غاب القط»… أو «الجزيرة مباشر مصر»… «العب يا فأر»!
«كأنهم جراد منتشر»، هكذا بدت قنوات بعينها في «ليل المؤامرة» ومن «العربية» ومشتقاتها «الحدث» وأمثالها، إلى»الإخبارية» السعودية، إلى «سكاى نيوز عربية»، قبل أن تصدر الصحف السيارة، لتشارك في مخطط يستهدف قطر، وبدا واضحاً أنه جرى الإعداد له جيداً!
كان اختراقاً قد جرى لموقع وكالة الأنباء القطرية، لينسب إلى أمير دولة قطر الشيخ «تميم بن حمد»، كلاماً ليس حقيقياً، عن علاقات قطر بإيران، وبما يفهم منه أنها لم تعد منحازة لمحيطها الخليجي، ليكون هذا الاختراق بمثابة كلمة «سر الليل»، الذي تحرك على إثره التحالف الفضائي السعودي/ الإماراتي، ليضرب ضربته، وقيل ليلتها «يا داهية دقي»!
لقد تم الإعلان رسمياً عن أن موقع الوكالة جرى اختراقه، لكن الجهة التي تقف وراء عملية الاختراق، ما كان لها أن تعدل عن قرارها بخوض غمار حرب الإبادة الإعلامية، وتضيع على نفسها فرصة اختلقتها لشن غاراتها الفضائية، على نحو ذكرنا باحتشاد هذه القنوات التلفزيونية بالذات، لصالح الانقلاب العسكري في تركيا، فهل كانت بعيدة عن التخطيط له؟ أم كانت جزءاً من أدواته؟!
كانت الفضائيات المهنية، بما فيها «الجزيرة» قد فاجأها الانقلاب، ولأن من «لسعته الشوربة ينفخ في الزبادي»، ومن عاصر الانقلاب في مصر لا بد أن يكون حذراً من التورط في أراء قد تحسبه على قائمة «مروجي المخدرات»، فقد كان الأداء يبدو متأثراً بما تبثه الفضائيات، التي كانت في أوج استعدادها، ومن «العربية» ومشتقاتها، إلى «سكاى نيوز عربية» وتوابعها، وتم التبشير بأن الانقلاب قام ونجح، وأن أردوغان أصبح ذكرى، وأن على الجميع أن يتعاملوا مع الواقع!
كان الشعب التركي في الشوارع يتصدى للانقلابيين بشجاعة، ويحاصر دباباتهم، بينما فضائيات القوم، تبشر بالعهد الجديد، فأردوغان اختفى في ظروف غامضة، وقد يكون هرب أو قتل، ولا شيء عن احتمال فشل الانقلاب. وإذا كان من الطبيعي أن يعزف هذه النغمة الإعلام الإماراتي، فقد كان المثير أن تكون «العربية» وهي قناة سعودية ضالعة في المؤامرة، والعلاقة بين الرئيس التركي والعاهل السعودي، كالسمن على العسل.
«حلاوة روح»
وقد حدث ما قلب المشهد رأساً على عقب، فقد طل الرئيس التركي على شاشة فضائية تركية وعبر «الهاتف المحمول» وهو يطالب شعبه بالتصدي للانقلابيين، ويعلن أنه في طريقه للمطار، عندئذ بُهت الذي كفر، وأصبحت رسائل فضائيات الثورة المضادة في مصر والإمارات والسعودية، كهشيم تذروه الرياح، وقد سخروا من هذا الظهور، واعتبروه «حلاوة روح، لكنه كشف لـ»الجزيرة»، التي تمثل المدفعية الثقيلة في الحوادث الكبرى الجانب الآخر من الصورة، فكان النقل من الشارع، ورويداً رويداً وقف الناس على حقيقة المشهد، وتم دحر الانقلاب الذي انتصر في قنوات القوم، وصارت بما فعلت مثاراً للسخرية والتندر، ومضى ليل المؤامرة!
في المشهد الأخير، لم تهتم قنوات الثورة المضادة، في مصر والإمارات والسعودية بالإعلان القطري عن أن موقع وكالة الأنباء الرسمية جرى اختراقه؛ ذلك بأن هذه القنوات لم تكن ضحية لخبر كاذب، فالحقيقة أنها كانت جزءاً من عملية الاختراق، وأداة في أيدي المخترقين، والذين فبركوا هذه التصريحات المنسوبة للأمير القطري، والدليل أنهم وإلى الآن يواصلون حملتهم وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر!
وقد ساعدهم أن «الجزيرة» لم تدخل ليلتها ساحة المعركة، ربما لأن المعركة أقل من أن تدخلها، فمن الجنون إطلاق قذيفة من مدفع «أر بي جي» لقتل ناموسة، وربما لأن المعركة، أقرب إلى «خناقات الشوارع»، التي لا يجوز للكبار خوضها، وربما لأن من سمات «الفيل» ثقل الحركة، وعليه فقد فافتقدنا «الجزيرة مباشر مصر» في هذه الليلة الليلاء!
«مباشر مصر» لم تكن مثقلة بقواعد تعوق الحركة، وتحد من التصرف، في معارك «الردح»، وإن كانت الأيام كشفت أن عدم الانجرار إلى ساحة الحرب المخطط لها سلفاً وبإتقان هو سياسة دولة، وليس مجرد أعباء مهنية منعت «الجزيرة» من المواجهة، في معركة «فرش الملاية»، عندما تستخدم الأيدي والأصابع والحواجب كأسلحة دمار شامل. قال رئيس تحرير جريدة «الراية»، «صالح الكواري»، إن قطر لا تريد أن تجاري الإعلام السعودي والإماراتي حفاظاً منها على استقرار الخليج.
اللافت أن حملة إعلان الحرب، المدبر لها بليل، بدت مفاجأة للمراقبين، فليس هناك عداء قطري – سعودي، أو إماراتي ظاهر، وقطر لم تمش في اليمن مثلاً بالفتنة، بما يمثل من مخاطر على الخليج وغيرها فعل، ليطرح هذا سؤالاً حول السبب في ما جرى؟!
«تسليم مفتاح»
فحملة الهجوم الضاري الآن، والتي وصلت للصحافة السعودية، لا يمكن أن يكون مردها تصريحات منسوبة لأمير قطر، تم نفيها مبكراً والإعلان عن أن موقع وكالة الأنباء جرى اختراقه، فما هو المبرر لاستمرار الهجوم إلا إذا كانت هذه التصريحات المدسوسة استخدمت ذريعة لإعلان حرب «داحس والغبراء» من طرف واحد!
الواقع أن هناك مشروعين مختلفين ومتعارضين، أحدهما يجد أن الآخر معوق له، فهناك من يقدم نفسه إسرائيلياً وأمريكياً بأنه يمثل المرحلة الثانية، من مراحل تسليم المنطقة «تسليم مفتاح» لإسرائيل وقد بدأت المرحلة الأولى بتوقيع معاهدة كامب ديفيد بين السادات والجانب الإسرائيلي، عندما لا يتم الاكتفاء بالهبوط لمرحلة «أبو مازن» ممثلا للقضية الفلسطينية وإنما أن يكون الانحدار إلى مستوى «محمد دحلان»!
وهذا المشروع الإنبطاحي، يأتي في وقت يجري فيه الحديث عن «صفقة القرن»، التي أعلنها عبد الفتاح السيسي في لقائه مع ترامب بدون توضيح، لتصبح كلمة مبهمة، ولأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، فإن الطرفين لم يوضحا المقصود بصفقة القرن، مما كشف أنها تعني تصفية القضية الفلسطينية، والتطرق إلى مخطط تصبح سيناء فيه هي الوطن البديل للفلسطينيين، ومحمد دحلان هو الرئيس الفلسطيني المفدى!
قطر، تقدم الدعم للفلسطينيين في غزة، مما يضعف من حدة الحصار والقبول بأي خيار، فضلاً عن أنها تستضيف على أراضيها قيادات من حركة حماس، الطرف الأصيل في المعادلة الفلسطينية، وهذا يعوق تنفيذ «صفقة القرن»!
وقبل هذا وبعده، فقطر انحازت لثورات الربيع العربي، في حين أن الآخرين ناصبوها العداء، وعملوا على تقويضها، والمال الخليجي الذي أنفق على تمويل القنوات الفضائية في مصر لهذا الهدف، يكفي للقضاء على الفقر في العالم العربي كله، وهذا الطرف الخليجي يرى في وجود قطر مما يضعف مخططه، صحيح أن الربيع العربي مُني بهزيمة بسبب الدعم المقدم خليجيا للثورة المضادة، لكنه لم يحتضر ولم يمت، إنه يلعق جراحه، وهناك تخوف من أنه إذا تعافى فسوف يصبح إعصاراً هذه المرة، لا يملك أحد الحد منه أو السيطرة عليه!
الطعن في الأنساب
ما علينا، ففي الحرب الدائرة الآن استخدمت كل الأسلحة القذرة، بما في ذلك الطعن في الأنساب، وهو ما تلقفته الأذرع الإعلامية في مصر وعزفت عليه، ليعيدنا هذا إلى أيام الجاهلية الأولى، عندما كان يتم التفاخر بالأنساب، لكن في هذا الزمن كان من يفخرون بأنسابهم لديهم ما يفاخرون به، فلم يكونوا من مقطوعي النسب من عند الجد الرابع، فلا يعرفون من بعده، وإذ انشغلت فترة في أيام الشباب بذلك فتمكنت من الوقوف على أن من أكثر الناس طعناً في أصالة الآخرين هم من مخلفات الحضور المملوكي في مصر!
مستوى من الهجاء منحط، يجري بثه في الإعلام المصري، الذي كان رائداً في يوم من الأيام، وكان يمثل أحد مكونات القوة الناعمة لمصر، قبل هذه المرحلة التي أفرزتها «الخيانة» التي لا يقدم عليها «أولاد الأصول»!
ولأن المصائب يجمعنا المصابينا، فقد بثت «سكاي نيوز» تقريراً يدور حول أن مصر هزمت الآلة الإعلامية القطرية، وللمرة الأولى منذ الإطاحة بالإخوان، على أساس أن قطر سخرت آلتها الإعلامية في مواجهة مع مصر لإعادة الشرعية!
وفي التقرير إشارة إلى أن التصدي المصري كان شعبياً ومن خلال الشعب، الذي أحرق العلم القطري، وجاء في التقرير أنها المرة الأولى التي يحرق فيها علم دولة عربية في مصر!
كلام ليس صحيحاً البتة، فالعلم السعودي أحرق بعد الثورة، وحوصرت السفارة السعودية احتجاجاً على سجن محام مصري، والفرق بين الموقفين أن العلم القطري أحرقه الشبيحة والبلطجية الذين يجري استدعاؤهم بمقابل مادي، وهم الذين تحرشوا بالمنتقبات، واعتدوا على النساء، بما يؤكد أنهم مستأجرون للقيام بهذه المهام القذرة!
في الحقيقة، أن الحكم في قطر هنأ «المؤقت» عدلي منصور بالرئاسة، كما أرسل تهنئة للسيسي بمناسبة فوزه في ما يشبه الانتخابات، لكن العداء المصري مع قطر هو من أعمال الوكالة، وفي عهد مبارك، كانت مصر تعمل عند الكفيل السعودي، أما السيسي فهو مدفوع بتحريض إماراتي، معروف للقاصي والداني!
والإعلام القطري، كان دائماً يعرض وجهة نظر أنصار عبد الفتاح السيسي، ومن ينحازون له، وإن كشفوا بدفاعهم عن بلاهة بالوراثة، وعن إعاقة متوارثة، فلم يكن إعلام وجهة النظر الواحدة، كما تفعل «العربية» ومشتقاتها، و»سكاي نيوز»، و»الإخبارية»، والإعلام السيساوي المصاب بمرض التوحد.
لا بأس إن احتشد إعلام الثورة المضادة، في العواصم الثلاث، ففي احتشاده ما يؤكد معالم المعركة، التي لم تنشب في السابق لوجود «الجزيرة مباشر مصر»، غير المثقلة بالضوابط، وفي حرب الشوارع لا ينتصر الإعلام النظامي، فالأمر يحتاج إلى خفة في الحركة وفي الروح، و»الجزيرة» الأم تكسب معاركها بالتراكم وبالنقاط، وهو أمر يصلح في المعارك الممتدة، لأن النصر يكون ساحقاً ماحقاً، لكن النصر اللحظي كان يمكن أن تحققه «مباشر مصر»، التي كانت مفتوحة في كل البيوت في المحروسة، وكل أقسام الشرطة والنيابات، وكل المصالح الحكومية بما فيها مكتب عبد الفتاح السيسي؛ وفي كل التسريبات من مكتبه كان هناك صوت «الجزيرة مباشر مصر» واضحاً!
لكن وكما قيل في الأمثال: «غاب القط العب يا فأر»!
وسوم: العدد 723