ظهور مؤلفات لمستأجرين في الوطن العربي تشكك في قدرة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على النجاح في الاشتغال بالسياسة وتدبير الشأن العام

من المعلوم أن الغرب ذهل كأشد ما يكون الذهول على إثر اندلاع ثورات الربيع العربي التي اندلعت فجأة ودون سابق إنذار، والتي تسببت في الإطاحة بأنظمة  فاسدة موالية له ،وكان مطمئنا لوجودها الذي  يعتبر ضمان ما يسميه مصالحه الاستراتيحية التي هي بطبيعة الحال تأمين الحصول على ثروات الوطن العربي ، واستباحة أسواقه لتسويق السلع المستنزفة لاقتصاده خصوصا المتعلقة بالتسلح . وما أقلق الغرب بالدرجة الأولى هو رهان الشعوب العربية على شعار : " الإسلام هو الحل " الشيء الذي جعل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تفوز في الانتخابات التي أعقبت مباشرة ثورات الربيع العربي ، وكانت انتخابات نزيهة لأول مرة كما كان الشأن في مصر وتونس والمغرب . ولقد جن الغرب جنونه لهذا الذي لم يتوقعه ،فتحرك بسرعة قبل أن تلتهم نيران ثورات هذا الربيع كل أنظمته التي يعتبرها صمام أمان يحمي مصالحه التي ينعتها بالاستراتيجية ، علما بأن مصطلح " استراتيجية " مصطلح حربي يعني الخطط الحربية أو فن التخطيط للعمليات العسكرية قبل وبعد نشوب الحروب . وهذا الاستعمال لهذا المصطلح من قبل الغرب يعتبر اعترافا منه بأنه بالفعل يخوض حروبا فوق الساحة العربية من أجل مصالحه الاقتصادية التي تعتمد على ثروات الوطن العربي ، وهي ثروات  توفر لشعوبه  الرافهية والرخاء مقابل شقاء الشعوب العربية . وسرعان ما خطط الغرب بخبث ومكر لوضع حد لوصول الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى مراكز صنع القرار، فكانت البداية  عبارة انقلاب عسكري  مكشوف على الشرعية والديمقراطية في مصر مولته دول خليجية ذات الثروات النفطية بأمر وتخطيط من الغرب . وبدأ الغرب يستعمل لأول مرة مصطلح " الإسلام السياسي " ويعتبره مصدر تهديد له . ولم تقف عملية الإجهاز على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي يتعبرها الغرب ممثلة للإسلام السياسي عند عملية الانقلاب العسكري في مصر بل سارع الغرب إلى إفشال كل ثورات الربيع العربي  عن طريق تغيير مسارها من ثورات ضد الأنظمة الفاسدة التي كانت تواليه إلى صراعات طائفية  في أقطار عربية كسوريا وليبيا واليمن . ولم تنج التجربة الديمقراطية في تونس مما يمكن تسميته بانقلاب انتخابي سد مسد الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر إذ سرعان ما تحولت نتيجة الانتخابات التي كانت لفائدة حزب النهضة الإسلامي لفائدة تيار الأحزاب العلمانية التي لم تحصل من الأصوات ما حصله حزب النهضة من نتائج . ولقد فضح الرئيس المنصف المرزوقي في برنامج شاهد على العصر الذي تقدمه قناة الجزيرة كيف كانت دول خليجية تدفع في اتجاه حدوث انقلاب عسكري في تونس أيضا على غرار الانقلاب العسكري في مصر مقابل مبالغ مالية ، الشيء الذي يعني أن نفس الصفقة  حصلت في مصر . ولم ينج حزب العدالة والتنمية المغربي من كيد الإطاحة به خصوصا بعد  أن راهن عليه الشعب للمرة الثانية ، وكانت الجهات التي تستهدفه تتوقع فشله وانصرافه إلى حال سبيله إلا أن العكس هو ما حصل خصوصا مع حملة التشويه الواسعة التي صاحبت تجربته الأولى في الحكم من طرف خصومه ، وهي حملة استهدفت تنفير الشعب منه واستعداءه عليه من خلال خطاب يحمله مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كانت أصلا متردية، والتي كانت سبب الحراك المغربي . ومع أن هذا الحزب دخل على واقع فاسد ، فإن خصومه حاولوا تحميله مسؤولية ذلك، وأنه زاد من تكريس الفساد . وقد لعب الإعلام المناوىء لهذا الحزب سواء  الورقي أوالرقمي على حد سواء دورا مهما في تسويق فكرة لومه ومعاتبته  وحتى تجريمه  لاستمرار واستفحال أمر الفساد ، علما بأن النظرة الموضوعية المتجردة والمحايدة تكشف عن خطوة هامة خطاها هذا الحزب في اتجاه الإصلاح ، وهو ما جعل الشعب يراهن عليه للمرة الثانية بالرغم من الحملات الإعلامية الدعائية التي حاولت تشويهه ليفقد الشعب ثقته فيه ويفقد مصداقيته  ، وينصرف عنه إلى بديل آخر قد أعد إعدادا ليسد مسده إلا أن الأمر تم خلاف ما أريد له من تقهقر . ولم يقف أمر استهداف هذا الحزب عند حد توظيف الآلة الإعلامية ،فقط بل انبرى لذلك كتاب مستأجرون أصدروا مؤلفات تستهدف ما يسميه الغرب الإسلام السياسي، ويقصد به وصول الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى مراكز صنع القرار وهو ما يخالف إرادته وثير مخاوفه وهواجسه . ومن هؤلاء الكتاب نذكر على سبيل المثال لا الحصر السيد حسن أوريد وهو من رجال النظام في المغرب حيث كان مستشارا للملك وناطقا باسم القصر ، وواليا ، وهو اليوم أستاذ جامعي يروج عنه أنه أبعد عن مصدر القرار بعد أن كان من المقربين. وقد كتب هذا الكاتب كتابا تحت عنوان : " الإسلام السياسي في الميزان " وبين قوسين :" حالة المغرب" وهو ترجمة لكتابه الذي كتبه باللغة الفرنسية والذي عنوانه حسب الترجمة للتعبير الفرنسي : " مأزق الإسلاموية " . وقد ذكر في مقدمة كتابه باللغة العربية أن قراءه طلبوا منه ترجمة هذا الكتاب إلى العربية  وقد كان العنوان بالفرنسية أكثر تعبيرا عن نية هذا الكاتب من العنوان بالعربية الذي حاول فيه التمويه عما يضمر للإسلام . وباعتبار وضعية هذا الشخص الإدارية وباعتبار نشر كتابه أول مرة باللغة الفرنسية يمكن القول أنه من المستأجرين لتسويق فكرة التخويف مما يسميه الغرب الإسلام السياسي . وقد اعترف  بنفسه أن النتيجة التي توصل إليها هي نفس النتيجة التي توصل إليها كاتب غربي هو "أولفي روا " صاحب كتاب :" فشل الإسلام السياسي " الذي صدر سنة 1992وهو تاريخ تزامن مع الانقلاب العسكري في الجزائر على نتائج انتخابات سنة 1991 التي فاز بها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ذو المرجعية الإسلامية . والمعروف عن هذا الكاتب أنه بدأ حياته شيوعيا  ملحدا ،وشارك في حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي، وله تنقلات مريبة ومشبوهة في أقطار إسلامية كإيران وتركيا والجمهوريات الإسلامية فيما كان يسمى الاتحاد السوفياتي . والكاتب حسن أوريد  يصف ما ورد في كتاب " أولفي روا " نبوءة بفشل الإسلام السياسي، علما بأن الأمر يتعلق في الحقيقة بعملية إفشال تجربة حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهو حدث سبق نشر كتابه، الشيء الذي يدل على ضلوعه في أجهزة المخابرات الغربية والفرنسية تحديدا والتي كانت على علم بمؤامرة إفشال تجربة حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ . ومعلوم أن لفرنسا وهي المحتل السابق للجزائر دورا رئيسيا في إفشال تجربة هذا الحزب  ليستمر في الجزائر النظام الذي يخدم مصالحها وتبقي الجزائر عبارة عن  مقاطعة فرنسية بعد رحيل فرنسا يحكمها من يعرفون بجنيرالات فرنسا . وإذا كان حسن أوريد قد صرح بأنه انتهى إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها صاحب كتاب " فشل الإسلام السياسي " فهذا يعني أنه أيضا على صلة بجهات استخباراتية بحكم المهام التي زاولها . ومعلوم أن شكل الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر على حزب الحرية والعدالة  هو نفس شكل الانقلاب الذي حدث في الجزائر على حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ . والقضية لا تتعلق بنبواءات وتكهنات بل بواقع ملموس مفاده أن الغرب لا يمكن أن يسمح بوصول حزب يتبنى الإسلام إلى مراكز صنع القرار ، وهذا ما لم يرد في كتاب حسن أوريد الذي زعم في مقدمته أن ما فيه من تحليل يروم الموضوعية ، وأن تناوله لقضية الإسلام السياسي فيه جدة وجرأة الطرح ، والحقيقة أن ما سماه تحليلا موضوعيا عبارة عن تحامل مكشوف على تجربة الإسلام السياسي في المغرب  على وجه الخصوص. ويزعم أن كتابه يسهم في تجلية العلاقة بين ما هو ديني وما هو سياسي ، وهي علاقة لا وجود لها بالنسبة إليه، بل لا يمكن أو لا يجب أن تكون لأن الديني ثابت والسياسي متحول ومتكيف . ويزعم كذلك أن الإسلام كان شأنا شخصيا ثم صار بعد هزيمة العرب أمام إسرائيل سنة 1967  هو الحل، وسبب هذا التحول في نظره أو بالأحرى كما تلقفه من المصادر الغربية هو انتشار فكر السيد قطب الذي يأبى أن يجعل من الإسلام دينا فقط على حد تعبيره ، ويرى أن الجهاد لا يقتصر على الدفاع فقط بل على الهجوم أيضا ، ويرى أن الحاكمية لله ، وأن الآخر عدو وبطبيعة الحال هذا الآخر ليس سوى الغرب . ويزعم حسن أوريد أنه ترتبت عن  فكر سيد قطب تيارات أو تناسلت على حد تعريفه في شكل ما سماه إسلاما حركيا معاديا للغرب، وكان بعضها يسعى إلى قلب أنظمة الحكم في العالم العربي على  حد قوله ، وبعضها  يوظف الإسلام  في السياسة  ، بينما البعض  الآخر لم يتحرج من تبني العنف .  ويزعم أوريد أن العالم العربي دخل مرحلة ثالثة قطعت الصلة  مع شعار " الإسلام هو الحل " وهو تصور لم يأت بطائل على حد تعبيره بل مزّق أوصال المجتمعات العربية، واستعدى عليها الغرب على حد قوله، ودخل معه في صراع فيه اختلال موازين القوة . ويرى أن إرهاصات هذه المرحلة بدأت في تونس وبشكل من الأشكال حتى في المغرب ، ذلك أن زعيم حزب النهضة التونسي الغنوشي وزميله عبد الفتاح مورو أعلنا عن ضرورة فصل الدين عن السياسة أو فصل الدعوي عن السياسي، وقد تظاهر الكاتب بالإشادة بهذا الموقف الذي يكرس الطرح الحداثي والعلماني . وذكر بشكل واضح أن حزب العدالة والتنمية المغربي قد وظف الدين في السياسة  أو بعبارة أخرى استغله ، واستغرب أن يكون هذا الحزب الذي استعمل الدين كمطية سياسية في المغرب هو من ينتصب كفاعل تاريخي لخروج الدين من الساحة العامة وهو افتراء منه مكشوف واتهام يحتاج إلى بينة  . وهذا يدخل بطبيعة الحال في إطار التشكيك في نوايا هذا الحزب، وربما تخوينه أيضا كما تم تخوين حزب النهضة ضمنيا بسعيه نحو فصل الدين عن السياسة وهي عملية ترجيح كفة الحداثة والعلمانية . ومن شأن هذا الاتهام أن يزعزع  ثقة ورهان المغاربة والتونسيين على حد سواء في حزبين لهما مرجعية إسلامية . ومعلوم أن الغرب الذي اخترع مفهوم الإسلام السياسي توجسا من الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية القابلة للعبة الديمقراطية هو الذي صنع مخابراتيا العصابات الإجرامية التي تمارس العنف الأعمى باسم الإسلام تشويها له من جهة ، وتشويها لتلك الأحزاب من جهة أخرى. وقد بث الغرب هذه العصابات في كل بؤر التوتر في الوطن العربي خصوصا في سوريا والعراق ليسهل عليه تمرير تهمة الإرهاب إلى كل من له توجه إسلامي وإن كان قابلا للعبة الديمقراطية  ورافضا للعنف كما هو الشأن بالنسبة لحزب الحرية والعدالة المصري ، وللمسلمين السنة في العراق ، وللإخوان في سوريا وليبيا . إن الغرب يعتبر الإسلاميين كالقنافد ليس فيهم أملس أي أنهم كلهم إرهابيون  يتبنون العنف . ولا يزيد الكتاب أمثال أوريد شيئا عن مقولة الغرب حين يؤلفون كتبا يشككون فيها في مصداقية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ، فهي عندهم إما أنها تخفي تبنيها للعنف وإما مستغلة للدين  سياسيا ومتواطئة مع العلمانية والحداثة التي يريدها الغرب مهيمنة  في العالم العربي باعتبارها الإيديولوجيا التي يجب في نظره ا أن تكون وحيدة دون منازع في عالم ليس فيه سوى سيادة  مصالح الغرب . ولا بد من الإشارة إلى أنه لا حسن أوريد ولا من اعتمدهم من الغربيين كمراجع  يحق لهم أن يتحدثوا عن الإسلام لأنهم لا يملكون الأهلية العلمية  للحديث عنه ومعرفته حق المعرفة ،وأنهم يجترون ما اخترعه  السياسيون الغربيون في حربهم ضد الإسلام . وإن القول  بفكرة فصل الدين عن السياسة وهي فكرة العلمانية والحداثة الغربية  تمهد لفصل الدين عن الاقتصاد وعن الاجتماع وعن عموم الحياة وهذا ما بدأ يظهر مؤخرا على غرار ما حدث فيتونس بخصوص قضية الإرث ، الشيء الذي سيفرغ  في النهاية الإسلام من محتواه كدين أراد به الله عز وجل تنظيم حياة البشرية بكل مجالاتها . وإذا ما خرج مجال من المجالات عن تغطيته لم يعد دينا، ولم يعد صالحا للعالمين  وقيادة البشرية ، وهو ما يريد الغرب إقناع المسلمين وغيرهم به  لإفساح المجال لحداثته وعلمانيته دون منازع ،علما بأن المنازع الوحيد الذي يتوجس منه هو دين الإسلام الذي أثبت تاريخيا أنه دين حضاري أخرج البشرية من التخلف إلى التقدم  بينما تريد الحداثة والعلمانية العودة بها إلى تخلف من نوع جديد يروم تشييء الإنسان وتحويله إلى إنسان ببعد مادي فقط وفي غياب بعد روحي يوجهه إلى التحضر الحقيقي الذي أراده له الله عز وجل .

 وأخيرا وليس آخرا لا بد من الإشارة إلى أن محاولة أوريد وأمثاله  للتشكيك في استعاب الإسلام و قدرته على تغطية جميع مجالات الحياة  بما فيها مجال السياسة باعتباره منهاج حياة ستبوء بالفشل لا محالة كما سجل التاريخ ذلك من قبل  ، وأن المستقبل لهذا الدين لا محالة أيضا ، وأن بداية نهاية الحداثة والعلمانية قد أزفت ، وأن ذرائع محاربة الإسلام قد صارت مكشوفة ومبتذلة ، و قد افتضح أمرها  لدى الرأي العام الدولي .

 وفي الأخيرنقول للسيد أوريد إنك لا زلت كما كنت رجل المخزن ،وقد وظفت    لتلعب دورا جديدا لتشويه الإسلام  والإسلاميين لخدمة أجندة غربية مكشوفة  من خلال كتابات تزعم أنها موضوعية وبريئة مع أنها ناطقة بشكل جلي بما تضمره من اعتراض على دور الإسلام في الحياة ، وصدق الله العظيم إذ يقول : (( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر )) .

وسوم: العدد 735