روسيا وخطة المناطق الأربع
القدس العربي
بالتزامن مع انطلاق الجولة الرابعة من مفاوضات آستانة، أمس الأربعاء، وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى منتجع سوتشي للقاء بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث من المتوقع أن يكون الملف السوري على رأس جدول أعمال هذا اللقاء. كما جرى اتصال هاتفي، قبيل زيارة أردوغان، بين بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طغى عليه الموضوع السوري، ووصفه وزير الخارجية الأمريكي تليرسون بـ»البنّاء». وبأنه تم التباحث حول كثير من التفاصيل في موضوع «وقف الأعمال العدائية» الذي اتفق عليه بين البلدين في عهد أوباما، منذ شهر أيلول/سبتمبر 2016، وفشل المرة تلو الأخرى بسبب عدم احترام النظام الكيماوي وظهيريه الإيراني والروسي لمتطلباته.
جاءت جولة آستانة الجديدة، بوصفها الأولى بعد الضربة الصاروخية الأمريكية لمطار الشعيرات العسكري الذي انطلقت منه طائرات النظام لضرب بلدة خان شيخون بالسلاح الكيماوي، وبعد الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي تليرسون إلى موسكو، في أول اتصال بين موسكو وواشنطن في عهد دونالد ترامب.
كل الوقائع السابقة هي «أولى» في نوعها، وذلك بمعيار تغير السلطة في الولايات المتحدة، وبوادر تغيير السياسة الأمريكية السابقة في كثير من الملفات العالقة، ومنها ـ وربما أهمها ـ الملف السوري. وتأتي أهمية هذا الملف، في هذا السياق، لا من أهمية سوريا أو ثورتها العظيمة أو همجية النظام البراميلي في مواجهة شعبه، أو حتى من وجود «دولة داعش الإسلامية» والحرب متعددة الجنسيات الدائرة ضدها، بقدر ما تأتي من اهتمام الرئيس الروسي بوتين به باعتباره ميدان الاختبار الأكثر بروزاً لسياسته الهادفة إلى تكريس دور روسيا الدولي كند للدولة العظمى الوحيدة. وبقدر ما شكلت سوريا «قصة نجاح» بالنسبة لبوتين في عهد باراك أوباما، وإن كان «نجاحا» دموياً تخريبياً جديراً بعقل مريض، من المحتمل أنها أصبحت، منذ ضرب الشعيرات وزيارة تليرسون لموسكو، عبئاً ثقيلاً لا يعرف بوتين كيف يمكن التخلص منه بأقل الخسائر الممكنة، كي لا تتحول سوريا إلى قصة فشل تام للعنجهية البوتينية.
يقال إن تليرسون قال لمخاطبيه الروس، في زيارته إلى موسكو: لقد عهدنا إليكم بحل الملف السوري، وقد فشلتم في ذلك. فإذا نظرنا الآن إلى التفاؤل الظاهر في تصريحات الوزير الأمريكي بشأن المكالمة الهاتفية بين بوتين وترامب، وأضفنا ذلك إلى كلام لافروف، قبل أيام، عن استعداد موسكو للتعاون التام مع واشنطن في الموضوع السوري، حق لنا الاستنتاج بأن بوتين بدأ يراجع حساباته في سوريا، وبات يبحث عن مخرج «مشرّف» يحفظ لروسيا بعض مصالحها في أنقاض سوريا على المدى الطويل.
وتبدو إيران بوصفها العقبة الأكثر صعوبة أمام موسكو في سعيها المفترض بحثاً عن مخرج يرضي واشنطن الجديدة. دارت تكهنات كثيرة حول زيارة لافروف إلى طهران، قبل فترة، لكن شيئاً لم يتسرب عن مضمون الرسالة الروسية إلى القيادة الإيرانية. فهل وضع الروس حليفهم في طهران أمام خيارات مرة ما زال الأخيرون يعاندون في تقبلها؟ هل وضع لافروف أمام الإيرانيين «كأس سم» جديد، بعد ذلك الكأس الذي تجرعه الإمام الخميني حين وافق على إنهاء الحرب مع العراق في 1988؟ هل يحتوي الكأس الروسي على تخلي طهران عن طموحها الامبراطوري في سوريا (وغيرها) بالقبول بتنحية بشار الكيماوي، بعدما استثمرت في بقائه، رغم أنف السوريين، الكثير من التضحيات المادية والبشرية والمعنوية طوال السنوات الست الماضية؟ بكلمات أخرى: هل كان لافروف مجرد ساعي بريد لإدارة دونالد ترامب الذي بدأ ولايته بحملة تهديدات ضد طهران، ويستمر في تمهيد الجو لضغوط عليها من المفترض أن تنهي تمددها الإقليمي ثمناً لبقائها داخل حدودها؟
هذا ما يمكن استنتاجه، إلى الآن، مما يدور في الأروقة الدبلوماسية وعلى منابر الإعلام بشأن الموضوع السوري الذي تتقاطع فيه مصالح إقليمية ودولية كثيرة.
في هذا السياق جاء الاقتراح الروسي الجديد بشأن «تهدئة جبهات القتال في أربع مناطق» بديلاً من مشروع ترامب المفترض بشأن «المناطق الآمنة»، أو تلاقياً معه. يريد بوتين بهذا الاقتراح امتصاص الفورة الترامبية في سوريا التي وضعت موسكو، فجأةً، في عزلة دولية خانقة. من المستبعد ألا يدرك بوتين أن مشاركة جنود إيرانيين في تثبيت هذه التهدئة، إلى جانب الجنود الروس والأتراك وفقاً للمشروع الروسي، كفيل وحده بإشعال الجبهات بدلاً من تهدئتها. فهل الغاية من مشروع التهدئة هذا كسب بعض الوقت لإقناع إيران بالحسنى بأن الظروف تغيرت، وعليها تقبل ما لم تكن تتقبله في السابق؟ كما لإلقاء الاتهام بالفشل عن نفسها وتلبيس إيران بها أمام الأمريكيين؟
على أي حال، يسعى بوتين إلى التفاهم مع أردوغان، خلال زيارة الأخير لموسكو، على إقناع فصائل المعارضة المسلحة التي تمون عليها أنقرة بخطة موسكو حول «المناطق الأربع»، خاصة وأن المشاركة العسكرية التركية في ضبط التهدئة المقترحة قد تغري أردوغان بالموافقة، الأمر الذي سيشكل «هدية» ممتازة للزعيم التركي يمكنه تقديمها للرأي العام في بلده كـ»إنجاز» في السياسة الخارجية، في مواجهة خصومه الداخليين الكثر. يستدل من مشاركة الفصائل العسكرية، على أي حال، قبول تركي مبدئي للخطة الروسية، بعدما قاطعت تلك الفصائل جولة آستانة السابقة رقم 3.
هذا التفاهم الروسي – التركي، مضافاً إلى التفاهمات المستجدة بين موسكو وواشنطن الجديدة، من شأنهما وضع طهران المقبلة على انتخابات رئاسية في الزاوية الصعبة.
فهل كان تفجير السيارة المفخخة في مدينة إعزاز على الحدود التركية، قبيل ساعات من زيارة أردوغان لسوتشي صباح الأربعاء، هي الرسالة الإيرانية الدامية إلى موسكو وواشنطن وأنقرة، بتنفيذ داعشي؟
وسوم: العدد 719