حماس إرهابية هدية ترامب للصهيوني
«التأثير الحقيقي لتنظيم داعش والقاعدة وحزب الله وحماس، والعديد من التنظيمات الأخرى، يجب أن لا يُقاس فقط بعدد القتلى. يجب أن يُقاس أيضا بأجيال من الأحلام المتلاشية».
هكذا تحدث سيّد البيت الأبيض في قمة الرياض، وهو يحمل سلّة الإرهاب التي خلط فيها بين جماعات متباينة المَشارب، ووضع عليها ملصق تصنيفِه دون تفريق.
وهكذا تساوت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بتنظيم داعش التكفيري، الذي يُريق الدماء المعصومة من المسلمين وغير المسلمين، في الوقت الذي لم يعُد يخْفَى على مُتابع، أن التنظيم قد صُنع خصيصا لضرب ثورات الربيع، ومَدِّ المظلَّة التي يتحرك تحتها البُغَاة للتدخل في شؤون الدول العربية الإسلامية. وهكذا تَساوت حماس بتنظيم «القاعدة» المتشدد الذي وجَّهَ سلاحه إلى صدر أوطانه، وتمَّ استخدامه باحتراف في إشعال شرارة الحرب الضرُوس على الأمة، عندما نفَّذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وهكذا تساوت حماس بحزب الله ذراع إيران في المنطقة، ومُمَثِّلها على أرض لبنان باعتراف زعيمِه حسن نصر الله، الذي خرج عن السياق الوطني في لبنان، ووَجَّهَ كتائبه خارج الحدود للقتال إلى جانب الأسد في سوريا، بأوامر من مَلالي طهران.
التصنيف الأمريكي لحماس ليس جديدا، فهو ما تقتضيه طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، إذ تُمثِّل لهذا الكيان الحاضنة الرسمية، بينما هو فتاها المُدلَّل، لكن أبشَع مكونات المشهد أن ذلك الاقتران الظالم، يتمّ خلال هذه القمة المشهودة، وكأنه يُراد منه فَرْض الاعتراف العربي بإرهابية حماس عن طريق الإجماع السُكُوتي.
كما تكْمُن حساسية هذا التصنيف لحماس في أنه جاء قُبيْل توجّهِ ترامب إلى الكيان الصهيوني، وما يحمله من دلالات، أقلُّها أنه رسالة طمأنة للصهاينة تجاه ملف القضية الفلسطينية. وبالفعل لم يدَّخِر ترامب جهدا خلال زيارته لفلسطين المحتلة، في أن يُعيد الكَرَّة، ويؤكد على توصيفه لحماس بأنها جماعة إرهابية، إضافة إلى التأكيد الضِمْني لأحقِّيَة الكيان الصهيوني بهذه الأرض، بما يُثير التوقُّعَات حول التوسُّعِ في بناء المستوطنات، وإجهاض حلِّ الدولتين.
لقد جاء تصريح ترامب عقب إجراء تاريخي لحماس تمثل في الوثيقة السياسية الصادرة عنها، التي قبِلت بموجبها بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، الأمر الذي عرَّض الحركة لموْجَات من الهجوم والنقْد، باعتبار هذه الخطوة اعترافا ضِمنيا بالكيان الإسرائيلي، رغم التأكيد من جانبها على عدم التفريط في شبر من أرض فلسطين، غير أنها سعَتْ لصيغة وطنية توافقية، وأرادت الموازنة بين الواقع والمأمول.
كما خَلَت الوثيقة من التصريح بانتمائها لجماعة الإخوان المسلمين، للتأكيد على أن الحركة تنظيم فلسطيني قائِم بذاته لا يتْبَع أيَّ تنظيم في أي مكان، كما قامت بتغيير قيادة المكتب السياسي، في ما يبدو أنه محاولة للتهدئة، إضافة إلى إعلان رفضها كل أشكال التطرف والتعصب الديني والعِرقي والطائفي.
لكن هذه الإجراءات الحمساوية التي تهدف إلى فكِّ تطويق الحركة، لم تشفع لها لدى ترامب، الذي سعى لشيطنة المقاومة الفلسطينية المشروعة، وإقصاء أي فصيل يتبنى خيار المقاومة ضد الكيان الغاصب. توصيف ترامب للحركة بأنها إرهابية في ذلك التوقيت، جاء تأكيدا على تناغُمِه مع قاموس الدعاية الصهيونية في تعريف الإرهاب، الذي يعني لديهم استخدام الأعمال العسكرية في إطار مقاومة الاحتلال الأجنبي، ومن ثَمَّ فإن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني تُعد إرهابا، ويلحق هذا الوصف بكل دولة أو جهة تتعاطف مع المطالب الفلسطينية المشروعة.
مفهوم الإرهاب عند ترامب يخالف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3246 بتاريخ 14 ديسمبر 1974، الذي أكد على شرعِيَّة حق الشعوب في الكفاح المُسلح في سبيل تحرُّرها من الاحتلال، وأن أي محاولة لقمع الكفاح المسلح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة، ولإعلان مبادئ القانون الدولي التي تختص بالعلاقات الدولية، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وجاء مفهوم الإرهاب عند ترامب مخالفا للمادة الثانية من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عام 1998، التي تنص على أنه لا تُعدُّ جريمة: حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المُسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير.
خالف ترامب في مفهومه عن الإرهاب، قرارات الأمم المتحدة التي تُقَرّ بحقوق الشعب في استرجاع حقوقه بالوسائل المُتاحة كافَّة، بما في ذلك الكفاح المُسلح حسب قرار الجمعية العامة رقم 3236 الصادر عام 1974 البند الخامس. وما سبق يعني أن مواثيق الأمم المتحدة وضعت ملامح مُحددة لوصف الإرهاب، ومنْع خلْط المقاومة المشروعة بأعمال الإرهاب، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ضربتْ بتلك المُحددات عرض الحائط، وجعلت تعريف الإرهاب رهْن سياساتها الخارجية ومصالحها في المنطقة، والتي يأتي على رأس أولوياتها رعاية الكيان الصهيوني.
ولم يكن جايسون غيرنبلات مبعوث ترامب للشرق الأوسط، أخَفّ وطْأةً من زعيمه عَلى حماس، عندما التقى أسرة الجندي الأسير لدى حماس في غزة هدار غولدن، حيث قال بالنص «على حماس أن تخجل من أفعالها غير الإنسانية»، علما بأن المبعوث الأمريكي لم يتطرق إلى مشكلة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، الذين دخلوا في إضراب تخطى الأربعين يوما على التوالي، فيبدو أنه لا يرى لقضية الأسرى الفلسطينيين أيّ بٌعْدٍ إنساني.
إن أهم الواجبات التي تلقى على عاتِق الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، هي وقْف الفوضوية في تعريف الإرهاب، ولعَمْري هو أول منطلقات مواجهة الإرهاب ذاته، حيث أن افتقاد الأُسس والمعايير الواقعية والموضوعية لتعيين وتحديد الإرهاب، تُوسِّع من رُقْعته وتزِيد من استفْحاله.
وسوم: العدد 723