الحماية القانونية لحقوق النازحين
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
النزاعات المسلحة والتوتر السياسي والكوارث الطبيعية التي قد تصيب أي بلد، تكون سبب في حركة انتقالية إجبارية للسكان، ترغم هذه الفئة الضعيفة من المواطنين على ترك منازلهم وحياتهم وتهدد استقرارهم إلى مكان آخر قد يكون داخل حدود دولهم أو خارجها، ليعيشوا في حالة من عدم الاتزان والفرار من العنف والاضطهاد، لتظهر مشكلة ترافق رحلة نزوحهم إلى حين عودتهم إلى ديارهم، ألا وهي مشكلة حقوقهم وحرياتهم التي يجب أن تصان بشكل قانوني من قبل حكوماتهم والمجتمع الدولي، فما هو دور التشريعات القانونية في حماية حقوق النازحين داخليا؟
النزوح هو ترك الشخص منطقته ليستقر في مكان آخر، وهو ذات الهجرة ولكن من منظور بلد المنشأ، وهو على نوعان أما أن يكون نزوحا خارجي عبر الحدود الدولية من بلد إلى آخر بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية أو لأسباب اقتصادية أو معيشية وفي هذه الحالة يسمى النازح بـ(اللاجئ)، والنوع الثاني منه يتمثل بالنزوح الداخلي أو التهجير القسري، أي ضمن إقليم الدولة الواحدة، ويسمى في هذه الحالة (نازحا أو مهجر أو مشرد داخليا).
وقد تم تعريف النازحين داخليا من قبل الأمم المتحدة في دليل المبادئ الخاص بالنزوح الداخلي بأنهم (مجموعة من الأشخاص يرغمون على مغادرة منازلهم في مناطقهم الأصلية لغرض تفادي تأثيرات نزاع مسلح أو نتيجة الكوارث الطبيعية كل ذلك بشرط عدم عبورهم الحدود الدولية إلى دولة أخرى).
اللاجئ والنازح داخليا كلاهما خرج من دياره مجبرا قد تكون الأسباب واحدة، ولكن الفرق بين الاثنين شاسع من حيث المركز القانوني لكليهما بعد النزوح في المجتمع الدولي، فاللاجئين لهم القوانين الدولية التي تحمي حقوقهم أينما حلوا، وتتوفر لهم من حين ساعة وصولهم المأوى الآمن والغذاء، حيث تعمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الخاصة بالعمل الإنساني لمساعدتهم في بدء حياة جديدة في الدولة المهاجر إليها، أما النازحين داخليا، فأمرهم مختلف تماما، فهم لا يشكلون فئة قانونية مميزة أو بنزوحهم يخلقون لهم مركز قانوني جديد داخل دولهم، مما يحرمهم من أية حماية يدعمهم بها القانون الدولي باتفاقيات أو معاهدات دولية خاصة بهم، إلا أنهم من حيث المبدأ يخضعون لحماية قوانينهم الوطنية في حالة السلم كمدنيين، وفي حالة النزاع المسلح يكونون تحت حماية قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بصفتهم مدنيين أيضا مع مراعاة حالة النزوح.
فالنازح داخليا هو مواطن عادي من رعايا دولته التي تتكفل برعاية جميع حقوقه وحرياته من حق المشاركة بالحياة السياسية إلى حق التعليم والصحة، مرورا بحقه في حرية التعبير عن رأيه، والحق بالعدالة والمساواة أمام القضاء، وغيرها من الحقوق المكفولة بموجب القواعد الدستورية، فهو يتمتع بالحماية الكاملة للقانون الوطني دون أي تمييز ناتج عن نزوحه، وان كانت تضاف على عاتق حكومته حقوق إضافية خاصة ناتجة عن حالة النزوح القسري، فعليها توفير المأوى والغذاء والخدمات الصحية والعمل، والسماح له المشاركة في الانتخابات التي قد تحصل في البلد أثناء النزوح وتجهيز مراكز خاصة للمشاركة في الحياة السياسية، والعمل على تأمين مناطقهم وفض النزاعات المسلحة فيها، وتنظيفها من مخلفات الحروب أو الكوارث التي حلت بها، وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية وما كانوا عليه قبل النزوح، هذه الحقوق ذكرها قانون حقوق الإنسان وأكد عليها فهو يوفر أيضا إلى جانب القوانين الوطنية للنازحين حماية لحقوقهم لسريانه في وقت السلم وحالات النزاع المسلح على السواء، فهذا القانون يهدف إلى منع النزوح وفي حالة حدوثه يعمل على كفالة الحقوق الأساسية للنازحين.
أما القانون الدولي الإنساني الذي يسري في حالات النزاع المسلح الدولي أو غير الدولي يحمل بين ثناياه هو الآخر حقوق النازحين داخليا، فلو كانوا النازحين داخل بلدهم موجودين في دولة طرف في نزاع مسلح فإنهم يعتبرون مدنيين ويحق لهم التمتع بالحماية المكفولة للمدنيين بشرط ألا يكونوا مشتركين في الأعمال العدائية، وكذلك يحظر القانون الدولي الإنساني إجبار المدنيين على ترك محل إقامتهم ما لم يكن ذلك ضروريا لسلامتهم أو لضرورة عسكرية ملحة.
وعلى الرغم من ذلك فإن أغلبية الدول والكثير من المنظمات الإنسانية يصعب عليها معرفة ماهية القواعد التي يجب تطبيقها في حالة نزوح مواطنيها نزوحا قسريا، وما زال عدد كبير من النازحين في أوطانهم يعانون من ضياع حقوقهم وحرياتهم وإهمال حكوماتهم لوضعهم الإنساني، ولتفاقم مسالة النزوح الداخلي وازداد عددهم بشكل مطرد، حيث بلغ عدد النازحين في العالم داخل حدود بلدانهم 26 مليون شخص بسبب النزاعات المسلحة، وأكثر من 50 مليون مواطن بسبب الكوارث الطبيعية، كان ذلك سببا بظهور المبادئ التوجيهية المستوحاة من قواعد القانونين (القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني)، وهي إرشادات جمعت لتفسير القانون وتطبيقه خلال رحلة النزوح الداخلي قد شملت على 30 مبدأ، احتوت على:
1) حقوق وضمانات رئيسية لها صلة مباشرة بحماية الأفراد في مواجهة النزوح القسري، وحماية النازحين خلال فترة النزوح وأثناء عودتهم أو إعادة إدماجهم في المجتمع.
2) أكدت على حماية حقوق النساء والأطفال فيما يتعلق بتلقي النساء الرعاية الصحية وتعليم الأطفال النازحين وعدم تجنيدهم في النزاعات المسلحة.
3) ألزمت حكومات دولهم بضرورة تأمين عودتهم من خلال تأمين بيئة أمنة وسليمة للعيش وضمان حصولهم على ممتلكاتهم ومعالجة جميع المشاكل القانونية التي نشأت نتيجة نزوحهم كمشكلة الاستيلاء على منازلهم، وغيرها من المواضيع المتعلقة بحقوق وحريات النازحين داخليا.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر كان لها دورا فعالا في طرح فكرة هذه التوجيهات وعملت على عقد الندوات وتبادل الرأي مع الهيئات ذات الصلة بالموضوع كالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كما أكد على أهميتها في دعم حقوق النازحين داخليا مؤتمر اوسلو المنعقد في 2008، حيث خرج هذا المؤتمر بتوصيات تصب في تعزيز حماية حقوق النازحين داخليا وأشار إلى أهمية دمج هذه المبادئ في التشريعات الوطنية من اجل دعم تنفيذها، كما أكد المؤتمر بان هذه المبادئ التوجيهية لا يمكن أن تكسب درجة الصفة الإلزامية إلا بتحويلها إلى معاهدة دولية أو إدراجها ضمن اتفاقيات حقوق الإنسان.
بعض الدول قامت فعليا بإدخال المبادئ التوجيهية ضمن تشريعاتها الوطنية، فكانت الأسبقية لدولة انغولا سنة 2000، حيث يسترشد مجلس وزراء انغولا بالمبادئ التوجيهية عند وضع التشريعات الخاصة بإعادة توطين النازحين داخليا، وتبعتها بروندي سنة 2001، حيث شكلت لجنة عليا لحماية النازحين داخليا، كما أصدرت بعض المحاكم الدستورية لبعض الدول أحكاما تضمنت ضمن حيثياتها الإشارة إلى المبادئ التوجيهية مثال ذلك، الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية في كولومبيا سنة 2000، والذي جاء في حيثياته (بان المبادئ التوجيهية لا تشكل معاهدة دولية تتطلب المصادقة عليها، ولكن يمكن اعتبارها تشكل قواعد استرشادية وتفسيرية للقانون الوطني المتعلق بالنزوح القسري الصادر 1997).
أما على الصعيد القاري فلما شهدته أفريقيا من نزوح عدد كبير من مواطنيها بسبب النزاعات المسلحة على أراضيها، حيث يوجد فيها نحو 9.7 مليون نازح وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال والسودان تضم مجتمعة أكثر من خمسة ملايين نازح، لذا فهي وجدت ضرورة للتوجه إلى تشريعات وطنية ومعاهدات إقليمية لمعالجة مسالة النزوح الداخلي، فقد اعتمد الاتحاد الأفريقي لمساعدة وحماية النازحين داخليا على اتفاقية الاتحاد الأفريقي أو ما تعرف باسم ( اتفاقية كمبالا) والتي صدرت عام 2009، وهي دخلت فعليا حيز التنفيذ، وهي تعتبر بذلك أول اتفاقية ملزمة قانونا على الصعيدين الدولي والإقليمي، واحتوت هذه الاتفاقية على عدة أمور منها:
1) أهم معايير تتعلق بحماية ومساعدة الأشخاص أثناء فترة النزوح.
2) أسباب التشرد، والتي لا تقتصر على حالات النزاع المسلح وانتهاكات حقوق الإنسان فقط، وإنما تشمل أيضا حالات الكوارث الطبيعية أو التي تكون من صنع الإنسان.
3) نصت الاتفاقية في المادة (2/د) على التزامات ومسؤوليات الدول الأطراف، وتحدد أيضا ادوار ومسؤوليات الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة والشركات الخاصة والوكالات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي والأشخاص المشردين داخليا والمجتمعات المتأثرة بالتشرد، وغيرها من البنود الخاصة بحماية النازحين داخليا.
إن تزايد نسبة النازحين في جميع دول العالم بأسبابها المختلفة، وتزايد وعي المجتمع الدولي للمشاكل التي تعاني منها هذه الفئة المستضعفة، أدى ذلك إلى السعي لإنشاء اتفاقيات ومبادئ وتوجيهات خاصة بحماية حقوق النازحين داخليا، لكن هذه الاتفاقيات والمبادئ لا يمكن تطبيقها واعتبارها إلزامية إلا في حالة تبنيها من قبل حكومات الدول ودمجها ضمن القواعد الدستورية لدولهم لتكسب صفة الإلزام القانوني، فعلى جميع الدول التكاتف لحل مسالة النزوح الداخلي وحماية حقوق مواطنيها من تلك الفئة التي كانت ضحية للنزوح وفقدان الاستقرار والأمن والأمان.
وسوم: العدد 743