عودة عصيد إلى انتقاد مادة التربية الإسلامية
عودة عصيد إلى انتقاد مادة التربية الإسلامية لفائدة مادة الفلسفة من خلال مقارنة مثيرة للسخربة بينهما خدمة ودعاية لتوجهه العلماني المرفوض في مجتمع متدين
تشبه حكاية عصيد العلماني الأمازيغي كما يصف نفسه حكاية التلميذ الذي لا يجيد سوى وصف حديقة بيته حين يحرر موضوعا إنشائيا ، ولما طلب منه معلمه ذات يوم وصف رحلة على متن طائرة لم يجد بدا من إسقاط الطائرة في حقل يشبه حديقة بيته ليتسنى له وصفها كما اعتاد لأنه لا يعرف سوى ذلك . وعصيد يضع نظارته العلمانية على عينيه فيرى كل شيء في هذا العالم علمانيا بل أكثر من ذلك العلمانية عنده لا يأتيها باطل من بين يديها ولا من خلفها وشعاره كشعار القائل : إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
وحذام امرأة في الجاهلية ضرب بها المثل في حدة البصر وصدق الخبر . وعصيد هو حذام هذا العصر لأن بصره العلماني يضاهي بصر حذام في اعتقاده . ومن المؤسف أن يجري محسوب على التعليم مقارنة بين مادتين دراسيتين وهو فعل لا يصدر إلا عن غريب عن قطاع التعليم ، ويكون في الغالب من المحسوبين على الجهلة والأميين الذين لا يعرفون كيف تبنى المناهج الدراسية وكيف تتكامل مكوناتها لتكوين الناشئة التكوين الذي يختاره لهم وطنهم بمواصفات خاصة تراعي هويهم وتاريخهم وواقعهم . ويبدو عصيد حين ينتقد مادة التربية الإسلامية جاهلا أو متجاهلا للمرتكزات التي يقدم بها للبرامج والمناهج الدراسية في الوثائق الرسمية التي تعتمدها وزارة التربية الوطنية وعلى رأسها تكوين التلميذ المغربي المتشبه بدينه الإسلامي وعقيدته السنية الأشعرية ومذهبه الفقهي المالكي ، وطريقته الصوفية الجنيدية قبل أن يكوّن على الانفتاح على ثقافات غيره . وهذا خيار بلد من ثوابته إمارة المؤمنين الحامية لحمى الملة والدين . وإذا كانت مختلف المواد الدراسية ملزمة باحترام مرتكز تكوين المتعلم المغربي ليكون متشبعا بهويته الإسلامية ، فمادة التربية الإسلامية هي مركبه الأول نحو هذا التشبع . ولمعرفة شطحات عصيد نسوق كلامه حرفيا وشكليا أيضا بأقواسه ومزدوجاته ليتبن القراء الكرام مدى الهوس العلماني الذي يتخبط فيه الرجل ،وهو في بلد يدين الناس فيه بدين الإسلام ،ويعتبر هو ومن على شاكلته ألحانا ناشزة فيه .
يقول عصيد : ( إن الاختلاف الجوهري بين مادتي الفلسفة والتربية الإسلامية إنما يتمثل في أن التربية الإسلامية تهدف إلى صنع أفراد مؤمنين وأعضاء في " جماعة المسلمين " أي إلى جعل التلاميذ مؤمنين بالدين الإسلامي مصدقين بنصوصه وممارسين لشعائره ( حتى لو كانوا أطفالا في سن السادسة )، ولهذا يستعمل هذا الدرس أبسط الوسائل التقليدية المعتادة في فضاءات التعليم الديني التقليدي والتي منها أسلوب " الترهيب والترغيب " وأخبار الغزوات والحروب الأولى ضد " الكفار " و " المشركين " حيث ينطلق الدرس منذ السنوات الأولى من التعليم الابتدائي بالتمييز بين " المؤمن والكافر " كما يتضمن أخبار المعجزات والخوارق التي تستوجب الإيمان والتسليم الروحي لا المناقشة والفحص والتحليل والنقد ، بينما يهدف درس الفلسفة إلى أكثر من دفع التلميذ إلى التفكير وطرح الأسئلة حول وجوده ومحيطه وقضايا مجتمعه وواقعه الإنساني . إنه لا يقدم أية أجوبة جاهزة أو أية وصفة مسبقة ، وعندما يقدم مواقف وآراء الفلاسفة، فإنما يقدمها في إطار نسبي على أنها مواقف مختلفة حسب الرأي والمذهب والاتجاه الفلسفي وليست معتقدات نهائية على التلاميذ اعتناقها . ويتضح من هذا التمييز بأن درس التربية الإسلامية في حقيقته يخالف أسس وفلسفة المدرسة الحديثة التي هي محايدة في موضوع المعتقد حيث يعمل النظام التربوي الحديث على تكوين مواطنين وجعلهم قادرين على الاختيار الحر لاتجاههم في الحياة عند بلوغهم سن الرشد وتحمل مسؤولية اختيارهم ) انتهى كلام عصيد.
وأول ما يعلق أو يعقب به على هذا الكلام هو القول بأنه لا مجال للمقارنة بين مادة التربية الإسلامية ومادة الفلسفة مع وجود فارق بينهما هو الفارق بين المطلق الذي تمثله النصوص التي تشتغل عليها مادة التربية الإسلامية ، وبين النسبي الذي تمثله النصوص التي تشتغل عليها مادة الفلسفة . ولا يقدم على مقارنة النسبي بالمطلق عاقل يحترم عقله . ويفهم من كلام عصيد وكأن مادة التربية الإسلامية تهدد مادة الفلسفة وتنقض وظيفتها ، وهو أمر لا يقول به مشتغل في الحقل التعليمي، وإذا ما قال به عرض نفسه لسخرية أهل الميدان والتخصص . وبعد هذا يمكن قراءة ما وراء سطور كلام عصيد الشيء الذي يفضي إلى استنتاجات يشهد بها كلامه على أن الرجل يريد التصريح بنوع من المروق من الدين أو التنصل منه ، وربما أحيل كلامه على أهل الاختصاص للحكم على عقيدته . واستعماله للمزدوجتين في عدة عبارات من قبيل " جماعة المسلمين " ، و" الكفار والمشركين " ، و" الترغيب والترهيب " ، " والمؤمن والكافر " له دلالة ذلك أن استعمالها يعني موقفا معينا يفيد إما الرفض أو الشك أو السخرية . وإذا كانت جماعة المسلمين والإيمان والكفر والشرك والترغيب والترهيب موضوعات شك أو رفض أو سخرية بالنسبة لعصيد، فقد كشف القناع عما يبطن عقديا . وإذا كان عصيد ينتقد مادة التربية الإسلامية لأنها تجعل المتعلمين يؤمنون بالدين الإسلامي ويصدقون نصوصه التي هي قرآن كريم وحديث شريف ويمارسون شعائره ، وهذا هو الهدف من هذه المادة الدراسية ، فإنه يصرح بشكل واضح برفضه لوظيفة هذه المادة ، ووراء ذلك ما وراءه من رفض للدين . وإذا كان عصيد يريد مناقشة وفحص وتحليل ونقد المعجزات والخوارق، وهو يقصد بطبيعة الحال معجزات الدين الإسلامي حسب سياق كلامه فعليه أن يبحث عن تسمية أخرى للمعجزات والخوارق لتسلس القياد لمناقشته وفحصه وتحليله ونقده ، ولا يقول بمثل قوله هذا حتى عوام الناس . فأنى لإنسان مهما كان أن يناقش ويحلل وينتقد المعجزات المذكورة في كتاب الله عز وجل بله يفحصها ؟ وإذا كان عصيد يعبر عن رفضه وصف المؤمنين والكافرين والمشركين باستعمال هذه الأوصاف بين مزدوجتين، فعليه أن يقدم بديلا عن تلك الوصاف ليميز بين البشر باعتبار ما يعتقدونه من معتقدات . ويبدو أن عصيد لا يروقه الحديث عن غزوات وحروب الإسلام ضد المشركين والكفار ، وواضح أنه يريد العزف على وتر الصراعات الساخنة في عالم اليوم ليشبه بخبث ومكر مكشوفين ما تقوم به عصابات إجرامية مأجورة من طرف أعداء الإسلام لتشويهه بغزواته وحروبه. ومقابل انتقاد مادة التربية الإسلامية والاستنقاص من قيمتها وشأنها ، ينتصر عصيد انتصار متعصب واضح التعصب لمادة الفلسفة، فيختار لها أفضل النعوت والأوصاف عنده ، فهي تدفع المتعلمين إلى التفكير وطرح الأسئلة حول وجودهم ومحيطهم وقضايا مجتمعهم وواقعهم الإنساني ، وهي لا تقدم الأجوبة الجاهزة والوصفات المسبقة . وكل ما حاول عصيد إثباته لمادة الفلسفة ينفيها عن مادة التربية الإسلامية ، وهو أمر يعرضه لسخرية الساخرين وكأن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تشتغل عليها مادة التربية الإسلامية لا تطرح أسئلة حول وجود المتعلمين ومحيطهم وقضايا مجتمعهم وواقعهم الإنساني ؟ ولا توجد نصوص بشرية تشتمل على عدد الأسئلة أو القضايا الفلسفية التي تطرحها نصوص القرآن والسنة حول الوجود والمعرفة والأخلاق وهي مباحث الفلسفة الكبرى . ولم يفوّت عصيد الفرصة لإقحام علمانيته في الموضوع وقد أسقط الطائرة في الحقل كعادته ليصف حديقة بيته حين تحدث عن فلسفة المدرسة الحديثة المحايدة في موضوع المعتقد والتي تجعل المتعلمين أحرارا في اختيار اتجاهاتهم في الحياة عند بلوغ سن الرشد . إن مدرسة بهذه المواصفات هي مدرسة علمانية حسب هوى عصيد ، وهي مدرسة إن وجدت في بلاد أخرى ، فلا يمكن أن توجد في بلد مسلم كالمغرب ينص دستوره على أن الإسلام هو دينه الرسمي ، ولا مكان فيه للعلمانية . وحتى في البلاد التي تدعي العلمانية لا تخلو مناهجها وبرامجها ومقرراتها الدراسية من مضامين عقدية ذات علاقة بالديانات سواء كانت سماوية أم وضعية . فهل يستطيع عصيد أن ينكر تلقين المجتمعات الغربية التي تتبنى العلمانية القيم الصليبية لناشئتها بل أكثر من ذلك تقام في المؤسسات التربوية في بعض تلك الدول الصلوات والقداسات ؟ وهل يستطيع عصيد أن يزعم بأن الكيان الصهيوني وهو كيان يدعي العلمانية لا يلقن ناشئته تعاليم الديانة اليهودية وهو مرتكز من مرتكزات تأسيس دولة إسرائيل ؟ وهل يستطيع أن ينكر وجود الديانات البوذية والهندوسية في المجتمعات الأسيوية التي ترفع شعار العلمانية مثل اليابان والصين ؟ وهل تخضع خوارق الصليبية واليهودية والبوذية والهندوسية للفحص والمناقشة والنقد كما يريد عصيد لمعجزات وخوارق الإسلام؟
وأخيرا نقول لعصيد ألم تشهد على نفسك في كلامك بأن مواقف و آراء الفلاسفة تحكمها النسبية ، والمذهبية ، وأنها ليست معتقدات تعتنق ؟ ولو كانت آراء الفلاسفة توصل إلى الحقيقة لما بعث الله عز وجل المرسلين مبشرين ومنذرين.وإذا يا عصيد مقتنعا بأن آراء الفلاسفة ليست معتقدات، فلماذا ثرت أنت وغيرك حينما تضمن كتاب من كتب مادة التربية الإسلامية نصين ينتقدان الفلاسفة الدهريين ، علما بأن الدهرية أو الزندقة ، وهي الترجمة الفارسية للكلمة هي موقف أو رأي أشخاص ؟ ألا يجدر بك أنت ومن على موقفك أن تقبل رأي من انتقد الدهريين كما انتقدوا هم البعث والنشور ؟ فكيف يقبل من الدهريين والملحدين إلحادهم ونفيهم للبعث والنشور ، ولا يقبل من غيرهم انتقاد الموقف الدهري والإلحادي ؟ إنها إذن قسمة ضيزى يا حضرة العلماني . ومن المثير للسخرية حقا أن ينطلق عصيد في مقاله من قضية رفض وجود نصيين في كتاب مادة التربية الإسلامية ينتقدان نوعا معينا من الفلسفة ليهدم مادة التربية الإسلامية برمتها . ولو اعتمد منهج عصيد في التعامل مع مادة الفلسفة بنفس المعيار الذي استخدمه في التعامل مع مادة التربية الإسلامية لكانت النتيجة أيضا هي هدم مادة الفلسفة برمتها لأن مقرراتها الدراسية تتضمن العديد من النصوص الفلسفية التي تنتقد الدين عموما والإسلام على وجه الخصوص . وعلى عصيد هو ومن على شاكلته أن يسلم بأن المناهج الدراسية تقدم للمتعلمين مختلف الأفكار التي قد يكون بعضها على طرفي نقيض لفتح كل آفاق المعرفة أمامهم . ولو تدبر عصيد كيف يقدم النص القرآني آراء خصوم الإسلام ويرد عليها مناقشا ومقنعا لعدل عن تعصبه العلماني والطائفي الذي ضاق من نصيين انتقدا فلسفة الزنادقة التي ينصب هو نفسه وصيا ومدافعا عنها وقد أهلك الدهر أهلها، وتيقنوا وهم يحتضرون أنهم أخطئوا الحساب والتقدير حين بلغت الحلقوم ، وهو ما لن يستيقنه عصيد إلا إذا بلغت حلقومه ، ونسأل الله له توبة قبل ذلك ، لا نريد له توبة فرعون حين أدركه الغرق.
وسوم: العدد 722