ما كانت مدونة الأسرة عندنا لتعلو كتاب الله عز وجل أو تنسخه
استرعى انتباهي مقال نشره موقع هسبريس وهو الذي لا يدخر جهدا في نشر كل شكل من أشكال التجاسر على الإسلام لفائدة العلمانية التي يخصص لمقالات أصحابها حيزا كبيرا مقابل فرض حظر على مقالات غيرهم ممن ينتقدون الفكر العلماني ، والمقال المعني نشر تحت عنوان :
" علاقة السلفي الفيزازي بامرأة منقبة تعيد زواج الفاتحة إلى الواجهة "
والمقال للمدعوة آمال كنين تناولت فيه موضوع الفيزازي المحسوب على التيار السلفي في المغرب والذي كان قد اعتقل لسنوات بسبب تهمة التنظير للتطرف والإرهاب على خلفية أحداث السادس عشر مايو أيار ثم استفاد من عفو ملكي وحضر العاهل المغربي خطبة جمعة ألقاها الشيء الذي فسر على أنه تمت تبرئته من مسؤولية تلك الأحداث . والفيزازي معروف بقدرته على الحوار مع الخصوم والمعارضين . ولقد أثير مؤخرا موضوع زواجه من زوجة رابعة كانت لها خرجة إعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد انتهاء علاقتها بالشيخ السلفي أو ربما تعلق الأمر بمحاولة استهدافه والله أعلم بحقيقة ما وقع بينه وبينها حتى جعلته حديث وسائل التواصل الاجتماعي .
وما أثار انتباهي في هذا المقال ليس موضوع زواج الفيزازي من زوجة رابعة بل ركوب هذا الموضوع لغرض آخر كشفت عنه صاحبة المقال حين نقلت وجهة نظر المدعوة لطيفة بوشوى، وهي رئيسة فيدرالية رابطة حقوق المرأة كما قدمتها كاتبة المقال، ويتعلق الأمر بقول بوشوى : " مجتمعيا وواقعيا لم يعد تعدد الزوجات مقبولا " وهذا قول مردود على صاحبته لأن واقع الحال هو عكس ما تدعيه ذلك أن التعدد في مجتمعنا واقع لا ينكره إلا جاهل بهذا المجتمع أو مكابر لا يريد الإقرار بهذا الواقع . ونقلت صاحبة المقال بعد ذلك أن بوشوى صرحت لموقع هسبريس بوجود نصوص ومقتضيات ضمن مدونة الأسرة ومن بينها الفصل 16 القاضي بتمديد توثيق عقود الزواج يتم استغلالها للتحايل من أجل التعدد حيث يعدد الأزواج ويتزوجون بقاصرات عرفيا أو بفاتحة الكتاب ثم يوثقون زواجهم بعد ذلك بسبب وجود ذلك الفصل في المدونة . وترى بوشوى أن وجود ثغرة تمديد فترة توثيق عقود الزواج في المدونة دليل على وجود زواج غير موثق أو زواج عرفي أو زواج الفاتحة كما سمته .
ولا بد في البداية قبل مناقشة هذه القضية من التذكير بأنه لا يمكن لمدونة من مدونات الأسرة في البلدان التي تدين بدين الإسلام أن تسقط تعدد الزوجات المنصوص عليه في القرآن الكريم ، ولا يمكن أن يقدم على ذلك إلا من يجاهر بخلع يد من الإسلام . وشتان بين ألا يقبل الواحد بالتعدد وبين أن يتنكر له باعتباره تشريعا إلهيا . فإذا كانت رئيسة فيدرالية رابطة حقوق المرأة لا تعترف بالتعدد، وترى أن المجتمع والواقع لم يعد يقبله ، فهذا شأنها ووجهة نظرها التي تلزمها وحدها ولا تغير شيئا من شرع الله عز وجل، ولا من الواقع . وليست وحدها التي تقول هذا الكلام بل التيار العلماني برجاله ونسائه يكرر يوميا ذلك . ومقابل إدانة هذا التيار للتعدد يرفع شعارات للمطالبة بما يسميه حرية الجنس ،والعلاقة الرضائية، وحقوق المثليين ، وحق إجهاض ما ينتج عن العلاقة خارج إطار الزوج الشرعي . والمقصود بإصرار التيار العلماني على منع وتعطيل التعدد هو الدفع في اتجاه إباحة العلاقة الرضائية والسفاحية والمثلية ، وهذا التيار لا يبالي بجريمة تعدد العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي مقابل رفض وإدانة التعدد المشروع.
والأمر الثاني الذي لا بد من توضيحه هو أن ما سمته رئيسة فيدرالية رابطة حقوق المرأة زواج الفاتحة أو الزوج العرفي هو زواج شرعي إذا ما رعي فيه ما يجعل الزواج شرعيا وهو وجود ولي وشاهدي عدل كما نص على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا يستطيع أحد مهما كان أن يثبت أن الرسول صلى الله عليه كان يوثق زواجه هو وصحابته كتابة وتحريرا بل كان يشهد على ذلك العدول من صحابته ، وكان صحابته يحذون حذوه ، ولم يظهر توثيق الزواج كتابة بين الناس إلا متأخرا فيما بعد وهو مجرد اجتهاد منهم لما ساد انعدام الثقة فيما بينهم . ومع أن القرآن الكريم نص على كتابة الدين، فإنه ينص على توثيق الزواج لأن ميثاق غليظ لا يتصور العبث به. ولهذا لا يمكن الاستخفاف بصيغة الزواج ولا بصيغة الطلاق في دين الإسلام لأنه لا هزل في هذين الأمرين علما بأن هزلهما جد . والصيغة التي ينعقد به النكاح في الإسلام شفوية وتتعلق بطلب وقبول تصريحا، ولا يقبل التلميح إلا من البكر التي يعتبر صماتها علامة على رضاها وإلا كان من حقها أن تعبر عن رفضها، فإن رفضت فلا نكاح . والصيغة التي يتم بها الطلاق شفوية أيضا ،وتتعلق بالتعبير عن إنهاء علاقة الزواج مهما كانت طريقة أو أسلوب ذلك التعبير الذي تتساوى فيه الحقيقية مع المجاز بل ومع الإشارة أيضا حين تعلق الأمر ب طلاق الخرسان . وبناء على هذا لا يمكن التشكيك في شرعية النكاح والطلاق من خلال ذريعة عدم وجود توثيق إذ لا يعتبر هذا الأخير شرطا في صحة الزواج . ولا يمكن أن تعلو مدونة الأسرة فوق شرع الله عز وجل أو تنسخه . ومن عبر عن زواج أو طلاق بنية الزواج أو الطلاق كما شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإنه يتحمل مسؤولته أمام خالقه فهو متزوج ومطلق حسب ما يصرح به ، ولا تغرنه المدونة التي يزعم البعض أنه لا زواج ولا طلاق إلا بما تنص عليه . فكم من مطلق صرح بعبارة الطلاق وظل يعاشر زوجته خارج إطار الشرع في انتظار بث القضاء الأسري في طلاق واقع لا يمكن أن تنفيه نصوص المدونة وهو بذلك واقع في حرام حرمه الله عز وجل .
ولا يجب أن يفهم من هذا الكلام رفض توثيق الزواج بل يجب أن يوثق حفاظا على حقوق الأزواج والزيجات خصوصا في مثل هذا الزمان الذي صار فيه التدين عملة صعبة وزال الخوف من الله عز وجل من قلوب الناس ، وصاروا لا يأمن بعضهم بعضا .
وبقي أن نقول إن تضييق المدونة على المتزوجين خصوصا المعددين هو الذي جعل الناس يتحاشون توثيق الزواج، ويكتفون فيه بالصيغة الشرعية التي لا يمكن الطعن أو التشكيك فيها من خلال وصفها بزواج الفاتحة أو الزواج العرفي استخفافا به من أجل إدانته وتجريمه . وأتحدى محاكم الأسرة من ترك التضييق على الراغبين في التعدد لترى كم سيكون حجم الإقبال عليه خلاف ما تزعم رئيسة فيدرالية رابطة الدفاع عن حقوق المرأة ؟
ومن المغالطات التي تثار بخصوص ما يسمى زواج القاصرات محاولة تقنين سن الزواج في سن معينة وفق تقديرات بشرية أو وفق أهواء لا تراعي شرع الخالق الذي هيأ الأنثى للزواج بنضج جنسي وقدرة على التناسل والإنجاب في سن معينة . ولهذا لا يستقيم ولا يصح الحديث عن قصور زواج الأنثى مع وجود نضج جنسي وقدرة على التناسل والإنجاب، علما بأن أحوال الإناث من حيث النضج الجنسي مختلفة حسب اختلاف البيئات . وإذا كان العلمانيون يعترضون على زواج الفتاة البالغة سن الزواج الشرعي ، فإنهم في المقابل لا يعترضون على ممارسة من يسمونهن قاصرات الجنس تقليدا لما يحدث في المجتمعات العلمانية الغربية التي تمنع زواجهن ولكن لا تدين ممارستهن للجنس ، وهل يعقل أن تطيق الفتاة البالغة الجنس خارج إطار الزواج الشرعي ولا تطيقه في إطار الزواج الشرعي ؟ فما لهؤلاء العلمانيين كيف يحكمون ؟
وفي الأخير لا بد من التذكير بأن الأمر يتعلق بتقوى الله عز وجل والخوف منه وليس الخوف من مدونة الأسرة أو فيدراليات أو رابطات أو منظمات أو علمانية أو غيرها ، ذلك أن من كان يخشى الله عز وجل فلن يعبث بزواج أو طلاق لأنه يظن أنه سيلقى الله وسيوفيه حسابه يوم لا تنفع مدونة ولا فيدرالية ولا منظمة ولا علمانية .
وسوم: العدد 741