وقفة نقدية مع الماضي
1.
عندما نصل إلى الخامس من حزيران 2017 ، نكون قد وصلنا إلى الذكرى المؤلمة " ال ٥٠ " لحرب 1967 ، والتي سماها بعضهم " نكسة " في حين سماها البعض الأخر " هزيمة " . وفيما يتعلق بهذه المقالة ، ليس مهما أن يكون الشكل نكسة أو هزيمة ، إذا كان المضمون يصرخ بالفم المليان و بعيون دامعة " أين هضبة الجولان يا حافظ ؟" " اين هضبة الجولان يا بشار الكيماوي؟" ، أين هضبة الجولان يامن تسمون أنفسكم زورا " الجيش السوري !!" ؟ اين هضبة الجولان يا قتلة الأطفال ؟ وياأبطال غاز السارين "؟ ، أهي كما يقول المثل الشعبي " شطارة أبوي على أمي " ؟ أم هي " الخيانة " بشحمها ولحمها ؟ . أيا كان الجواب فإن هضبة الجولان مازالت محتلة ، رغم مرور نصف قرن على احتلالها (!!) ، وأن غاز السارين مازال موجودا بيد القتلة ، وإن خان شيخون لن تكون المدينة الآخيرة التي تستهدفها غازات بشار وبوتين السامة ، ولا سيما إذا مأبقيت ضمائر بائعي الكلام وبائعي السلاح نائمة أو متناومة ، إلى أجل يحددونه هم وليس أطفال خان شيخون.
2.
بينما كنت أستعرض مع نفسي شريط الأسباب التي يمكن أن تفسر صمت نظام عائلة الأسد الحاكم في سورية منذ نصف قرن عن احتلال اسرائيل لهضبة الجولان ، رأيتني أتوقف عند الصورة البيوسوسيولوجية التالية : تنبئنا علوم الحياة ، أن ظهور واختلاف النباتات في الأرض إنما يعود من جهة إلى اختلاف بذورها ، ومن جهة أخرى إلى وجود الأرض الصالحة لإنباتها ونموها ، ومن جهة ثالثة إلى دورة الحياة على سطح الأرض ، حيث تمر كافة الكائنات الحية وشبه الحية بدورة تبدأ بزرع البذرة وتنتهي بتوالدها وتكاثرها . وفي إطار هذه الصورة من علم الحياة ، تذكرت " البذرة " ( بذرة ٣+٢) العسكرية التي تكونت في القاهرة في ظل الوحدة ( الجمهورية العربية المتحدة ) والتي كانت بذرة طائفية بامتياز ، وكانت ترتدي " قبع الخفا " ( التقية ) لتحجب حقيقتها عن الناس . لقد مثّلت مرحلة الانفصال (1961- 1962 ) الارض الصالحة لإنباتها ، وبالتالي وصولها إلى ماسمي ثورة الثامن من آذار ١٩٦٣ . التي ترعرعت ونضجة النبتة في ظلها ، ثم حملت بمولودها الذي أنجبته يوم " 23 شباط 1966 " وأطلقت عليه اسم " اليسار " ، والذي سقطت مدينة القنيطرة وضاعت معها هضبة الجولان كلها ، وصدر البلاغ 66 الكاذب من قبل حافظ الأسد ، ومات تحت العذيب في أقبية مخابرات القوى الجوية الشيوعي أحمد المصطفى العبد المجيد في ظل هذه اليسارية المزعومة ،
3.
نعم إن ثورة الثامن من آذار 1963 كانت النبتة الطائفية لبذرة اللجنة العسكرية التي تكونت في القاهرة ١٩٥٩ والتي مثلت مرحلة الإنفصال الأرض الصالحة لنموها ، وأيضاً الجسر الذي عبرعليه حافظ الأسد ومجموعته العسكرية إلى الجيش والحزب ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) بداية تحت شعار القضاء على الإنفصال والانفصاليين ( انقلاب 8/3/1963 ) ولاحقاً القضاء على " اليمين العفلقي " ( حركة 23 شباط 1966 ) وأخيرا وبعد سلسلة من الصراعات على السلطة بين مثلث ( صلاح ، حافظ ، عمران ) وخاصة بعد هزيمة 1967 ، استطاع حافظ الأسد ( وزير الدفاع ) أن يقضي على خصميه اللدودين ( محمد عمران وصلاح جديد ) عبر حركته " التضليلية " و الوصول إلى هدفه في الانفراد بالسلطة عام 1970 ، وبالتالي تفادي المساءلة العسكرية والحزبية عن هزيمة ١٩٦٧ وبالذات عن البلاغ 66 وأسبابه الحقيقية ، وكل ماعدا ذلك إنما يدخل بنظرنا في إطار التفاصيل ، أو قل في إطار درجات سلم صعود حافظ الأسد ومجموعته العسكرية إلى قمة الهرم السياسي والعسكري في سوريا اعتبارا من عام 1970.
4.
ولابد من القول هنا أن انقلاب القيادة القطرية ( صلاح جديد ) في حزب البعث على القيادة القومية ( ميشيل عفلق ومنيف البزاز ) عام 1966( حركة 23 شباط ) قد مثل الخطوة الأكبر والأوسع في وصول حافظ إلى هدفه السياسي ( الوصول إلى كرسي الرئاسة ) ، بينما مثلت محاولة بعض الحزبيين النأي بأنفسهم عن هذا الصراع ، بعد أن تبين لهم البعد الطائفي لهذا الصراع ( محمد الزعبي ) ، وانتحار عبد الكريم الجندي ( أو قتله ) عام 1970، وتصفية اللواء أحمد سويداني ، وزج كامل أعضاء قيادة 23 شباط 1966 في السجن إثر قيامه بما سمي ( الحركة التصحيحية 1970 ) من بين العوائق غير الكبيرة وغير المهمة ، التي استطاع حافظ أن يتجاهلها و يتجاوزها بسهولة في صعوده الثابت والبرمج نحو التفرد الطائفي في حكم الجمهورية العربية السورية . إن وصول حافظ الأسد إلى قمة هرم السلطة في كل من الحزب والحكم في سوريا ، حال دون مساءلته العسكرية والحزبية والشعبية عن هزيمة 1967 وعن ضياع هضبة الجولان ، وعن البلاغ 66 ، وسمحت له بأن يستمر في ممارسة الكذب والتضليل طوال حياته ، بل وبعد مماته من خلال وريثه الذي فاق أباه بالكذب والتضليل وتدمير المجتمع السوري ، وقتل أطفاله ونسائه أو تهجيرهم ، والذي ( المجتمع السوري ) زاد فيه اليوم ـ على مايبدو ـ الخرق على الراتق .
وسوم: العدد 715