إيران وحزب الله في عين العاصفة
هل اقتربت ساعة المواجهة مع إيران ووكلائها في المنطقة ؟
سؤال بات يشغل بال كثيرين من المتابعين لأزمة تفجرت ما بعد استقالة الحريري ، خصوصًا بعدما قامت حركة (أنصار الله) الحوثية باستهداف الرياض بدعم وتنسيق وتوجيه إيراني، بعد أن بشرتنا طهران قبلها بيوم من خلال وسائل إعلامها بقرب قصف الرياض ودبي، وما أعقبه من تصريحات متبادلة عالية السقف بين إيران والسعودية .
فمنذ انطلاق عمليات عاصفة الحزم ضد الحركة الحوثية، لا يمرّ يوم دون إطلاق تصريحات من المسؤولين الإيرانيين سياسيين وعسكريين تتراوح بين الحديث عن حلول سياسية للأزمة والتحذير من عواقب استمرارها على المنطقة إلى أن وصلت مؤخرًا للتهديد العلني بقصف السعودية والإمارات، إلى جانب التهديد منذ منذ أيام قليلة الذي صدر عن ثلاث شخصيات عسكرية إيرانية في مقدمتهم الأدميرال (حبيب سياري) قائد القوة البحرية إلى جانب مساعد قائد الجيش الإيراني، العميد (أحمد رضا بوردستان)، وقائد الحرس الثوري اللواء (جعفري) على التوالي بـ"نقل التفجيرات إلى داخل السعودية إن لم تكف عن قتال الحوثيين. "
ماذا تريد طهران من تزويد الحوثيين بصواريخ بالستية لاستهداف الرياض في الوقت الذي تتزامن فيه مع متغيرات إقليمية ودولية تشهد معه حالة اصطفاف غير مسبوقة ضد إيران، كما يتزامن ذلك مع انتهاء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الإيرانية طهران والتي حاول من خلالها إرسال رسائل نصح وإرشاد لساستها .
بات الجميع الآن يُدرك بشكل أكبر خطر السياسات العدوانية الإيرانية والدور الذي بات يمثله البرنامج الصاروخي الإيراني من تهديد للأمن الإقليمي برمته، وما تقوم به طهران من سياسات هوجاء لتزويد مرتزقتها ومليشياتها بمثل هذا النوع من الأسلحة التي باتت توجه إلى العالم العربي .
من المؤكد أن لإيران دوراً فاعلاً ومؤثراً في نقل المنطقة إلى صفيح ساخن، لكن السؤال لماذا ؟
لا شكً بأنّ هناك جملة من الأسباب والدوافع التي تسعى طهران لتحقيقها؛ فهي تسعى إلى ممارسة دبلوماسية (خلط الأوراق) بعد رفع درجة التهديد والاستهداف لمصالحها؛ خاصة بعد الاستدارة الأميركية التي تعززت نتيجة مفاعيل بدأت تتكشف تؤكد سعي إدارة (ترامب) حثيثاً إلى خيار المواجهة مع إيران ووكلائها، وترجمة الاصطفاف الإقليمي إلى آليات قابلة للتنفيذ، ستبدأ من خلال الجغرافيا الإيرانية، والهدف مواجهة حزب الله وتدميره .
الثابت أن هناك إرادة إقليمية ودولية بالانتقال إلى سيناريو عماده مواجهة إيران ووكلائها في المنطقة تباعاً، فمنطق الأمور وطبيعة مسار الأحداث والتطورات بعد القضاء على داعش؛ وانتقال إيران إلى إستراتيجية التصعيد ضد السعودية من خلال الحليف الحوثي ، بعد استهداف الرياض قد نقل المواجهة إلى مستوى خطير، وهو ما تريده طهران فعلاً .
اللهاث الإيراني يركز الآن على توريط وكلائها في المنطقة لإبعاد شبح الحرب عن جغرافيتها، وعن حزب الله - " مطرقة إيران القوية "- لأن القوى الإقليمية والعالمية الكبرى بدأت تدرك تماماً خفايا اللعبة الإيرانية، بموازاة ذلك تعتبر طهران أن كل ما يجري في ساحات الحريق الإقليمي، وتخصيص الزاوية اليمنية لتهديد الأمن السعودي في هذا التوقيت بالذات، يندرج في إطار حرب نفسية جديدة تقودها إيران، حيث تعتقد أن ضرب الرياض قد يدفع السعودية للضغط على الولايات المتحدة للوصول إلى صيغ جديدة للتفاوض مع إيران، إلا أن الأخيرة اعتادت على هذه الألاعيب، وتعرف تماماً كيف مواجهتها .
التهديدات الإيرانية للسعودية، واجهتها تحركات أمريكية عبر تصريحات من جانب (ترامب) ونائبه وقيادات في الكونجرس، إذ تحدث عسكريون أمريكيون، أن الممرات والبوارج الحربية الأمريكية، تتواجد حاليًا في المياه الإقليمية اليمنية، وأغلبها في باب المندب في رسالة صريحة إلى طهران التي صمت آذانها عن عمد .
أوضح الناطق باسم الجيش السعودي، أن "قوات التحالف ستغلق حدود اليمن براً وبحراً وجواً لمنع وصول شحنات السلاح الإيراني وتهريبها إلى هناك "
بموازاة ذلك قالت إيران سابقاً : ( إن أسطولًا عسكريًا إيرانيًا قد أرسل نحو المياه الإقليمية اليمنية، ليصبح في مواجهة مباشرة مع الوحدات التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية، مما يعزّز إمكانية حدوث مواجهة عسكرية بين الطرفين، مع إعلان إيران المتكرر أنه ليس بمقدور السعودية الاشتباك معها أو مهاجمتها .
المؤكد أن المواجهة العسكرية مع إيران ووكلائها؛ ولا سيّما مع حزب الله باتت قريبة، سواء داخل لبنان، أو ضمن الجغرافيا السورية التي يتداخل فيها وجود قوات الحزب هناك ، أو حتى ضمن النطاقين الجغرافيين معاً، لجملة من المتغيرات الموضوعية :
أولها : العلاقة القوية التي تربط بين دول المنطقة بالولايات المتحدة مع مجيء إدارة (ترامب) والاستدارة السياسية الأميركية الكاملة، في الوقت نفسه يشتبك الجميع مع إيران .
وثانيها: الخوف من تعاظم النفوذ والتخريب الإيراني للأمن الإقليمي والحاجة الملحة لوقفه .
وثالثها: الحاجة الماسة إلى تفكيك شبكة الأمان التي تشكل المصدات للدفاع عن المجال الحيوي الإيراني ممثلة بوكلائها الرئيسين؛ وفي مقدمتهم حزب الله .
ورابعها : إخراج إيران ومرتزقتها من الأزمات الإقليمية والتي تسببت في إشعال المنطقة، مع تزايد احتمالية توسع نطاق هذا الحريق لساحات جديدة.
وخامسها: توظيف التعاطف الشعبي القاضي بمواجهة إيران ومليشياتها التي عاثت خراباً وقتلاً ودماراً مستهدفة دول المنطقة وشعوبها، إلى جانب إقبال المنطقة على مشاريع تنموية كبيرة، يجب أن يسبقها تصفية نفوذ إيران .
مشكلة إيران الحقيقية أنها لا تدرك جيداً حجم السعودية وثقلها الإقليمي والدولي، وشبكتها علاقاتها، وموقع هذه الدولة ومكانتها الروحية، وهذا ما فاتها، لأن قصف الرياض معناه أنها ورطت نفسها في حرب ستكون هي ووكلائها الخاسر الأكبر فيها.
نسيت إيران كذلك أنها باتت تعيش في ظل متغيرات جديدة عاصفة، وأن اللجوء إلى دبلوماسية حافة الهاوية لإنتاج المبادرات، بغرض إجبار الخصوم الجلوس على طاولة التفاوض لتقديم التنازلات قد ولى .
لا شك بأن المواقف والسياسات الإيرانية هي عدوان سافر على العالم العربي، وأن لهجة التصعيد في لغة المرشد (خامنئي ) ، والرئيس الإيراني (حسن روحاني)، ومن لفّ لفيفهم من سياسيين وعسكريين تعني أن هناك مواجهة حقيقية متوقعة بين إيران والسعودية، وأن على الجميع الاستعداد لهذه المواجهة التي تهدف إلى وقف التمدد الإيراني والقضاء على مشروعهم التدميري، وستبدأ في لبنان ليكون في عين العاصفة .
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 745