الاقتتال بين الفصائل المقاتلة(2) (أحداث الغوطة)
الاقتتال الدائر اليوم، بين الفصائل المقاتلة، في الغوطة و ماحولها، عمل جرمي يتحمل مسؤولية الدماء التي أريقت فيه القادة الميدانيون الذين اضطلعوا بكبره، و المسؤولون الكبار، الذين هم على علم مسبق بخلفية قرارهم، و بما سيؤدي إليه ذلك القرار من عواقب و خيمة، قد يكون من الصعب التنبؤ بنائجها.
و هذا الحكم ليس مقصورا على الغوطة و ماحولها، و إنما يشمل حالات الاقتتال في المحافظات السورية كافة. ذلك أن تلك الفصائل تجمع بين صفوفها خليطا غير متجانس من المقاتلين الذين هم واحد من ثلاثة:
الأول- ساذج بسيط. عنده طاعة الأمير مقدمة. ثم هو ضحل الثقافة، ليس له قدرة على اتخاذ القرار الشخصي. لذلك فهو تابع و حسب.
الثاني-ذكي ذو ثقافة و معرفة. لكن تنقصه التقوى، و قد تجذبه المكاسب العارضة، فلا ينشغل بالحلال و الحرام. بقدر انشغاله بما سيجنيه عليه موقفه من تلك المكاسب.
الثالث- مسؤول. و هو الذي يجب أن تثار حوله الشبهات و أن تتخذ تجاهه المواقف و أن يكون عرضة للمساءلة. فمسؤوليته تتعلق بأمة بكاملها و هي بسبب الخلاف الناشب بين تلك الفصائل تتعرض للإبادة، و ليس خافيا على أحد مشاريع التهجير التي تهدف إلى تغيير البنية الديمواغرافية السورية، و تغيير البنية الديمواغرافية يعني باختصار القضاء على العرب السنة في سوريا، و من ثم تحويل سورية إلى دولة علمانية لادينية متعددة الأعراق و اللغات و الأديان. و لذلك فإن التفريط بالدم السوري جريمة لايعدلها جريمة. فالأمة اليوم تخوض معركة كبيرة لم يسبق لها أن خاضت مثلها في تاريخها القديم و الحديث. فبعد الصفحات الرائعة التي سطرها المجاهدون في المعارك التي خاضوها يسقطون فجأة في حمأة الترهات الشائنة، و الخلافات المفجعة و النظريات الضيقة، و من ثم يتصرفون تصرفا كيديا بدون أن يأخذوا باعتبارهم، ماهم فيه من مخاطر محدقة، و من انتكاسات مفجعة و ما أمر حلب منهم ببعيد!! عداك عن حمص و القصير، و الزبداني و مضايا و معضمية الشام وداريا، و في بعضها الآن تقام الحسينيات و يهرع إليها أخلاط الشيعة، و من بلدان شتى، ليسكنوا فيها، و ليعمروها. لايهمهم أن يكون ذلك على دماء أصحابها و على أشلائهم المتناثرة الأمر الذي يوجب على الجميع التخلي عن الخلافات فيما بينهم، و العودة إلى حظيرة العمل المشترك بعيدا عن الاقتتال، و بعيدا عن الصراعات الكارثية و عن المواقف الخاطئة التي ستؤدي إلى الخسارة المطلقة لانقول أمام النظام حسب، و لكن أمام أصحاب المصالح الأجنبية الذين يهرعون اليوم إلى الساحة السورية، و كل منهم يصارع من أجل حصته لايبالي ماكان من أمر سورية و شعبها، أفي عدد الأحياء هم أم في عدد الأموات!!! فالمهم، أن يكون للروس حميميم و طرطوس، و أن يضمنوا سيطرتهم على قاعدتهم البحرية، و هو الحلم الذي عجز عن تحقيقه من قبل القياصرة و السوفيت. و أن يكون للأمريكان السيطرة على شرقي سورية و وسطها، في الرميلان و الرقة، و أن يكون للفرنسيين و الإنكليز كفل من ذلك، و أن يمتد النفوذ الإيراني من العراق إلى سواحل المتوسط و ذلك بعد السيطرة على دمشق و ماحولها، و صولا إلى حلب و حماة و حمص و اللاذقية. أو مايسمى بـ(سورية المفيدة) كلها. و ذلك بعد أن تكون الانهيارات في صفوف المقاتلين قد حدثت حقيقة و بعد أن يكون بعضهم قد تحولو إلى شبيحة أو نبيحة و بذلك تكون اللعنة على الذين فرطوا بقضيتهم التي ثاروا من أجلها أولا، و بأخوتهم التي كان عليهم أن يعتصموا بها و بالموقف المسؤول الذي يوجب على الجميع أن يتركوا ما بينهم من خلافات، و أن يلتقوا على الكلمة الجامعة، التي بها العصمة من الزيغ و الانحراف، الذي هو حاصل اليوم، و قد تولى كبره الجهلة و الحمقى من الذين تيبست ضمائرهم، أو نسوا بعضا مما ذكروا به من " الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا" أولا و من الذين نسوا قوله تعالى:" قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم، أو يلبسكم شيعا، و يُذٍيقَ بعضكم بأس بعض" ثانيا.
و لو عدنا إلى من عندهم علم من الكتاب لوجدنا أن معنى يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم بأس بعض، أن يخلط أمركم عليكم فتكونوا فرقا متناحرة يقتل بعضكم بعضا، و قد نهانا سبحانه أن نكون من المشركين، و أصحاب الأهواء و البدع، الذين بدلوا و غيّروا في دينهم، فأخذوا بعضه و تركوا بعضه تبعا لأهوائهم، فصاروا فرقا و أحزابا، يتشيعون لرؤسائهم و أحزابهم، و آرائهم، يعين بعضهم بعضا على الباطل، كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون يحكمون لأنفسهم أنهم على الحق و غيرهم على الباطل. فيقتتلون فيما بينهم، و هذا هو واقع الفصائل المتقاتلة التي يقاتل بعضها بعضا. فبأي من المسائل تتمارى_؟ و بأي منها تجادل؟ و بأي منها تدعي.؟ و قد حادت عن أمر ربها و سلكت طريق التنازع الذي قادها إلى الفشل. قال تعالى:" و أطيعوا الله ورسوله، و لاتنازعوا فتفشلوا، و تذهب ريُحكُم، و اصبروا إن الله مع الصابرين @ و لاتكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاءَ الناس، و يصدون عن سبيل الله، و الله بما يعملون محيط@ و إذ زين لهم الشيطان أعمالهم، و قال لاغالب لكم اليوم من الناس، و إني جار لكم، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه و قال إني بريء منكم". قال المفسرون. أي : التزموا طاعة الله و طاعة رسوله في كل أحوالكم، و لاتختلفوا، فتتفرق كلمتكم، و تختلف قلوبكم، فتضعفوا و تذهب قوّتكم و نصركم، و لاتكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من بلدانهم كبرا و رياء. و هذا من وجهة نظرنا كاف لأولئك الذين غرهم مابين أيديهم من سلاح، و ماتسوّل لهم به أنفسهم، و مايوحيه إليه أسيادهم فهم في حكم التابع لأعداء معروفين أو غير معروفين فيغيرون على بعضهم و يقتتلون فيما بينهم افتتالا ليس أشد ضراوة منه ناسين أو متناسين، أن الاقتتال بين الفصائل المقاتلة جريمة لاتعدلها جريمة، و أن الذي يفتي لهم بجواز ذلك جاهل، و هو ليس من أهل الفتوى، و أن الرابح الأول و الأخير من ذلك الاقتتال فئتان.
الفئة الأولى- النظام، الذي يتربص بالمقاتلين أن ينهك بعضهم بعضا، فينقض عليهم، و يمزقهم شر ممزق، فيتمكن من بسط نفوذه على سورية كلها بعد ست سنوات من الثورة.
الفئة الثانية- أصحاب المصالح الدولية و هم على التسلسل: إيران، وروسيا، و أمريكا، و بريطانيا، و فرنسا، و لا تعدم آخرين ، كل منهم يتطلع إلى حصته من الفريسة، لايهمه، من أمر السوريين، الا بقدر مايكون مستفيدا. و كان ما كان بعد لسورية و شعبها.
و مسؤولية الوقوف في وجه هؤلاء، و هؤلاء تقع على عاتق السوريين جميعا، و في طليعتهم المجاهدون الذين هرعوا إلى الساحات العامة منذ الأيام الأولى للثورة، و الذين لايزالون على العهد باقين لايهمهم من خالفهم إلى أن يأتي أمر الله." كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، إن الله لقوي عزيز.
و في الختام: فإننا نتوجه بكلمات ثلاث:
الأولى- موجهة إلى المقاتلين الحقيقين و الثوريين المجاهدين و حاملي الهم السوري بعامة. لهؤلاء جميعا نقول:" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" أي: قدوة حسنة تتأسون بها " و ما آتاكم الرسول فخذوه، و مانهاكم فانتهوا و اتقوا الله جاء في التفسير: و ما أعطاكم الرسول من مال، أو شرعه لكم من شرع فخذوه، و مانهاكم عن أخذه أو فعله فانتهوا عنه، و اتقوا الله بامتثال أوامره، و ترك نواهيه قال: و الآية أصل، في وجوب العمل بالسنة قولا أو فعلا أو تقريرا. و هذا يعني: أن الاقتتال الحاصل بين المقاتلين هو حيدان عن السبيل الحق الذي يجب أن يكون عليه المسلمون فالقضية قضية دين أولا، و قضية شرع سماوي ثانيا و قضية موقف من حاكم طاغية و جب الخروج عليه على وفق القوانين و الأعراف، و الشرائع السماوية و الأرضية ثالثا و لانظن أن هناك أمة من الأمم فعل بها حاكمها بعض مافعله أو يفعله الآن بشار الأسد ثم لايحق لها الخروج عليه أو العمل على استبدال نظامه بالنظام الذي يتوافق بما عليه شعبها من خصوصية.
الكلمة الثانية موجهة إلى الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا، نقول لهؤلاء- و الشمس لاتخفى بغربال- لقد أحدثتم في أمركم، مالم يحدثه من قبلكم أحد في القديم أو الحديث فبأي وجه ستلقون ربكم، و بأي الذرائع و الحجج ستحاجون عنده في يوم لاينفع فيه مال و لابنون، و هو اليوم الذي سيعرض الخلق فيه على ربهم، فتبيض وجوه و تسوّد وجوه و بذلك تكون العاقبة، التي هي نتاج ماقدمت يداك أنت أيها المقاتل الذي تضع يدك على الزناد لتقتل مجاهدا مثلك كل همه أن تنتصر الثورة و يسقط النظام، و يصلح أمر الناس و هو الأمر الذي تعاهد عليه السوريون، يوم خرجوا على الطاغية، و يوم قالوا لا للنظام الفاسد الذي أفسد على الناس حياتهم.
الكلمة الثالثة موجهة إلى الأتباع الذين يتبعون أمراءهم في سوح القتال، و الذين يقاتلون سواهم من المقاتلين نقول لهؤلاء: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ثم ياقوم لا تأمنوا هؤلاء الذين يسوقونكم إلى سوح القتال أن يكون بينهم من الخونة و المجرمين من هو على ارتباط بالنظام. و ما أمر عمر رحمون منكم ببعيد، ذلك الذي كان عليه قبل أن يوقع على صك تسليم حلب أن يجز لحيته و أن يخلع لباسه و أن يخرج على الناس بزي رجال النظام، و ليس بزي المقاتلين المجاهدين.
نقول هذه الكلمة عن عمر رحمون و هي كلمة يدخل في خانتها كل من خان و تآمر، و من ألب على إخوانه، و من رضي أن يكون تابعا، أو عمل جاسوسا أو عميلا، فكلهم _ و هم على سواء في أمرهم _ يفضّل لهم أن يجذّوا لحاهم، و أن يخلعوا لباسهم الإسلامي قبل أن يرسلوا الصيحة من أجل الاقتتال ضد بعضهم البعض. إن دم المسلم حرام، و لايستبيحه إلا قاتل و مجرم و كافر لايؤمن بالله العظيم. و إن الشروع في ذلك أمر له عواقبه الوخيمة ليس على المستوى العملياتي، و هو مستوى ضيق و محصور و إنما على المستوى العام، حيث إن من شأن ذلك أن يفت في عضد المقاتلين، و أن يجهض الثورة التي أربى قتلاها على المليون، و أن يسجل و بحروف ملطخة بالسواد الخسارة التي سيتأذى منها كل مسلم.
فهل و عى ذلك أصجاب الأيادي النظيفة؟
و هل عرف ذلك أصحاب العقول السليمة؟
و هل نحن مقدمون اليوم على اقتتال ضار بين الإخوة بعضهم مع بعض و هو اقتتال ليس أكبر منه خسارة؟؟
أم أن الرجعة ستكون أولا؟ و سيتبعها البراءة و التوبة و لبيك أختاه ثانيا؟
و نعتقد أنه لو حدث ذلك فإنه سيكون مقدمة للانتصارات العظيمة التي سيكون ختامها الانتصار العظيم بسقوط بشار و نظامه، و بجلاء الأحزاب جميعا عن أرض سورية الحبيبة.
ذلك ما نبشر به. و الله غالب على أمره، و سيجعل الله بعد عسر يسرا.
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات السورية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 719