رسائل إيرانية مرتبكة
على الرغم من أن الرئيس الإيراني المعمم حسن روحاني ليس من المرشحين في الحلول محل على خامنئي فيما لو سقطت ورقته ولحق بسلفه الخميني، فضلا عن أنه لم يفكر وحتى في أحلام اليقظة في إشغال هذا المنصب ذي السلطة المطلقة بسبب رصيده الذي تم تصفيرّه، إلا أنه عندما وقف على منصة الخطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقمص شخصية القائد الذي جاء به سير الزمن ليتكلم باسم الجمهورية الإسلامية في إيران، بحيث بات متوقعا أن علي خامنئي قد ينزعج من بعض ما ورد في خطابه، وإن كان الجميع يؤمنون بأن روحاني هو خريج مدرسة التقية والنفاق التي ينتمي إليها خامنئي، جاء لينفي أن بلاده تخطط لتصدير الثورة أو مجرد أن تفكر في ذلك، وأجهد نفسه في نفي صلة بلاده بالإرهاب بكل أشكاله وعقائده ومنطلقاته، حتى خُيّل لكثير من المراقبين أنهم يستمعون إلى مارتن لوثر كينج الداعية الأمريكي لحقوق الإنسان، أو إلى مدير عام اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تهبّ إلى كل مكان يحتاجها من أجل تقديم الخدمات الإنسانية، من خلال دور الجنرال قاسم سليماني وفيلق القدس الذي لا يعرف من القدس إلا الاسم بل ربما لا يعرف أين تقع القدس، ولا يعرف رئيس الجمهورية الإيرانية المرفوض من جانب الحرس الثوري أن هذا الحرس على لائحة المنظمات الإرهابية، ولكن النفاق السياسي العابر للقارات يغض النظر عن هذه القضية طمعا في الحصول على جائزة إيرانية من خلال عقود ومقاولات وصفقات اقتصادية.
واستنادا إلى حالة التقمص التي سيطرت على روحاني، وجه رسائل شتى ولكنها تعاني من فقر دم في حالة الانسجام المطلوب في شخص يشغل مثل منصب رئيس الجمهورية وفي خطاب أمام أهم منتدى دولي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه في واقع الحال أكد حقيقة تاريخية راسخة وهي أن التحالف الوثيق بين الفرس واليهود ثابت وقوي ومتين لن تؤثر عليه رياح التغيرات السياسية أو الشعارات الدينية أو التحالفات القائمة أو المتبدلة أو المحتملة بين من يحكم في بلاد فارس وما يحيط بها، ولعل في مقدمتها اختزان حقد دفين على بلاد العرب لاسيما ما بين النهرين وبابل خاصة، وهي جسد المقولة التاريخية لن يستطيع إخضاع جهات الأرض الأربع من لم يفرض سيطرته على بابل.
ووجه روحاني وعلى خلاف كل الشعارات الإسلامية المزعومة وما يزعم عن تحرير القدس، رسالة منافقة للوبي الصهيوني الأمريكي وذلك عندما قال “إن إننا نحن هم أولئك الذين أنقذوا اليهود من السبي البابلي”، وكأنه يريد أن يقول للولايات المتحدة من خلال لوبيين الأول اليهودي والثاني الإيراني في الولايات المتحدة، إن عليهما أن يتفهما أن هناك هامشا كبيرا من التصادم أو التعارض بين الشعارات المرفوعة والتطبيقات الجارية على الأرض، وعلينا أن نعترف أن هذا الأسلوب والتقية هما اختراع فارسي موغل في القدم وأن إيران الحالية استطاعت تطويره بما يتناسب مع معطيات التطور الحالي الذي يشهده عالمنا المعاصر.
ليس هذه هي الرسالة الوحيدة التي وردت في خطاب أبطال “الانتهازية والنفاق الدوليين” ومقتنصي الفرص بلا أخلاق أو مبادي أو قيم، وإنما هناك رسائل أخرى موجهة للداخل الإيراني وخاصة الحرس الثوري عبر حديثه عن التمسك بالبرنامج الصاروخي المثير لجدل حالي لا يختلف كثيرا عن لعبة البرنامج النووي التي انشغل بها العالم ردحا من الزمن، أما موضوع الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الخمس، فقد تأكد أن اللعبة الإيرانية انطلت حتى على الدول الكبرى أو هكذا مثّلت الدور المرسوم لها، وذلك بتمثيل دور الممتنع عن التوقيع على بنوده ولكنها في واقع الحال كانت مندفعة نحوه بكل قوتها ابتداء من الولي الفقيه وحتى أصغر عنصر في الحرس، ولكنها تصرفت كغانية تتظاهر بالتمنّع ولكنها راغبة فيه بكل جوارحها في ساعة اللقاء وما يرافقه أو يعقبه من مجون.
أما حديث روحاني عن عدم نية بلاده في إحياء الإمبراطورية الفارسية فهو محض كذب رخيص، فعالمنا اليوم لا يتعامل مع الأقوال وخطب الزعماء الصوريين أو حتى الحقيقين، وإنما يتعامل مع الحقائق والتطبيقات، وإلا فإننا سنجد أنفسنا منساقين وراء فرية تحرير القدس، لو صدّقنا بأن إيران تسعى لتحريرها من خلال تشكيل فيلق القدس الذي لم يخض معركة واحدة لا داخل فلسطين ولا على حدودها، بل ارتكب من الجرائم وسفك الدم العربي ما يؤكد الحلف التاريخي بين بني إسرائيل وبلاد فارس والذي ذكّر به روحاني أمام الأمم المتحدة .
إن خطاب روحاني عن رد فعل بلاده على احتمال إلغاء الاتفاق النووي معها لا يعدو عن كونه محاولة استغفال عالم أما مغفل إلى هذا الحد، أو يريد التظاهر بأنه مغفل كي يمرر مشاريع أبعد مدي من المعلن، ويترك منطقة الشرق الأوسط تحت سيطرة كيانين فقط “الإمبراطورية الفارسية” التي تم إلباسها رداء إسلاميا مزيفا، وإسرائيل وحذف ما عداهما من خارطة الجغرافيا السياسية أو خارطة التأثير السياسي أو تتحول إلى كيانات هامشية بلا دور، باستثناء ما تنتجه من ثروات طبيعية ذات صلة بإدارة ماكنة الاقتصاد العالمي.
روحاني الذي يلبس عمامة رجال الدين، حري به أن يخلعها وينزع لحيته، لأنه مارس التقية في ما قاله بأن بلاده لا تسعى لامتلاك السلاح النووي، وكل المؤشرات تقول بأن جهدها منصب واقتصادها تم تحويره لتنفيذ هذه الخطة ليس للوصول إلى الأهداف المعلنة عن تحرير القدس، وإنما للسيطرة على الوطن العربي والوصول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، بعد أن احتلت بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
ويبدو أن طهران وضمن اللعبة الدولية التي يريد العالم تمريرها تستغل الملف الصاروخي لدعم مفاوضاتها بشأن البرنامج النووي والتمسك المعلن بالاتفاق النووي لدعم خططها في المضي ببرنامجها الصاروخي، ومن المضحك أن علي خامنئي أجاد دوره في مسرحية تمرير الاتفاق النووي عندما مثّل دور المعارض له، حتى أن جواد ظريف قال في أحد تصريحاته “أرجو ألا تحرجوني مع بلادي”.
أما الحديث عن موضوع الإرهاب والتدخل في شؤون الدول الأخرى وإثارة المشاكل، فنحن نعلم والعالم يعلم ولكنه يغض النظر، بأن إيران أكبر دولة صانعة للإرهاب ومصدّرة له وأي مسح جغرافي في أي بلد سوف لن يدعونا للانتظار لأننا سنتعرف على العجب العجاب من آثار إيران في كل مكان نتيجة عملياتها الإرهابية التي لا تريد الولايات المتحدة التعامل معها على هذا الأساس وإنما تتجاهلها لأسباب سياسية واقتصادية معروفة.
أما الحديث عما يجري في سوريا وكأنه دوران المجرم حول موقع جريمته ووصف ما يجري في سوريا بانها كارثة انسانية، فلا يعدو عن كونه جريمة إيرانية ضد إرادة الشعب السوري في التغيير الديمقراطي والحصول على حريته بالطرق السلمية، ولكن تحريك إيران لذراعها الإجرامي المسمى بحزب الله لممارسة أسوأ أنواع القمع والجريمة السياسية هو الذي حوّل ما يجري في سوريا إلى ما نشاهده اليوم، ولا يوجد طرف دولي أو إقليمي ارتكب جرائم مثل ما ارتكبته إيران سواء من حيث حجمها أو من حيث تفاصيلها.
على العموم تبقى إيران أكثر طرف يتدخل في شؤون الغير ولكنها تباشر شن الهجوم السياسي والإعلامي لوصع خصومها في موقف المدافع الضعيف عن نقسه.
وسوم: العدد 739