السياسة التركية – بلا تعامُل ندّيّ - : بين الخضوع .. والتحدّي !
( المسؤول الأوّل ، في بلاده ، رأسٌ لدولته : يَعِزّ بعزّها ، وتَعِزّ بعزّه .. تلك هي المسألة ! ) .
إذا رفض عدوّك ، أو خصمك – وأنت فرد عاديّ - أن يعاملك ، معاملة الندّ للندّ، فأمامك أحد خيارين : الخضوع له ، أو تحدّيه !
وهذه معادلة سهلة.. حسابُ القوّة والضعف فيها، سهلٌ، في التعامل غير السياسي، بين الأفراد !
أمّا التعامل السياسي ، حتى بين الأفراد ، فيختلف ؛ لأن حساب القوّة والضعف، لايقف عند ماهو ظاهر، لدى الطرفين، بل تدخل فيه، عناصر أخرى: الحلفاء والمؤيّدون والأنصار! وتدخل فيه ، قدرات كثيرة ، ومهارات عدّة ، ومؤهّلات شتى ، لدى كل طرف وداعميه ! كما تدخل فيه، القيم العليا: من إيمان ، ونبل ، وسموّ .. والقيم الدنيا : من خبث ، ولؤم ، وخنوع ..!
عبدالله بن حذافة السهمي : قبّل رأس قيصر الروم ، ليطلق أسرى المسلمين ، رافضاً تقبيل رأسه ، لقاء إطلاق سراحه ، وحدَه ؛ حين طلب منه قيصر، ذلك ، إعجاباً بشجاعته ، واعتزازه بإيمانه .. وهو يرى الموت ، بعينيه ، في مرجل ضخم ، يغلي فيه الماء ! وحين رجع ، إلى الخليفة عمر، مع الأسرى ، الذين اطلق سراحهم ، قبّل عمر رأسه ، وطلب ممّن حضر، من المسلمين ، تقبيل رأسه ، تكريماً له ، على إنقاذ أسرى المسلمين !
لكن عبدالله، ليس رأساً للأمّة، بل هو فرد عادي فيها، مؤمن شجاع، مضحّ، معتزّ بدينه وأمّته!
هارون الرشيد: كتب إلى نقفور، إمبراطور روما ، الذي رفض الاستمرار، في إعطاء الجزية، للمسلمين ، وطالب الرشيد، بردّ أموال الجزية ، التي أخذها من قبلُ: من هارون أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم .. الجواب ماتراه ، دون أن تسمعه ! وخرج بجيش ضخم ، لقن به نقفور درساً قاسياً ! فخضع نقفور، ودفع الجزية !
سعد زغلول : دخل على المندوب السامي البريطاني ، ولم يَحنِ ظهره له ! وحين سأله عن السبب ، أخبره بأنه ، حين همّ أن يحني ظهره ، شعر بأن ثمانية عشر مليوناً، من المصريين ، يشدّون ظهره ، ويمنعونه من الانحناء !
فماذا يفعل أردوغان – على سبيل المثال – وهو رأس الأمّة ، والنموذج الأبرز، اليوم ، بين حكّام المسلمين ، للحكمة والتحدّي ، معاً.. تجاه التعامل : الأوروبّي ، والأمريكي ، والروسي، والصهيوني.. معه ، وهو يرى نفسه، بين خيارين، فحسب ، ليس بينهما معاملة الندّ للندّ ، بل هما : الخضوع ، أو التحدّي !
لقد تحدّى أردوغان ، شيمون بيريز، في مشهد رائع ، يجسّد روح العزّة والبطولة ، لدى القائد المؤمن ، الفذّ النبيل ! فملكَ قلوب الملايين ، الذين شاهدوه ، في شاشات التلفزة ، على مستوى العالم الإسلامي ، كله !
فهل كان الخنوع المألوف، الذي اعتاد عليه، بعض حكّام الأمّة، أمام رموز الصهاينة..أولى بأردوغان!؟ وهل كان - لو خضع لبيريز، على سبيل المسايرة ، أو المجاملة ، أو النفاق.. ممّا يسمّى سياسة ؛ بمفهوم الضعاف والجبناء– هل كان سيحظى، باحترام إنسان واحد ، من المسلمين ، في العالم ، بل في تركيا ، ذاتها !؟
وهل كان الصهاينة ، سيحترمونه ، ويحبّونه ، ويعاملونه معاملة الندّ للندّ ، لو خضع واستكان ، أمام غطرسة بيريز- على سبيل السياسة-!؟ وواضح للعالم ، كله ، مايفعله هؤلاء الصهاينة ، بأذنابهم ، الذين نصّبوهم رؤوساً ، فوق أكتاف الأمّة !
( رئيس أمريكا الأسبق نيكسون ، كتب قواعد للتعامل ، مع الاتحاد السوفييتي ، ينصح فيها ، كل رئيس أمريكي.. من أهمّها: لاتعطِ السوفييت ، أيّ شيء ، دون مقابل ؛ لأنهم سيظنون هذا ضعفاً ، ويتقدّمون باتجاهك .. وعندئذ ، لاتستطيع إرجاعهم ، إلاّ بحرب !) .
وأمام المعادلة ، نفسها : الخضوع أو التحدّي .. لو خضع أردوغان ، لممارسات حكّام أوروبّا، هل كان سيحظى ، بحبّ هؤلاء الحكّام ، واحترامهم له ، ولشعبه ، ودولته.. ويحظى ، بمعاملتهم له ، معاملة الندّ للندّ ! أم سيزداد هؤلاء الحكّام ، غطرسة وصلفاً ، وطمعاً ، بالمزيد من التنازل.. حتى يهيمنوا على تركيا، ويُحكموا السيطرة على قراراتها، ويعبثوا بكرامتها، كما فعلوا، من قبل، طوال عشرات السنين!؟
بل، هل كان أردوغان، يحظى باحترام شعبه ، الذي منحه وحزبَه، الثقة، لحكم تركيا، وقيادتها: بعزّة، وكرامة، وشجاعة.. ولتحقيق ماتطمح إليه، من نهضة وقوّة وازدهار!؟
العمل السياسي ، يُنظر إليه ، بمناظير شتى : مناظير الضعاف الجبناء ، ومناظير الأقوياء الشجعان.. مناظير البُله والمغفلين ، ومناظير الأذكياء والحكماء .. مناظير الذين لايرون ، إلاّ حياتهم الدنيا ، ومناظير الذين ربطوا الدنيا بالآخرة .. مناظير الأغبياء والحمقى، العاجزين عن رؤية ، مابعد أنوفهم، ومناظير العباقرة، القادرين على حساب ، أعقد المعادلات السياسية ، وابتكار معادلات جديدة ، معها، أو بديلة عنها !
وكلّه سياسة !
وسوم: العدد 716