هل قيام الدولة المسلمة أمر ممكن ..؟ أم أنه أمر مستحيل ..؟
يتكرر هذا السؤال وبصيغ متعددة على ألسن بعض المفكرين..وإذا بدؤوا في الإجابة عن تساؤلهم هذا تجدهم يشرقون ويغربون وتتيه بهم السبل..وترتفع أصواتهم في معترك جدلية ومراء مخجل..وما ذاك إلا بسبب إشْكاليّة السؤال بحد ذاته..وبسبب إشْكاليّة عدم تحرير مصطلح الدولة..وبسبب التداخل الجهول بين مصطلح الدولة ومصطلح الحكومة..فما هي إشْكَاليّة السؤال..؟
1. يقرر السؤال ابتداءً غياب الدولة المسلمة.2. ينفي السؤال صفة الإسلام عن الدول القائمة في بلدان المسلمين اليوم.3. يفترض السؤال حالة استحالة قيام دولة مسلمة.
وعندما تتأمل طرح المتسائلين وهم يجيبون عن تساؤلاتهم هذه..تجدهم يربطون غياب الدولة المسلمة بغياب (الخلافة) ويحصرون وجودها بعهود ما بعد عهد نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أي عهود الأئمة الأربعة الراشدين(أبو بكر،وعمر،وعثمان،وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم).ولكن سرعان ما يرتدون على أعقابهم فيبدؤوا يضفون صفة الخلافة على العهود اللاحقة مثل وعهود(الأمويون،والعباسيون،والعثمانيون وغيرهم).ثم يقررون قاعدة حتمية بنظرهم تقول باستحالة قيام(الخلافة) مع غياب وحدة الأمة على امتداد الأرض..وهنا يقعون في مطب يتناقضون به مع أنفسهم وهم يربطون قيام الخلافة بقيام وحدة الدول المسلمة على امتداد الأرض..؟!وهكذا يبدأ خلط الأوراق وتداخل المفاهيم واضطرابها..ويغرقون في تلاطم أمواج جدلية عقيمة فيما بينهم لا يستطيعون الفكاك منها ولا النجاة..وينتهي بهم الأمر ليردد كل منهم العبارة المشهورة:( الأمة بحاجة إلى عودة صادقة إلى الله)وغالباً كل جهة منهم تعني غيرها بمسألة حاجة العودة إلى الله أما هم فعلى خير صلة مع الله تعالى..!وأنه لأمر مستحيل أن يتغير حال الأمة وأن تقوم الخلافة ما دامت بعيد عن الله..وهنا يقعون بخطيئة كبيرة وهم يتهمون الأمة بكليتها بالبعد عن الله تعالى..؟!أجل يرى المرء هذا المشهد المؤلم المدمر من الجدلية المقيتة القائمة على فتنة تزكية الذات واتهام الآخر..والشيء الأكثر ألماً وتدميراً ذاك الذي تشاهده من حَيْرَةَ وتيه في وجوه الشباب الذين يستمعون إليهم ويشهدون جدليتهم..التي تزيد من اضطراب مفاهيمهم تجاه سمو قيم دينهم الحق ومقاصد رسالة إسلامهم العظيم..وهكذا تُترك الأجيال فريسة لطروحات الآخر يرتشفون من مناهلها على غير هدى وعلى غير سبيل راشد منير..وأختم بتعليق بشأن التداخل المخل بين مصطلح الدولة ومصطلح الحكومة فأقول باختصار شديد:الدولة كيان ووعاء مستقر..والحكم عقد وأداء يتطور مع مستجدات الزمان والمكان وتحدياتهما..أما بشأن مقولة غياب دولة الإسلام:فهي موجودة مع وجود الإسلام وحاشا لله تعالى أن يُغيّب سلطانه عن الأرض..أما رشدها فمرتبط بحال القائمين على أمرها يضعف ويقوى..ويكمُل وينقُص بحسب درجة رشدهم في التزام قيم الإسلام..وهذا فيه تفصيل تجدونه في كتابي(الإسلام والنظام العالمي الجديد) وهو متاح مجاناً لمن يرغب..أجل فإنه كل يوم يتأكد بأن عدم تحرير المصلحات وعدم بلورة المفاهيم الراشدة لقيم الإسلام ومقاصد رسالته الربانية الإنسانية السامية..يبقى المصدر الأساس لما تعاني الأمة من مخاوف وهي تواجه مستجدات وتحديات عصرها..والله سبحانه المستعان.
وسوم: العدد 742