القضايا المتضمنة في مواد الهوية فقط: اللغة العربية، والتربية الإسلامية، والدراسات الاجتماعية
(1)
القضايا المتضمنة بند على يمين الصفحة في بعض المواد دون البعض الآخر، تجدها في مربع صغير يختلف في قضاياه من موضوع إلى آخر. وتكون في بند "ماذا نتعلم في هذا الدرس؟" أو في بند منفرد، لكن البند السابق هو الأجدر بها.
وتجدها - أيها المتتبع - في اللغة العربية والتربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية، ولا تجدها في اللغة الإنجليزية ولا العلوم ولا الرياضايات.
لماذا؟
لأن هذه المواد هي مواد الهوية، وهي التي تحمل الصبغة الذاتية، أما الأخرى فلا.
وماذا في ذلك؟
فيه أنها علامة الزيف التعليمي.
كيف؟
إن الزيف التعليمي شعاره "فكر عالميا، واعمل محليا"، أي يصنع المنتج في الخارج ثم يأتي إلى الداخل، فما الزيف التعليمي؟
إنه أن يأتيك - أيها المعلم- الأمر التعليمي من موجهك الفني أو إدارة مدرستك أو إدارتك التعليمية أو وزارتك، فتنشط إلى تنفيذه معجبا به؛ لأنه يتضمن قيمة إنسانية، ثم ...
ثم تُفاجأ بأنه ليس من رأسهم؛ فلم يسهروا الليالي حتى حصلوه، ولم يندمجوا في مشكلات المجتمع حتى بان لهم حلا لهذه المشاكل، ولم يعتصرهم هم التطوير الحقيقي للمناهج فتوصلوا إليه، ولم تكن لهم تجربة حقيقية حتى يطوروها... ولم ... إلخ.
لا، لم يحدث شيء من هذا.
إذا، ماذا حدث؟
الذي حدث أن ممثل الحكومة التعليمي حضر مؤتمرا لـ"الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" المشهورة بـ"اليونسكو"، فوجد توصيات المؤتمر، ووافق عليها، وحملها وعاد إلى الحكومة.
ماذا يحدث بعد ذلك؟
تعقد الوزارة مؤتمرات تطوير المناهج، ويكون ما جاء من اليونسكو هو دستورها، ويكون المطلوب منها وضع اللوائح المبينة والمنظمة للتنفيذ.
ثم ماذا؟
ثم يصدر الأمر التعليمي فيصل إليك - أيها المعلم- فتظن خيرا، لكن هذه هي الملابسات!
(2)
ما الصور التي ينعكس فيها أمر اليونسكو؟
إنها صور تطول المنهج في كل عناصره: الأهداف، والمحتوى، وطرق التدريس، والأنشطة، والوسائل، والتقويم.
كيف؟
يذكر كتاب "المناهج" الخاص بكلية التربية في جامعة عين شمس في الفصل الثاني المعنون بـ"المناهج في وزارة التربية والتعليم" ص25: "استراتيجيات الوزارة في مجال تطوير المناهج:
1- تطوير المناهج بصفة مستمرة.
2- دمج القضايا والمفاهيم العالمية المعاصرة في المناهج.
3- ربط المنهج بالبيئة المحلية".
ثم يقول ص26 موضحا البند الثاني من بنود استراتيجية الوزارة: "دمج 19 مفهوما جديدا في مناهج المواد الدراسية، وذلك في شكل أنشطة وممارسات عملية، وبطريقة منطقية تعمل على تحقيق الأهداف المنشودة".
ثم يذكر هذه المفاهيم في الصفحة ذاتها كالآتي:
- "العولمة، والتسامح والتربية من أجل السلام، والمهارات الحياتية.
- التربية من أجل المواطنة، والوحدة الوطنية ومحاربة التطرف.
- البيئة: حمايتها وتجميلها، والزيادة السكانية والتنمية.
- حسن استخدام الموارد وتنميتها، وترشيد الاستهلاك، واحترام العمل وجودة الإنتاج.
- حقوق المرأة ومنع التمييز ضدها، وحقوق الطفل ومقاومة عمالة الأطفال.
- الصحة الوقائية والعلاجية، والإدمان: الأسباب والوقاية.
- السياحة وتنمية الوعي السياحي، والوعي المروري.
- الوعي القانوني: الحقوق والواجبات، والوعي الضريبي".
(3)
أين تجد هذه المفاهيم أيها المعلم؟
لا تصل إليك على أنها توجيهات اليونسكو، بل تصل إليك في الكتاب الوزاري والكتب الخارجية المنبثقة منه تحت عنوان "القضايا المتضمنة" في الركن الأيمن من الصفحة الأولى لكل درس.
لماذا تذكر في كل درس؟
حتى تبين – أيها المعلم- للتلاميذ العبارات التي تناولت هذه القضايا، وتحدثهم عنها، وتُحْدِث عندهم وعيا بها- إذا كنت معلما نشطا وجيدا ومتميزا.
فهل شغلتك هذه القضايا كما شغلتني؟ وهل حاولت فهمها ومعرفة أغراضها وموقعها من العملية التربوية التعليمية؟
إذا كنت قد انشغلت بها فلابد أنك حِرت ولم تصل إلى شيء فيها كما كنتُ قبلا.
والآن، وبعد مضي هذا الجزء من قراءتك- قد تسأل: وهل لليونسكو سلطة حتى نحذرها؟
نعم، لها سلطة.
كيف؟
إن اليونسكو تهدف إلى نشر التربية الدولية، وتحدد لها مجالاتها وموضوعاتها ووسائلها وفلسفتها. وقد حددت اللجنة الدولية للتربية للقرن الحادي والعشرين برئاسة جاك ديلور عام 1996 أربع ركائز أساسية للتربية الدولية كما تقول الباحثة أمل محمد بسيوني في رسالتها للماجستير بجامعة الإسكندرية 2011 المعنونة بـ"بعض صيغ التربية الدولية ودورها في تحقيق أهداف اليونسكو"، هي: التعلم للمعرفة، والتعلم للعمل، والتعلم للعيش معا ومع الآخرين، والتعلم لتكون".
هذه الركائز الأربعة تصبح جزءا من الخبرة البدهية لكل المعنيين بالتربية في الوطن العربي، وتدخل في مكونات رؤاهم وفلسفتهم للتربية، وتنعكس في آرائهم المنشورة في محاضراتهم وكتبهم وأبحاثهم.
مثل من؟
مثل الدكتور عبد الله أحمد عبد الله المصراتي رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة بنغازي في بحثه المنشور في "صحيفة دار العلوم" في العدد 43 المحرم 1434هـ الموافق نوفمبر 2012 المعنون بـ"دور كليات التربية في التنمية البشرية .. دراسة اجتماعية على الأساتذة الجامعيين بمدينة المرج بليبيا" ص184 حيث يقول: "فالمقصود بالتعليم من أجل التنمية توفير تعليم جيد لدعم التنمية البشرية المستدامة أي (تعلم لتعرف، وتعلم لتكون، وتعلم لنعيش معا، وتعلم للقيام بدور بارز، وتعلم لتغيير الذات والمجتمع)".
فهل ترى سلطة أكثر من هذا؟
(4)
ولعلك تسأل الآن: وماذا في هذا؟ إنها قضايا صالحة ولا عيب فيها، فماذا في تقريرها وتوضيحها للتلاميذ؟
نعم، إنها قضايا صالحة لكن توظيفها ليس بصالح، أو توظيف ما لا يتفق منها مع الإسلام لا يكون توظيفا إسلاميا.
كيف؟
لنأخذ قضية التمييز ضد المرأة، ونسأل: ما المقصود بهذا التمييز؟
إنهم يعدون محاولة إلزام المرأة باللباس الشرعي تمييزا بغض النظر عمن يحاول ذلك، أي سواء أكان والدا أو زوجا أو غير ذلك ممن يسأل شرعا عمن يخصه من نساء.
ولنأخذ قضية التسامح، ونسأل: ما مرادهم من هذا التسامح؟ وهل يستطيعون تنفيذه على الأقوياء؟
الجواب: ما يريدونه هو تسامح التنازل للاتفاق مع رغباتهم ورؤاهم، أما هم فلا.
كيف؟
استحضر ما فعلته أمريكا بالعراق، واستحضر ما تفعله فرنسا الآن بـ"مالي" المسلمة، واستحضر ما فعله البوذيون بمسلمي بورما، واستحضر غير ذلك لتدرك نوع التسامح المراد.
ولنأخذ قضية السكان، ونسأل: ماذا يريدون بالحد من السكان؟
فإذا عرفت أن نموهم السكاني ضعيف علمت ماذا يريدون!
ولنأخذ قضية التربية من أجل السلام، ونسأل: ما السلام المقصود؟
إذا أدركت أننا ضعفاء وفهمت أن السلام لا مكان فيه للعاجز فهمت أنهم يريدون الاستسلام.
وهكذا، وهكذا.
(5)
ولعل الوقوف مع التفاصيل لا يكون مهما؛ لذا لم أعلق على كل الموضوعات.
لماذا؟
لأن معرفة الجهة المصدرة للفكرة تجعلك تعرف المراد.
ما الجهة؟
إنها الغرب متمثلا في اليونسكو، وهذه تكفيك للتوجس خيفة منهم.
لماذا؟
لأن شعارهم "فكر عالميا، واعمل محليا".
ماذا يعني هذا؟
يعني أن يكون الغرب هو مرجعك، وأنك لا تعدو كونك منفذا لما يريد ويرغب.
والعجب أنهم في الأدب يعكسون الشعار.
كيف؟
يقولون: "أبدع محليا تنل العالمية". لكنهم هنا يعكسون لما للتربية من أهمية وخطورة، فليتنا نعود إلى إسلامنا عنوان أصالتنا نستمد منه المرجعية ونقوم كل شيء على وفقها!
وسوم: العدد 742