مع مصطفى في سيرة المصطفى 2

معمر حبار

[email protected]

علاقة السنة النبوية بالسياسة: المتتبع للمحاضرات الستة 6، التي ألقاها وكتبها الأستاذ مصطفى العمري، يقف على ملاحظات، منها ..

أوتي الجرأة في التطرق لبعض النقاط الساخنة، وقد أبدى صاحب الأسطر إعجابه بها، وأعلمه بذلك في حينها، وإن أبدى بعض الملاحظات بشأنها.

ولعلّ من الأسباب الدافعة للجرأة التي ميّت مقالات الأستاذ، والتي لم يذكرها صراحة، وإن كان اعتمد على بعض من الأمثلة الدالة على ذلك، هي ..

الحالة الفكرية والدينية في عراقنا الحبيب، والتي تشهد صراعا قويا في مجال الدين والأفكار، وملاسنة علنية، واختلافا واضحا بين علماء الدين وعلماء الفكر، خاصة بعد ظهور الفضائيات المختلفة المتضاربة والمتطاحنة.

النقطة الثانية، تتمثل في كون القارئ المتتبع لمحاضرات الأستاذ، وبعد أن ينتهي من قراءتها والاستماع لها ، يجد نفسه أنه وافق الأستاذ في جلّ النقاط، بل يعجب بطريقة الطرح، والتساؤل الذي يقرأه لأول مرة، كقوله..

كيف يعقل أن نختلف في الصلاة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالصحابة 11 سنة، وهي من الأمور البيّنة الواضحة، والتي شاهدها الجميع طيلة هذه المدة، وتتكرر في اليوم 5 مرات على الأقل. ضف لها الصيام الذي يتكرر كل عام، وطيلة هذه المدة أو أزيد، وكذلك الحج الذي شاهده الجميع، ولو كان مرّة واحدة في العمر.

ويعترف صاحب الأسطر، أن هذا التساؤل الذي أبدى إعجابه به، لأنه لم يسمع ولم يقرأ مثله طيلة حياته، هو الذي شدّه لمتابعة محاضرات الأستاذ، وإعادة قراءتها والاستماع لها.

هل السنة النبوية كتبت لأغراض سياسية؟. أم أنها استغلّت لأغراض سياسية؟: هناك نقطة أثيرت ومازالت محل إختلاف، تتمثل في كون .. هل السنة النبوية كتبت لأغراض سياسية؟. أم أنها استغلّت لأغراض سياسية؟.

الفريق الأول: فريق يرى أن السنة النبوية كتبت لأغراض سياسية، لذلك تراهم يرفضون ماجاء في الصحاح والسنن، التي لايؤمنون إطلاقا بصحتها، ويقولون أن الأحاديث النبوية التي جمعت، كانت لخدمة للسلطان، وتثبيتا للعرش، وأن علماء الدين كانوا يقصدون من وراءها السيطرة على الرقاب وتملك الدنيا.

الفريق الثاني: وفريق آخر يرى، أن السنة النبوية لم تدوّن إطلاقا لأغراض سياسية، أو إرضاء نزوة سلطان، بل العلماء والفقهاء والمحدثين، لم تكن الدنيا في قلوبهم وأعينهم لها نصيب أثناء البحث والسفر. 

القارئ يوافق الأستاذ مصطفى في أن هناك ومازال، استغلال الدين لأغراض دنيوية، لاتتماشى وقداسة الدين، ونبل المهمة. ومثل هؤلاء قليل، لم يذكرهم التاريخ، وتبرأ منهم من تملّقوا له طيلة حياتهم. وكان السلطان حين تحيط به الخطوب، يلجىء للفقيه الصادق، والعالم المخالف له، ليأخذ برأيهم، لأنه يعلم أنهم لايرجون عطفه، ولا يخافون عقابه، ومثل هؤلاء كثير، ولا تخلو الدنيا منهم، ويمكن للمتتبع أن يتصفح كتب التراجم، ليقف على الكثير منهم.

سؤال وجواب حول السنة النبوية: فيما يخص سؤال الأستاذ مصطفى: " السنة النبوية أحاديث الرسول أم تلفيق سياسي باسم الرسول؟.".  وأن "السنة النبوية أختلقت لتصب في مصلحة الحاكم و لتقوم عرشه". كانت مشاركة صاحب الأسطر في حينها، بـالمحاولة التالية ..  

المعروف أن هناك علماء تضرروا كثيرا من الحاكم بسبب اشتغالهم بالسنة النبوية. وكتب التاريخ مليئة بالصراع بين الحاكم والسلطان. ألا ترى إلى الامام مالك ، كيف ردّ هارون الرشيد. والإمام أحمد كيف تحمّل السجن والجلد في سبيل موقفه من السلطان. والإمام النووي من الظاهر بيبرس. وسلطان العلماء العز بن عبد السلام من المماليك، حتى اشتهروا بمماليك للبيع.

السنة النبوية كانت لهداية الناس، والفهم الجيد للقرآن الكريم، لكن استغلّها البعض في التقرب للسلطان وتحقيق مآربه، فتمّ استغلال السنة النبوية لأغراض شخصية، ولدعم الحاكم وحاشيته.

كل علماء الحديث والفقه، سافروا وعانوا في سبيل تنقية السنة النبوية الويلات، والإمام البخاري واحد منهم. لكن تفوّق عليهم في التمحيص والتدقيق، لذلك نال الإمامة في الحديث.

والملفت للنظر، أن الإمام مالك، لم يسافر من أجل الحديث، وبقي في المدينة يتتلمذ على التابعين، فأمسى إماما في الفقه والحديث. بل إن البخاري، اعتمد عليه في نقل الأحاديث. وسميت بالسلسلة الذهبية.

ضف لها الحافظ بن الجوزي، لم يسافر من أجل العلم، ونال لقب الحافظ، ولا يمكن الاستغناء عن كتابه "الموضوعات"، وقد استشهدت به في إحدى مقالاتك.

خلاصة، أن حب المرء للبخاري واحترامه، يجعله يتعدى الأئمة الآخرين، لأنهم لاقوا في سبيل التنقية والبحث والتدقيق، مالاقه البخاري، إلا أنه كان أحسنهم وأفضلهم وأكثرهم استيعابا.

ويجيب الأستاذ مصطفى في هذا الشأن، أن حبّه لأهل الحديث ومنهم البخاري، لاينافي مخالفتهم المنهج والطريقة. فهو عندما يتطرّق لأهل الحديث، لايتعرّض لهم، إنّما يتطرق للمنهج المتبع، ويرى بأنه منهج لابد أن يخضع للعقل والتمحيص.

لماذا السنة النبوية كتبت بعد قرنين؟: يرى الأستاذ، أن كتابة الأحاديث النبوية تأخرت لقرنين من الزمن، لأسباب سياسية. ويرى أن هذا التأخر أثر سلبا على النقل الصحيح للأحاديث، ولم تنقل بحرفيتها بل بمعناها، بل حتى المعنى كما ذكرت أصابه التشويه.

يرى صاحب الأسطر، أنه لايملك إجابة لهذه الجرأة حاليا، وإن كانت أسئلة لها مايبررها. لكن كتب التحقيق التي تظهر من حين للآخر، ودعوة أهل الاختصاص بتنقية كتب التاريخ والأحاديث من بعض مالحق بها. وضرورة تنقية النصوص من بعض الشوائب التي علقت بها. والتركيز على التعايش مع الغير، الذين تجمعنا بهم نقاط مشتركة، يمكن إعتبارها مساهمة في فهم السؤال في انتظار أن الإجابة في الحلقات القادمة، بإذنه تعالى..