قراءة في المشهد السوريّ، في ضوء ملامح اتفاق دايتون سورية
هي ذاتُ الأجواء التي صاحبتْ اتفاق دايتون للسلام في البوسنة، الذي وقع في قاعدة رايت بيترسن الجوية، قرب مدينة دايتون الأمريكية في: 21 تشرين الثاني 1995، الذي وضع حدًا للحرب البوسنية التي اشتعل فتيلها في: نيسان 1992، أخذت تسود الملف السوريّ.
لا بلْ حتى ذات الطبيعة للصراع فيه، حسبما تمظهر مؤخرًا: طائفي، عرقي، بعد أن كان في أول أمره سياسيًا بامتياز، بين أقلية سلطوية، و غالبية مهمشة.
فبعد سبع سنوات من الحرب، اقتنعت أطراف هذا الملف، باستحالة الذهاب به إلى الحسم العسكريّ، و أنّ الخيار المناسب هو الذهاب نحو الحلّ السياسيّ، الذي لا يرضي طرفًا على حساب آخر، ما عدا الخاسر الأوحد فيه، هو شخص الرئيس الأسد، الذي باتت تكلفة إعادة تأهيله باهظة الثمن؛ و عليه باتَ رحيلُه موضع اتفاق، مع هامش في الخلاف حول التوقيت، و الكيفيّة.
فمثلما نابتْ الأطراف الدولية في تقرير شكل الحلّ عن تلك المحلية في البوسنة، كذلك هي أيضًا تقرّر شكله في سورية، حيث باتت الدولتان الكبريان " أمريكا، و روسيا " على قناعة، بحمل الأطراف المحلية قسرًا للقبول بشكل الحلّ الذي يخدم رؤيتهما في شكله بالدرجة الأساس.
و يكون إلى جانبهما دول إقليميّة تتولّى إسقاطه على أرض الواقع، ففي الجنوب " من جنوب دمشق، و حتى الحدود الأردنية الإسرائيلية " تكون الأردن بالدرجة الأساس، ثمّ مصر ـ تالية ـ في مرحلة إيجاد قوات الفصل بين الأطراف، و غير غائبة إسرائيل عن ذلك إطلاقًا، مع ملاحظة الاتفاق على إخراج إيران بشكل كامل من تلك المنطقة.
و في دمشق: العاصمة الاتحادية، وصولاً إلى الساحل، و لبنان تكون روسيا و إيران، مع ضرورة خروج حزب الله إلى مناطق نفوذه في مناطق الجرود و عرسال و البقاع.
و في الشمال تكون: إيران، و تركيا، كلٌّ منهما بحسب المنطقة التي يكون فيها نفوذُها واضحًا، فإيران في بعض مناطق الريف الجنوبي، و منطقتي نُبُل و الزهراء، و الوجود التركي سيكون متجليًّا في مناطق درع الفرات في شمال غرب الفرات، و مازال وجودها موضع نظر في إدلب؛ بسبب تردّدها في دخولها، و لاسيّما بعد تظهير جبهة النصرة، و الحشد المُطبِق لعناصر الجهادية العالمية ـ المحليّين فيها، و لشعورها بأنّ ثَمَّة فخًا قد نُصِبَ لها، بتوافق عموم الأطراف الأخرى، و لذلك تراها تتردّد في التعامل مع هذا الملف الساخن بشكل غير متوقّع، فالفرصة سانحةٌ لها لدخول إدلب كون الجهة التي تبسط السيطرة عليها مصنّفة على لوائح الإرهاب العالمية، و حتى على لوائح وزارة خارجيتها، و لن تستطيع إيران أن تضع الفيتو على توغلها، مثلما حصل في ( أستانا 5 )، لكنّها تخشى أن تغوص قدماها في طينها اللزج، و يُرجّح أن تستعيض عن ذلك باستعمال معبر باب الهوى، كأداة ضغط اقتصادية، تمنع النصرة من الاستفادة من عائداته التي كانت لأحرار الشام، و تهيّج الحواضن الاجتماعية ضدها، و هو ما بدأت بعض ملامحه تظهر سريعًا لدى عموم أبناء المحافظة، الذين تضررت مصالحهم بعد وقف تدفق المواد الأساسية ( غير الغذائية ) المؤدية إلى دوران عجلة الاقتصاد على تواضعه، و توقف عدد من المنظمات الأجنبية عن العمل.
هذا إلى جانب إدخال عناصر الجيش الوطنيّ، الذي مضى وقت على الشروع في إنشائه، و بذلك تتحاشى الاصطدام المباشر مع الحواضن الاجتماعية، التي هيجها توالي البيانات التي صوَّرت دخولها على أنّه غزوٌ، و سعي لتقسيم سورية، و قضاء على جذوة الجهاد المتقدة في المحافظة.
إزاء ذلك تسود حالةٌ من الترقب الحذر لما ستكون عليه الصورة، في ظلّ توالي التصريحات الروسية و الأمريكية على أنّ إدلب قد باتَتْ أكبر تجمّع للقاعدة في العالم، و كذا تصريحات الجانب التركي عن أنّ معبر باب الهوى باتت تسيطر عليه جماعات مرتبطة بالقاعدة، و أنّه لا علاقة تربطها بها، و لاسيّما بعد الأحداث الأخيرة، و هو الأمر الذي يعززه توالي البيانات الصادرة عن هيئة تحرير الشام ( بين الفينة و الأخرى )، عن إلقاء القبض على خلايا نائمة لداعش في عموم المحافظة، و كذلك التسريبات التي تسرّبها وسائل الإعلام الأمريكية ( وسط صمت روسي )، عن أنّ أبا بكر البغدادي لم يقض نحبه في الغارة الروسية المزعومة، و أنّه ربما يكون قد وصل إلى إدلب أيضًا.
وسوم: العدد 733