعتراضية أو "إدانية" وجهها الأخ عبدالله في ردّه على بيان المؤتمر. وقد وضعها في مقدمة تلك النقاط. طبعاً وفقاً للأهمية. ومع ذلك ثمة نقاط أخرى يطول الرد عليها ولكن يمكن أن يُجاب عن تساؤلاتها باختصار:
· تساءل كيف يمكن تفعيل العمل النقابي الفلسطيني وخصّ في الأردن مثلاً
الجواب: ما كان فاعلاً ومفعلاً يبقى على حاله، وما يحتاج إلى تفعيل يفعّل وفقاً لكل حالة، أما الوضع النقابي في الأردن فيبقى على حاله أردنياً.
· يتساءل كيف تُحمى المقاطعة، والمؤتمر في اسطنبول حيث تركيا المعترفة بالكيان الصهيوني؟
الجواب: حماية المقاطعة وتفعيلها وتوسيعها أو مناهضة التطبيع لا علاقة لهما بوضع البلد إن كان معترفاً بالكيان أو لم يكن معترفاً فأنت هنا يجب أن تذهب إلى دعم المقاطعة ومناهضة التطبيع إلى أبعد مدى. وكذلك سحب الإعتراف.
· ثمة مجموعة من نقاط النقد مبنية على ما لم يتطرق له البيان.
وهذا ليس مأخذاً بالنسبة إلى أي بيان أو إلى أي مقالة أو حتى كتاب. فما من بيان أو مقالة أو نقد بما فيه نقد الأخ عبد الله إلاّ ويخلو من نقاط لم يذكرها. فهنالك من يذهب إلى إدانة المعني انطلاقاً مما لم يقل أو يتعرض له، وذلك تشكيكاً في النيّات فيما العدل أن يُحاسَب المرء على ما يقول ويفعل، وليس على ما لم يقل أو يفعل.
ومن الأمثلة: لماذا لم يُدن المؤتمر كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة؟ لماذا لم يتطرق البيان إلى مئوية تصريح بلفور المشؤوم؟ وإذا كان المؤتمر سيكون مقره الرئيسي في بيروت فلماذا لم يعقد أصلاً في بيروت؟ ولماذا غاب التركيز عن ثقافة المقاومة؟ ولماذا غاب شعار عدم استقرار العدو وهو الشعار الاستراتيجي؟ ولماذا لم يذكر عشرات الآلاف من الشهداء العرب في فلسطين؟ ولماذا لم تُذكَر المقاومة في لبنان؟ ونسي أن يَسأل لماذا لم تُذكَر المقاومة في غزة أيضاً عدا في تناول فك الحصار؟
الجواب: "جَلّ من لا يسهو" أو لضرورة التركيز (أحياناً) إذا أحسنت الظن وإلاّ فهي النيّات الخبيثة والمقاصد المدغولة، والمؤامرة على القضية، مثلاً عدم ذكر وعد بلفور المشؤوم. وبالمناسبة عشرات من المشاركين الآتين من بريطانيا أسهموا في توزيع عريضة تطالب بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن هذا الوعد الاستعماري.
· إلى هنا ثمة سؤال ردّده كثيرون يستدعي إجابة: كيف يُعقد المؤتمر في دولة تعترف بالكيان الصهيوني وعضو في الناتو؟
الجواب السريع: ليتذكر الجميع أن هذا ليس أول مؤتمر يُعقد في تركيا وفي اسطنبول (عاصمة العثمانيين). فقد عُقد قبله "مؤتمر القدس" وهو مؤتمر فلسطيني-عربي-إسلامي- عالمي، شارك فيه العشرات من قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية والقيادات العربية المناضلة (المؤتمرات الثلاثة: القومي العربي والقومي- الإسلامي، والمؤتمر العام للأحزاب العربية، والمؤتمر العربي العام) وما لا يُحصى من الثوريين والأحرار والشخصيات البارزة في العالم.
وبالمناسبة لم تُثَر مشكلة اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني ولا عضويتها في الناتو، ولم يُدَن مؤتمر القدس لأنه لم يطالب تركيا بسحب اعترافها بالكيان الصهيوني.
هذا لا يعني أن للمؤتمر سابقة أهم منه من حيث القوى الممثّلَة في مؤتمر القدس، كما له سوابق من مؤتمرات أخرى من أجل فلسطين ودعم إعادة بناء ما هدمته الحرب العدوانية في غزة.
وأخيراً وليس آخراً لا تنسوا سفينة مرمرة لكسر الحصار عن غزة خرجت من الميناء بإذن السلطات الرسمية. وخاضت معركة بطولية ضد العدوان على أسطول الحرية، وسقط شهداء وجرحى.
الموقف من إشكالية اعتراف الدول بالكيان الصهيوني
في الحقيقة ثمة مشكلة بين الموقف الفلسطيني من الكيان الصهيوني الذي يعتبره غير شرعي، كما فعل بيان المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، والمطالبة بعدم الاعتراف به فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً من جهة وبين ما لا يحُصى من دول العالم التي تعترف بالكيان الصهيوني، بداية من بعض الدول العربية، ومروراً بمبادرة السلام العربية التي صدرت عن قمة بيروت 2002، وأبدت استعداداً للاعتراف بشروط، وانتهاءً بالصين وروسيا والهند وعشرات الدول من جهة أخرى. فالمشكلة هنا لا تقتصر على تركيا خارج الدول العربية. فما هو الحل لهذه المشكلة، وكيف يجب أن تُعالَج، بموقف ونهج متماسكيْن بعيداً عن ازدواجية المعايير (المعيبة).
طبعاً لا يمكن أن تبدأ الإجابة عن هذه الإشكالية في رفض أن يُعقد مؤتمر في دولة تعترف بالكيان الصهيوني، أو رفض الحوار الفلسطيني في موسكو، أو في بكين لأنهما تقيمان علاقات ديبلوماسية واقتصادية وتقنية وعسكرية على أعلى مستوى مع الكيان الصهيوني. (ومع ذلك هنالك من لا يجد بأساً في عقد تحالف استراتيجي معهما).
ينبغي للموقف الفلسطيني أن يحافظ على الموقف المبدئي متمسكاً بعدم شرعية دولة الكيان الصهيوني، ومؤملاً وساعياً وداعياً إلى سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني وذلك كموقف عام. ولكن هذا الموقف العام يمكن أن يحتمل الحوار طويل النفس مع الدول. ويحتمل إقامة علاقات تعاون مع هذه الدولة أو تلك وفقاً لما يناسب كل حالة، كما يحتمل أحياناً السكوت الذي لا يعني الموافقة، كما يحتمل الصراخ والإدانة حيث توجب. ولكن الحذار من ازدواجية المعيار. وعدم احترام عقول الناس، أو نسيان حضور الذاكرة باستخدام المعيار المزدوج.
وسوم: العدد 713