شبابنا والطريق البديل
منذ أن عصفت الفتنة بالبلاد وتراجعت الصحوة المباركة أصبح واقعنا الشبابي يتلخّص في تياريْن أحلاهما مرّ ، فطائفة انساقت مختارة او مرغمة خلف الفساد والخمور والمخدرات والانحلال الخلقي والجريمة بشى أنواعها ، فيما اختارت طائفة أخرى التديّن ، لكنه تديّن عاطفي يغلب عليه الشكل والانغلاق والتشدّد ، وهي جدلية عويصة تواجه الأولياء والمربين والمصلحين وكأنهم أمام قدر محتوم ، وماذا عسى أن يفعل من خُيّر بين الطاعون والكوليرا ؟
هناك تخطيط محكم وراء الفوضى الثقافية والاجتماعية التي نعيشها منذ ربع قرن أدّت إلى واقع بئيس مثقل بالآلام والتردي تاه فيه الشباب – وهو عنصر الأمة الفاعل وقلبها النابض – عن القضايا المصيرية والغايات الكبرى وصار في حدّ ذاته مشكلة عويصة ، والتياران يلتقيان في نهاية المطاف على مستوى العطالة والسلبية وإنكار الذات ، الأول لانشغاله بالشهوات والثاني لتفانيه في التديّن الشكلي والخوض في المسائل الفرعية والتجريدية التي لا ينبني عليها عمل ، وخلا الجوّ بذلك للنخبة الايديولوجية التغريبية تنفذ أجندتها في المجتمع وتواصل أداءها التشويشي على الثوابت والأفكار والأذواق والسلوك والتوجهات الكبرى.
نجَتْ نسبة قليلة من الشباب من الانتماء لأحد التياريّن بسبب ضغط التوجيه التغريبي المكثف في ظلّ غياب تأثير البيت والمسجد والمجتمع المدني ، والمسيرة تتواصل الصعداء ، هذا الطرف ينغمس يوما بعد يوم في مزيد من التردي الثقافي والأخلاقي والانحراف السلوكي بمباركة واضحة من الدوائر التغريبية التي تزيّن – باسم الحرية الشخصية – الكفر والإلحاد والشذوذ الفكري والجنسي والتبرج الجاهلي . ، أما الطرف الآخر فهو فتنة لنفسه ولغيره ، يعطي عن الاسلام أبشع صورة حين يلخّصه – كما تعلّم من شيوخه – في الأشكال " الاسلامية " وسوء الأدب مع الناس وتبرير الاستبداد ورفض الحرية والديمقراطية والعيش في الماضي بصوره ومشاكله ونزاعاته مع نبذ الموروث البشري كله من اكتشافات علمية وإضافات ثقافية بدعوى أنها بِدعٌ منكرة ... فرّ كثير من الشباب بدينهم فلم يجدوا إلا مدرسة التشدّد والجمود فانخرط بعضهم فيها فأصبح جزءا من المشكلة ، وهرب منها آخرون بعد التجربة المرّة فارتموا في أحضان الفساد والانحراف... كلّنا نعيش هذا الوضع المأسوي ، بعضنا يتجاهله ، كثيرون يشتكون ، والجميع مستلمون للأمر الواقع ، فهل من حلّ ؟
لا يفيد البحث في الأودية والشِعب الافتراضية ، الخلل نصب أعيننا والأسباب معروفة والحلّ كذلك رغم صعوبته ، عندما تخلت الحركة الاسلامية الهادئة الهادفة المعتدلة عن وظيفتها تاه الشباب وأصبح من السهل توجيهه نحو الخيارات الحادة المهلكة في عملية انتحار جماعي بطيء الوتيرة ، فلو أن أصحاب الرؤية المجتمعية الرصينة والوسطية والمنهج التربوي استقطبوا الشباب في الحلقات المسجدية ومختلف الجمعيانذت والأندية الجادة وصبروا معهم في إطار تصوّر إصلاحي شامل للمجتمع وأنقذوا اكبر عدد ممكن من التائهين و وفّروا لهم المحاضن التربوية التي تعطي البديل الجميل و ترفع المستوى وتُشرك في الأعمال وتقدم عن الإسلام رؤية مستقبلية واقعية يتعايش فيها العلم والعمل والأخلاق ، تنشد التفوق والنبوغ والإبداع وحبّ الحياة والبحث عن سعادة الفرد والمجتمع ... لو حدث هذا لوضعنا القدم في الطريق الصحيح ، ومع احترامي لجميع إخواني أتساءل أيهما أفضل وأجدى : هذا البديل أم مواصلة الانغماس الكلي في عملية سياسية أقرب إلى العبث في ظل النظام الشمولي ؟ لنرجع إلى قول الله تعالى " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة " ، الحل هنا :عودة الدعاة والمصلحين ذوي الكفاءة والاعتدال وقوة التأثير من أصحاب الإخلاص والصدق والمعرفة والتجربة إلى الميدان لإنقاذ التياريّن معاً من طريق الانحلال والتطرف وإنشاء نموذج دعوي إصلاحي له ثوب قشيب ومحتوى متميّز يستهوي الشباب ، يجدون فيه بديلا عن الدعاية التغريبية المغرية والمنهج الديني المتشدّد لعودة الجيل شيئا فشيئا إلى الشعور بذاته وإفراغ مجهوده في طاعة الله وصناعة الحياة .
لن يفيدنا التمادي في الشكوى من فساد الزمان ولا لعن الانحراف وأهله ولا الحكم بالضلال على هذا الطرف أو ذاك ، كما لن تفيدنا المواعظ الباردة ولا الفتاوى التي تجرّم " الحراقة " وتتغافل عمّن يدفع الشباب إليها ، و لا الموائد المستديرة والأيام الدراسية التي تنظمها الدوائر ارسمية فهي – مثلا - تحارب المخدرات ولا تتكلم عن الخمر التي يحمي القانون أهلها ، وتحذّر من السيدا لكن ترفض الوصايا الدينية بشأنها لأنها دوائر تكره الطابوهات !!! والحلّ يكمن إذًا فقط في المنهج التربوي الإٌصلاحي الذي يؤثِر العمل المنظم الدؤوب برؤية واعية بصيرة ، يبذل أهله الوقت والجهد والمال لأجل إنقاذ الشباب وإصلاحهم وهدايتهم وفق خطة دعوية واضحة المعالم والوسائل ، لستُ هنا بصدد وضع تفاصيلها وإنما أدق ناقوس الخطر وألحّ على الخيّرين أن ينتظموا في العمل الدعوي قبل فوات الأوان ، يمكنهم أن ينتظموا في أُطُر جادة محلّ ثقة مثل جمعية العلماء وجمعية الإرشاد والإصلاح أو إنشاء فضاءات أخرى وطنية ومحلية تتولّى الأمر ، ترعى وضع الخطط وتطبيقها.
الطاقات الكبيرة المتشبعة بالقيم والمتمتعة بالكفاءة موجودة تنتظر الانطلاقة إذا قام بها أصحاب الهمم والعزائم والغيرة على الدين والبلاد والأجيال المهددة بالضياع.
هذا جزء من الحلّ الذي أُبدئ فيه وأعيد ، فهل من مدّكر ؟ وإني أهيب بإخواني وأخواتي من جيل الصحوة المباركة الذين تربوا على معاني الإخلاص والصدق وعلى الأوراد والمأثورات والعمل الصالح أن يعودوا إلى ميدان العطاء فهو شاغر ينتظرهم .
وسوم: العدد 722