متلازمة التهديد المتبادل بين أميركا وكوريا الشمالية

تتكاثر التساؤلات وتتعدد الإجابات حول متلازمة التهديد المتبادل المحتدمة بين أميركا وكوريا الشمالية . أهم هذه التساؤلات : هل ستؤدي هذه المتلازمة إلى حرب بين الدولتين حتى دون أن تريدها إحداهما أو كلتاهما ، لخطأ ما أو سوء فهم ما ؟! ومن الأقوال المشهورة في هذه الحالة : " أول الحرب الكلام " . القائلون باحتمال الحرب قلة ، ويعتمدون في تسويغ احتمالها على نوعية شخصيتي ترامب أميركا وكيم جونغ أون كوريا الشمالية اللذين تجمع الآراء على تهورهما . والأكثرية التي تستبعد الحرب تسوغ رأيها بأنه مهما بدا تهور الاثنين جامحا مُغْفلِا لعظم سوء عاقبة الحرب فإنهما في قرارة نفسيهما  يعيان هذا السوء . وفي الجانب الأميركي هناك وزير الخارجية ريكس تيلرسون بعقلانيته الرصينة التي تشعر من يتابع أقواله وتصرفاته بأنه الأولى برئاسة أميركا من ترامب المتهور المنفلت اللسان . تيلرسون يجنح للتهدئة وتجنب التصعيد حين يقول للأميركيين إن في وسعهم أن يناموا هادئين . وهناك جيمس ماتيس وزير الدفاع الذي تحدث عن كارثية أي حرب بين الطرفين ملمحا إلى استحسان ، بل استيجاب تلافيها . وفي النطاق الدولي هناك روسيا والصين اللتان لا تريدان هذه الحرب وإن كان يسرهما أن تريا أميركا فوق شجرة شائكة يصعب البقاء فوقها ويصعب النزول عنها ، بيد أن الحرب قد تقع دون قصد مسبق من طرفيها  لخطأ ما ، أو سوء فهم ما ، أو لحدث صغير . الحرب العالمية الأولى اضطرمت نارها بعد أن قتل قومي صربي ولي عهد النمسا ، ومن أحسن وسائل تجنب الحرب الابتعاد عما يمهد لها ويخلق جوها . وأول الممهدات الحرب النفسية بين الطرفين بكلماتها النارية الاستفزازية ، وما قد يصاحبها من إجراءات عملية مثل العقوبات بأنواعها ، وقد فرض مجلس الأمن في مطلع الشهر الحالي  بالإجماع الحزمة السابعة من العقوبات على كوريا الشمالية إرضاء لأميركا . لكوريا الشمالية الحق في الغضب والحقد على أميركا  التي تسببت في تقسيم شبه الجزيرة الكورية في 1948 إلى دولة جنوبية ودولة شمالية ، وثبتت ذلك التقسيم حين تدخلت في يوليو 1950 في تحالف من 21 دولة بمقتضى قرار مجلس الأمن رقم 83 لطرد القوات الشمالية الشيوعية التي اجتازت في 27 يونيو من نفس العام خط عرض 38 واحتلت سيئول عاصمة كوريا الجنوبية . وفعلا طردت قوات الأمم المتحدة التي تؤلف القوات الأميركية 88 % منها قوات كوريا الشمالية ، واقتربت القوات المنتصرة من نهر يالو الذي يفصل بين شبه الجزيرة الكورية  والصين ، فتدخلت هذه في الحرب ، ودفعت سيول قواتها الجارفة القوات الدولية إلى الخلف ، وشارك سلاح الجو السوفيتي في القتال ضد القوات الدولية الأميركية الغالبية ، وهدد قائد تلك القوات الأميركي دوجلاس ماك آرثر بضرب الصين بالقنابل الذرية ، فهدد الاتحاد السوفيتي بأنه سيرد بنفس السلاح ، وبدا أن آرثر يعاند القرار السياسي الأميركي المحبذ للحل سلميا ، فعزله الرئيس هاري ترومان متهما إياه بالتمرد على ذلك القرار . وانتهت الحرب في يوليو 1953 بتثبيت تقسيم شبه جزيرة كوريا على صورتها الحالية ، وقتل في الحرب 5 ملايين نصفهم من المدنيين ، ومن بين القتلى 40 ألف جندي أميركي ، ومن بين الجرحى 100 ألف أميركي . وأميركا لا تستكفي بهذه الخلفية السيئة الظالمة في حق كوريا الوطن الواحد . إنها تقف بالمرصاد لأي استقواء عسكري لكوريا الشمالية ، وتراه نذيرا بمحاولتها غزو كوريا الجنوبية لتكوين دولة واحدة . إنه خلاف ، صراع ، عميق الجذور متقدها ، وسلوك أميركا دائما عدواني ، وتصر دائما بقوة على إذلال من تعاديه بكل وسيلة ، وتذل حتى أصدقاءها بكل وسيلة ظاهرة أو خفية تستطيعها . ولا أحد يملك إجابة حاسمة محددة تخص الكيفية التي ستنتهي بها متلازمة التهديد النارية الحالية بينها وبين كوريا الشمالية . المأثور عن دين أتشيسون وزير الخارجية الأميركية إبان الحرب الكورية قوله : " إذا حاولت أفضل العقول في العالم أن تجد لنا أسوأ موقع في العالم لخوض هذه الحرب الملعونة لأجمعت على كوريا " . والمؤكد أن الحرب الكورية الثانية لو انفجرت ستكون أكثر لعنة وجنونا وهلاكا من الحرب الأولى ، وتحسن أميركا كثيرا لنفسها وللعالم لو تأملت ما قاله أتشيسون ، وأوقفت إسهامها في متلازمة التهديد المتبادل المحتدمة مع كوريا الشمالية ، ويحسن عزيزنا كيم الذي نشعر كعرب _ باستثناء عرب أميركا وإسرائيل _ بالاعتزاز به والامتنان له لتحديه الاستكبار الأميركي الفظ ؛ لو أنه صار أكثر حذرا في استفزازه لأميركا مهما كان هذا الاستفزاز مبررا ؛  فليس له أن يتوقع أن تسكت أميركا على إهانة إطلاقه 4صواريخ تسقط على مدى 30 أو 40 كيلومترا من القاعدة النووية في جزيرة جوام الأميركية في المحيط الهادي تحذيرا ونذيرا دون قصد إصابتها فعليا ؛ مثلما يهدد ، وهي قاعدة محمية بمنظومة ثاد الصاروخية الاعتراضية الفعالة . 

وسوم: العدد 733