من تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق ظهور بوادر تقسيم جديد
من تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق ظهور بوادر تقسيم جديد لأقطار الوطن العربي بعد التقسيم الذي أعقب الاحتلال الغربي في القرن الماضي
حديث الساعة في الوطن العربي وفي الأقطار المجاورة له هو موضوع الاستفتاء المزمع تنظيمه فيما يسمى إقليم كردستان العراق . وخلال التجمعات الخطابية التي تقام في هذا الجزء من العراق ظهرت حشود الأكراد الملوحة بالأعلام الكردية ،وظهر بين تلك الأعلام العلم الإسرائيلي ، وهو الذي شوهد في السابق فيما صار يسمى جمهورية جنوب السودان . ومن حق المواطن العربي أن يتساءل عن سر رفع العلم الإسرائيلي في المناطق التي تنفصل عن أقطار في الوطن العربي .ومن المؤكد أن إسرائيل ضالعة في عملية تقسيم الأقطار العربية وتفتيتها إلى كيانات عرقية أو طائفية من أجل ضمان بقائها واستمرار وجودها في قلب الوطن العربي . ولا شك أن تسمية جزء من أرض العراق الموحد بإقليم كردستان وهي تسمية عرقية شجع الأكراد على فكرة الانفصال عن العراق الوطن الأم . ونفس التسمية قد تغري الأكراد في دول الجوار كسوريا وتركيا وإيران بالسير على نهج أكراد العراق من أجل ضم الأجزاء المنفصلة عرقيا إلى بعضها البعض لتكوين الوطن الكردي الذي يحلم به جميع الأكراد والذين يعتبرون الكيان العربي احتلالا لأرض يوجدون فوقها ،كما يعتبرون الكيان التركي والإيراني احتلالا أيضا . ومعلوم أنه توجد في معظم دول العالم أعراق متعددة تعيش في وطن موحد، ويدخل ذلك ضمن تنوعه العرقي والثقافي، ولا يؤثر ذلك في الانتماء الوطني . وقد لا يتجرأ الأكراد في تركيا وإيران في الظرف الراهن على إعلان تنظيم استفتاء للانفصال عنهما كما تجرأ أكراد العراق على ذلك نظرا للوضع المنفلت الذي تسبب فيه الاحتلال الأمريكي للعراق، والذي نفخ في النعرات العرقية والطائفية لتفتيته إلى كيانات متناحرة على أساس عرقي وطائفي . ومعلوم أن الطائفية التي خلقها الاحتلال الأمريكي للعراق هي التي مهدت للتدخل الإيراني فيه بشكل غير مسبوق . ولا شك أن السياسة الأمريكية تعمدت غض الطرف عن تورط إيران في العراق لتستعمل ذلك ورقة ضغط على الكيانات العربية الخليجية ولابتزازها بذريعة الدفاع عنها ضد التهديد الإيراني المحتمل ، وفي نفس الوقت لخلق توازن للقوة في المنطقة بين الأتراك والإيرانيين . ولا شك أن إقدام الأكراد على تنظيم استفتاء يكون ذريعة للانفصال عن العراق دون تردد يدل على وقوف جهات معينة وراء ذلك تريد خلق وضع على الأرض يهدد إيران وتركيا والعراق على حد سواء . ومعلوم أن الغرض من تشجيع هذه الجهات على انفصال الأكراد عن العراق والذي يسمونه استقلالا، الشيء الذي يعني أنهم يعتبرون العراق بلدا محتلا لأرضهم هو وجود منطقة كركوك الغنية بالثروة البترولية، وهي ثروة تسيل لعاب تلك الجهات منها الولايات المتحدة ودول غربية وإسرائيل . وهكذا ستتكرر عملية تقسيم مناطق الوطن العربي من جديد على أساس ثرواتها ومدخراتها كما حدث عقب الاحتلال الغربي في القرن الماضي لهذا الوطن الذي كان يوصف بأنه تركة تركية أو تركة الرجل المريض كما يصطلح على تسميتها .ومن المؤكد أن الجهات التي تقف وراء محاولات انفصال كيانات عرقية أو طائفية عن أوطانها تستعمل سلاح النفخ في النعرات العرقية والطائفية ، وهو سلاح غير مكلف بالنسبة لها . ومن غير المستبعد أن تنتشر ظاهرة الانفصال العرقي والطائفي في أقطار عربية أخرى ،علما بأن بعض الأقطار تضم أعراقا وطوائف كما هو الشأن في سوريا، ولبنان ،واليمن ،وليبيا، وبلدان عربية أخرى . والملاحظ أن السياسة التي تتبعها الدول ذات المصلحة وراء تفتيت وتمزيق دول الوطن العربي هي سياسة فرق تسد ، ففي فلسطين فرق الفلسطينيون إلى أهل ضفة وأهل قطاع، وبث بينهما خلاف سياسي لتفريق صفهم وإضعافهم ليسهل التحكم فيهم . وفي الخليج ضربت وحدة دول التعاون الخليجي في الصميم عن طريق خلق خلاف بين دوله لأضعافها وتعطيل تعاونها، وقد صار الخلاف الخليجي معضلة مستعصية على الحل كما أرادت الجهات التي خلقته . وفي اليمن الخلاف الطائفي على أشده بين اليمنيين ،ومن المتوقع أن ينقسم اليمن من جديد إلى شمال وجنوب كما كان من قبل . وفي سوريا من المتوقع أن يطالب الأكراد بانفصال كانفصال أكراد العراق ، وقد تحصل تقسيمات عرقية وطائفية أخرى كما تدل على ذلك الصراعات الدامية وما يسمى بالمفاوضات التي ترعاها دول غربية مع روسيا . وفي ليبيا التقسيم وارد أيضا خصوصا وأنها بلد ثروة نفطية . وهكذا تبدو سياسة فرق تسد سلاح لتقويض وحدة شعوب الوطن العربي . ومن المحتمل أن تصل حمى الدعوات الانفصالية العرقية إلى الشطر الغربي من الوطن العربي أو المغرب الغربي أيضا . وهذا ما عبرت عنه إحدى الأمازيغيات العلمانيات المتعصبات في المغرب، والتي سجلت في أحد الفيديوهات تصريحا متهورا تهدد فيه العرب بالذبح إذا لم يسمح للأكراد في العراق بالانفصال ، وتصرح بأنها ستتحالف مع الكيان الصهيوني وحتى مع الشيطان من أجل ذلك ، وهو اعتراف منها بصلة تربطها بهذا الكيان الذي يريد تقويض الوطن العربي لضمان وجوده غير المشروع في قلبه واستمراره . ولا يمكن مواجهة خطر تفتيت أقطار الوطن العربي إلا بالرد على الدعوات الانفصالية على أساس عرقي أو طائفي بتشكيل تجمعات كبرى على غرار تجمع مجلس التعاون الخليجي و تجمع الوحدة المغاربية ، وتجمع الوحدة الشامية ، فضلا عن جامعة الدول العربية . وبدون هذه الوحدة سيسهل تقسيم الوطن العربي إلى دويلات فيها كيانات عرقية وطائفية متناحرة يشغلها تناحرها عن الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ،كما يشغلها عن استحواذ الغرب على ثرواتها ومقدراتها . فهل سيتنبه العرب إلى كيد الكائدين أم أنهم سيظلون على ما هم عليه من فرقة وتناحر واقتتال ومقاطعة وحصار ، ويستعينون على بعضهم البعض بهؤلاء الكائدين ، ويهدرون المال والجهد في صراعات ستهلكهم جميعا .
وسوم: العدد 739