الوطن المقفر .. والإرهاب الطائفي!

قبل أسابيع اعتدى أحد الأشخاص على كاهن في منطقة المرج فقتله!

الحادثة فردية قام بها أحد الأشخاص، لا يمكن الدفاع عنه تحت أية ذريعة، ولا يمكن لأحد أيا كان أن يوافق على الجريمة أو العنف، إذا مارست السلطة العنف والقتل فهي مدانة، وإذا مارس الأفراد أو الجماعات العنف والقتل فهم مدانون. الإسلام يرفض العنف والقتل إلا بحق. ".. مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.." (المائدة:32).

في حادثة الكاهن، يجب ألا نحملها أكثر مما تحتمل، فما أكثر الحوادث المشابهة التي تحدث بين المسلمين، وتنتهي إلى القضاء الذي يفصل فيها وفقا للإجراءات القانونية.

في صحف 20/10/2017، نشرت الحوادث التالية:

-         سيدة تختطف طفلا وتحرق جسده لسرقته «توك».

-         تجرد عامل من كل مشاعر الإنسانية وقتل أباه ودفن جثته بحظيرة.

-         حبس الممرض وأفراد أمن مستشفي ههيا قتلة والد المريض.

-         تستعين بابن خالها لضرب «أمها » و سرقتها.....

بالطبع لا تلفت هذه الحوادث وأمثالها كثير من الأذرع الإعلامية، وصعاليك الصحافة، والمتنصّرين مضمونا وفكرا، وأتباع البكباشي الإرهابي! 

الذي شغلهم هو مقتل كاهن المرج ففرشوا الصحف بالمقالات المهيّجة، وأقاموا سهرات الثرثرة والتحريض في علب الليل الفضائية، وأقاموا مناحة لم تتوقف في البرامج الإذاعية الحكومية والخاصة، وهاجموا ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، وحملوا على المسلمين المسالمين والمتطرفين والمتشددين ومن يسمونهم بالسلفيين، وتحدثوا عن دم "القبطي" الأرخص من دماء المسلمين،....

دخل إلى المجال الطائفيون الإرهابيون، ونقلوا المسألة إلى مجال آخر وتفسير أكثر خطورة حين أعلنوا أن الجريمة تمت تحت إطار "القتل على الهوية وعلى الهواء مباشرة". ونقل إرهابي طائفي، مقولة أدونيس الشاعر الطائفي النصيري، عدو الإسلام، وحليف السفاح بشار الأسد والنظم العسكرية الدموية في الوطن العربي: «الوطنُ المُقفِرُ إرهابٌ «باطن» ورهبةٌ ظاهرة»..

لا أدري ماذا يقصد تماما بالوطن المقفر؟ هل هو الموقف من الحرية والعدل والكرامة؟ لا أظنه يقصد ذلك، لأنه حليف الاستبداد والقمع والتصفية بدم بارد لآلاف المسلمين، وتدمير بيوتهم، وحشد مئات الألوف من الأبرياء في السجون المكتظة، هل الوطن المقفر هو من يخلو من الماديين والطائفيين وأتباع الغرب؟ ربما.. ولكن الطائفي الذي نقل المسألة إلى القتل على الهوية وعلى الهواء مباشرة، وأكدها ثماني مرات في بداية فقرات مقاله الإرهابي بقوله "يقينا"، أي باتت أمرا مؤكدا لا شك فيه، وهذا في الحقيقة ادعاء صارخ منحته له ظروف الوطن المتناثر الأشلاء، وسمحت لمثله من الأدعياء الكذبة أن يمارس دورا تحريضيا علنيا في صحف سيارة محرمة على المسلمين ومن يرددون شهادة التوحيد خالصة لله بلا رياء ولا نفاق.

القتل على الهوية عرفته البلاد العربية بصورة جماعية حينما أشعل الطائفيون المجرمون نار الحرب في لبنان منتصف السبعينيات، وعرفته البلاد العربية في سورية الشقيقة عندما يقوم أتباع السفاح بشار بقتل المسلمين السنة في قراهم ومدنهم، وعرفته البلاد العربية عندما قام الانقلابيون بقتل المسلمين بالآلاف في الحرس والمنصة ورابعة والنهضة والفتح ورمسيس وكرداسة وناهيا ودلجا والقائد إبراهيم وسيدي جابر والميمون والبصارطة , ومازال المسلمون يقتلون حتى اليوم!

لم يقل أحد من العملاء أو خدام البيادة أو الإرهابيين الطائفيين، إن المسلمين يقتلون على الهوية وعلى الهواء مباشرة، ولم يقم أحد برثائهم أو البكاء عليهم، فضلا عن المطالبة بدمهم الرخيص والأرخص من دم الكلاب والقطط!

إن الإرهابي الطائفي يقلب في تاريخ الحوادث الطائفية مذ أسس لها الأنبا شنودة أوائل السبعينيات، ليحقق حلمه الشرير بطرد المسلمين الغزاة من مصر النصرانية المحتلة. وهذا التقليب الذي يدلس فيه يصل من خلاله إلى ضرورة نزع الإسلام من المسلمين ومن حياتهم من أجل الحوار والالتزام بأسس الدولة الحديثة من مواطنة، وحداثة، ومرجعية دستورية لضبط «أزمة النزاع الديني!» المستمر والممتد- باعترافه- منذ ١٩٧٠، أي منذ ولاية الأنبا شنودة الراحل. ويتساءل الإرهابي الطائفي:  هل دخلنا مرحلة جديدة من مراحل النزاع الديني؟». 

ما معنى النزاع الديني؟ لا أعرف تماما ماذا يقصد به الإرهابي الطائفي؟

وللأسف فإن ناصريا خسيسا يزعم أن الغبن يشمل الطوائف المسيحية المختلفة، والمرأة، وبعض الأطراف الحدودية. وإني أقول للطائفيين وهذا الناصري الخسيس وغيره من المتنصرين ضمنيا، ما قاله الدكتور محمد عباس في مقال له: بادلونا حقوقكم بحقوقنا. يعني خذوا ما لدينا ونأخذ ما لديكم من حقوق ومستحقات! ألا تكون هذه قسمة عادلة؟ بالطبع فإن الطائفيين وخاصة النخبة الإرهابية التي رباها شنودة على التمرد والابتزاز ونشر العنصرية؛ لن ترضى بهذه المبادلة، لأنها تأخذ أكثر مما تستحق، وتحظى بامتيازات لا يحصل عليها المسلمون، ويكفي مثلا أن المسلمين لا يستطيعون فتح مساجدهم خارج أوقات الصلاة المحدودة، بينما الكنائس مفتوحة ليلا ونهارا لا يستطيع أحد الاقتراب منها، حتى الحراس المسلمون يقفون أو يجلسون أمام أبواب الكنائس، أما المساجد فقد بات اقتحامها أمرا عاديا، والتحكم في خطبها وأئمتها ووعاظها معروفا للجميع. هل سمع أحد عن تحديد موضوع الموعظة للكاهن؟

على كل؛ فإن المناحة التي أقيمت على كاهن المرج القتيل، لم يقم مثلها على أي مسلم يذهب ضحية الطائفة أو السلطة أو أعوانها، بل إن المسلم في أرجاء الأرض يقتل ويحرق ويهجر من بيته وموطنه ولا يأسى عليه الإعلام محليا أو دوليا، وفي  الوقت الذي تعلن فيه بيانات الشجب والاستنكار لضحايا الإرهاب في العواصم الغربية، وتطفأ الأبراج، وتوقد الشموع هنا وهناك، فإن أحدا لا يشير مثلا مجرد الإشارة إلى مقتل أكثر من عشرين مسلما قبل أيام في أحد مساجد إفريقية الوسطى على يد الإرهابيين الصليبيين، ولا تتصايح الميديا ضد الإرهاب الصليبي حين يقوم شخص أميركي غير مسلم في «لاس فيجاس» بقتل 58 أميركيا، ويجرح أكثر من خمسمائة شخص من المدنيين، وتعثر الشرطة لديه على ترسانة ضخمة من الأسلحة. وآه لوكان هذا القاتل مسلما؛ لعوقب المسلمون جميعا في أرجاء الأرض، وأهين الإسلام!

الإرهاب الطائفي في مصر يمارس دوره الابتزازي ويستغل الأحداث الفردية في تعزيز قوته المعنوية والمادية بين أفراد الطائفة، ويجد دعما غير محدود من المتنصرين الخونة والعملاء الذين ماتت ضمائرهم وجفت إنسانيتهم.

الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 744