سأحدثكم عمّا أعلم ، وليعذرني من عندهم علمٌ من الكتاب

د.أحمد بن عثمان التويجري

لا يساورني أدنى شك في وجود معطيات كثيره لا أعلمها أسهمت بشكل أو بآخر في توتير العلاقات المفاجيء بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر . لكنني في الوقت نفسه أعلم أن الخلافات مهما بلغت تتضاءل بشكل كبير أمام ما يجمع البلدين الشقيقين من أواصر الدين والعروبة والجوار ، بل والتداخل الأسري على جميع المستويات.

الذين أذهلتهم حدة التوتر على المستوى الإعلامي ، سواء من القريبين أم البعيدين ، يجب أن يتذكروا قول أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله :

على قدر الهوى يأتي العتاب

ومن عاتبتُ يفديهِ الصّحابُ

فلولا المحبة لما احتد العتاب ، والخلافات تقع بين الإخوة الأشقاء ، بل بين الآباء والأبناء ، والعبرة في منهج التعامل معها وما تنتهي إليه ، وليس مجرد وجودها أو حدّتها.

ما أعلمه يمكن تلخيصه فيما يلي:

أولاً: إن القيادتين السعودية والقطرية لم يصدر من أي منهما حتى الآن أي موقف ، والقاعدة في علم الأصول تنص على بقاء ما كان على ما كان.

ثانياً: إن ما يجمع الشعبين السعودي والقطري على المستوى الإيماني العقائدي ، والتداخل الاجتماعي، والعادات والتقاليد والأعراف ، لا يدانيه أي تشابه أو تقارب مع أي شعب آخر ، وهذا كفيل بتحويل كل خلاف إلى سحابة صيف عابرة بإذن الله.

ثالثاً: إن المصالح المشتركة بين المملكة وقطر في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة صمام أمان للحيلولة دون خروج أي خلاف عن حدود السيطرة الكاملة بإذن الله.

رابعاً: إن ما يواجهه العالم العربي بوجه عام ، وما تواجهه منطقتنا بوجه خاص ، من تحديات وأطماع سواء من الشرق أم الغرب ، وما يبيّته النظام الطائفي في إيران وأذنابه للمنطقة وللأمة الإسلامية كلها من مخططات هيمنةٍ ومكائد ، يوجب على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي جميعها التلاقي لا التنافر ، والتوحد لا التشتت ، والتفرغ لمواجهة التحديات وصد الطامعين .

خامساً: إن أعداءنا لن يألو جهداً في إشعال فتائل الخلافات والفتن بيننا ، وإن من أوجب واجباتنا التصدي بوعي وحزم لجميع محاولاتهم واجتثاثها من جذورها على جميع المستويات الرسمية والشعبية.

سادساً: إن المأمول والمتوقع من قيادات مجلس التعاون -حفظهم الله جميعاً- ومن أمانته العامة، التصدي للخلافات ، والمبادرة إلى نزع فتائل كل فتنة ، واحتواء كل خلاف بين أعضاء المجلس ، والسعي الحثيث لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح حال ظهور بوادر الخلاف.

سابعاً: إن من أوجب واجبات المخطيء أيّاً كان أن يعتذر عن خطئه ، وإن من أعظم التعاون على البر والتقوى إلزام المخطيء بتصحيح خطئه والاعتذار عن وقوعه فيه ، كما إن من أعظم التعاون على البر والتقوى ترسيخَ فضيلة قبول الاعتذار.

ثامناً: إن حرية الإعلام من ضرورات الحياة في المجتمعات الحديثة ، وإن من حق الإعلاميين والكتاب توجيه الانتقادات الموضوعية في الشؤون العامة إلى جميع الجهات ، لكن ما انزلقت إليه بعض المنابر الإعلامية ، وما وقع فيه بعض الكتاب من سقوط أخلاقي في التعبير مس بعضه وللأسف الشديد قيادات  البلدين ورموزهما ، يسيء إلينا جميعاً وترفضه مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا ، ولا يعبر إلا عن من صدر عنهم ، وواجبنا جميعاً أن نطهّر مجتمعاتنا من كل هذه الظواهر المقيتة سواء أكان ذلك على مستوى الهيئات والمؤسسات أم الأفراد.

تاسعاً: إن من أعظم مسؤوليات القيادات الفكرية والثقافية والاجتماعية في البلدين الشقيقين بوجه خاص ، وفي دول مجلس التعاون بوجه عام ، بذل الوسع للحيلولة دون تصعيد الخلاف بين أي بلدين من بلداننا الشقيقة ، والتذكير الدائم بالجوامع المشتركة وأخطار الفرقة والتناحر ، والإسهام الإيجابي في لم الشمل وتوحيد الكلمة.

عاشراً: إن المملكة العربية السعودية -ولله الحمد- منذ تأسيسها ، من أكثر الدول العربية والإسلامية حرصاً على الوفاق وبعداً عن القطيعة بين الأشقاء ،  وستبقى بإذن الله على هذا النهج الذي أملته المباديء والقيم التي أسست عليها ، وسنه لها مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله.

أخيراً وهو الأهم والأكبر ، إنني ، ثِقةً بالله عز وجل أولاً، ثم بحكمة خادم الحرمين الشريفين -أيّده الله- ، بصفته الأخ الأكبر لقادة الخليج بل للقادة العرب والمسلمين جميعا، لَعَلى يقين من أنه لن يألو جهداً لرأب الصدع ومعالجة بواعث الخلاف مهما كانت بما يحفظ للمملكة وقطر كرامتهما ، ويحقق مصالح الشعبين الشقيقين ، ويقطع الطريق على المتربصين بهما وبالأمة من الأعداء والحاقدين والحاسدين ، وبما يحفظ وحدة مجلس التعاون ويجمع شمله ، ويحقق آمال وتطلعات شعوب الخليج ، بل والشرفاء من أبناء الأمة في كل مكان .

وما أعظم قول الله عزّ وجلّ: ﴿لا خَيرَ في كَثيرٍ مِن نَجواهُم إِلّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النّاسِ وَمَن يَفعَل ذلِكَ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللَّهِ فَسَوفَ نُؤتيهِ أَجرًا عَظيمًا﴾ ، أسأل الله الواحد الأحد في هذا اليوم المبارك أن يؤلف بين القلوب وأن يجمع الكلمة على الحق والخير ، وأن يرد كيد الأعداء والحاقدين إلى نحورهم ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب ، والحمد لله من قبل ومن بعد.

د.أحمد بن عثمان التويجري                                                              

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 723