هل سيحصل الانفجار الكبير.. وأين سيبدأ؟!

بعد أقلّ من شهرين من تسلّم جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة في مطلع العام 2001، قام نائبه آنذاك ديك تشيني بجولة في المنطقة العربية من أجل حثّ بعض الحكومات على التعاون مع واشنطن في التمهيد لعملٍ عسكري كبير ضدّ العراق، ولم يجد تشيني حينها التجاوب المرغوب أميركياً. ثمّ حدثت بعد ذلك، في شهر سبتمبر من العام نفسه، الأعمال الإرهابية في نيويورك وواشنطن، والتي أعطت المبرّرات للمحافظين الجدد في إدارة بوش الابن ببدء تنفيذ أجندتهم من خلال احتلال كلٍّ من أفغانستان والعراق، وتغيير مسار أميركا والعالم كلّه والدخول في حقبة تاريخية جديدة، ما زالت تفاعلاتها قائمةً حتّى الآن.

يتكرّر السيناريو نفسه حالياً مع وجود ترامب في رئاسة أميركا، الذي وصل للحكم بدعمٍ من تيّار عنصري وديني محافظ، وبترحيب قوي من الجماعات الصهيونية المؤيّدة للحكم المتطرّف في إسرائيل، وحيث هناك أيضاً أجندة داخلية وخارجية يسعى ترامب لتنفيذها. وربّما يجد الرئيس الأميركي مصلحةً كبيرة الآن في حدوث انفجار عسكري كبير لأزمة دولية، كالأزمة مع كوريا الشمالية، ليس فقط لخدمة سياسة مقرّرة، بل أيضاً لصرف الأنظار عن مشاكله الداخلية وعن التحقيقات القانونية الجارية مع فريق حملته الانتخابية، ولتعزيز قاعدته الشعبية، مما يُسهّل تنفيذ أجندة عهده في "البيت الأبيض".

وليست قضية كوريا الشمالية هي فقط مخزن البارود القابل للانفجار، ففي حال تعذّر إشعال الفتيل هناك لاعتباراتٍ أميركية أو دولية، فإنّ تزايد حدّة الصراعات مع إيران حول الكثير من الأزمات الحاصلة في منطقة "الشرق الأوسط" قد يجعل مكان الانفجار الكبير هو الخليج العربي، وما قد يؤدّي إليه هذا الانفجار من تداعيات تستفيد منها القوى السياسية والاقتصادية الداعمة لترامب في الولايات المتّحدة.

أيضاً، فإنّ الجبهة الإسرائيلية- اللبنانية هي من المواقع المؤهّلة لحدوث الانفجار الكبير، والتي قد يتمّ استخدامها لتغيير مسار الأزمات المشتعلة حالياً في المشرق العربي، والتي يُحقّق فيها خصوم أميركا تقدّماً على الأرض، وحيث سيكون الاعتماد الأميركي على القوّة الإسرائيلية دون حاجةٍ للتدخّل العسكري الأميركي المباشر في هذه الجبهة.

وإذا كانت كلٌّ من جبهتيْ كوريا الشمالية وإيران تفترض تورّطاً عسكريا أميركياً، وإذا كانت الجبهة الإسرائيلية-اللبنانية تحتمل إمكان تدخّل عسكري أميركي غير مباشر، فإنّ جبهة رابعة قد تكون مدخلاً لأزمة دولية كبيرة تتضمّن صراعاتٍ مُسلّحة محلّية دون حاجة لانغماس عسكري أميركي، وهي الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية، والتي قد تكون شرارتها بإعلان ترامب للقدس عاصمةً لإسرائيل، ثمّ التعامل مع التداعيات من خلال قمّة أميركية – إسرائيلية – عربية يتمّ التوافق فيها على ما أسماه ترامب ب"صفقة القرن"، وما قد ينتج عنها من خلافات عميقة وصراعات داخل المنطقة، كالتي حدثت بعد توقيع معاهدات "كامب ديفيد" في نهاية عقد السبعينات.

أليس ترامب متبنّياً لسياسة نتنياهو القائمة على رفض حلّ الدولتين، وعلى تكثيف الاستيطان، وعلى تهميش القضية الفلسطينية، وعلى مساواة المقاومة للاحتلال بالإرهاب، وعلى السعي لتسعير الصراعات الطائفية والمذهبية في العالم الإسلامي، وعلى إشعال الحروب العسكرية بين دوله؟!.

طبعاً، لا أجد مصلحةً عربية فيما هو قادمٌ من سياسة "ترامبية" تسعى لمزيدٍ من التأزّم العسكري في المنطقة العربية، ولا مصلحة دولية أيضاً في التصعيد العسكري الممكن حصوله مع كوريا الشمالية أو مع إيران. لكن التساؤلات ستكون كبيرة حول ما يمكن أن يكون عليه الموقف الروسي، حيث أنّ موسكو معنيّة بشكلٍ واسع في أيّ انفجار عسكري كبير في شرق آسيا أو في الشرق الأوسط. وإذا كانت إدارة ترامب تحاول مهادنة موسكو لفترة من الوقت، فإنّ "النهج الترامبي" في قضايا دولية عديدة يتناقض مع مصالح موسكو والصين أيضاً. فأين ستقف روسيا والصين من موقف ترامب تجاه إيران؟! وأين سيقفان من تأييد ترامب لنقل السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل فقط؟! وأين سيقفان من توتير الأجواء العسكرية في شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شرق آسيا المجاورة للأراضي الصينية والروسية؟!.

أمّا على الجانب العربي والفلسطيني، فإنّ ما حدث ويحدث من ردود فعل فلسطينية هامّة على مسألة القدس، هو أمرٌ تكرّر في الخمسين سنة الماضية، منذ الاحتلال الإسرائيلي الذي حدث في العام 1967، لكن الاحتلال الإسرائيلي استمرّ وما زال قائماً!!. فمشكلة ما يحصل من ردود فعل حتّى الآن أنها تنحصر في مسألة القدس ولا تتواصل لكي تعالج أساس القضية وهو الاحتلال الإسرائيلي لكلّ الأراضي الفلسطينية. فالإستيطان والتهويد يتصاعدان في القدس والضفّة منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، إن لم نقل منذ العام 1967، ولم تردعهما كل ردود الفعل التي حدثت وتحدث!. فكيف يمكن المراهنة الآن من جديد على مزيد من التفاوض مع إسرائيل برعاية إدارة ترامب، إذا كان نتنياهو ومعظم أعضاء حكومته يرفضون وقف الإستيطان والانسحاب من القدس وحقّ العودة للفلسطينيين، وهي القضايا الكبرى المعنيّة بها أي مفاوضات أو "عملية سلام" بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قبل إقامة الدولة الفلسطينية؟! ثمّ كيف يأمل الفلسطينيون بموقف أميركي فاعل إذا كانت إدارة ترامب والكونغرس الأميركي يتحدّثون عن القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل؟!.

إنّ إدارة ترامب تراهن على استثمار نتائج ما حدث ويحدث في البلاد العربية منذ سنوات؛ من تهميش للقضية الفلسطينية، ومن تفجير لصراعات وحروب أهلية عربية، ومن غياب لمرجعية عربية فاعلة، ممّا سيمهد لقبول إسرائيل بما يُعرف باسم "المبادرة العربية" بعد تعديلات جوهرية في نصوصها، فيعمّ التطبيع "العربي والإسلامي" مع إسرائيل قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلّة وقبل الانسحاب من كلّ الأراضي العربية المحتلّة في العام 1967!. وسيكون ذلك هو هدف يسعى إليه ترامب بحصول انفجار عسكري كبير في "الشرق الأوسط" أو بعدمه. فهذا هو مضمون "الصفقة الكبرى" التي "بشّر" بها ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض.

وفق المعطيات الدولية والإقليمية الموجودة الآن، فإنّ المانع الأول لحدوث أيٍّ من الانفجارات الكبرى السابق ذكرها، ليس هو بعامل خارجي بمقدار ما هو مانع داخلي أميركي أشار إليه السيناتور بوب كوركر، وهو من الحزب الجمهوري ويرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، حينما تحدّث منذ أسابيع قليلة عن المخاوف من حرب عالمية ثالثة نتيجة سوء التقدير لدى ترامب، مؤكّداً "أنّ تغريدات الرئيس ترامب أدّت أكثر من مرّة إلى تقويض مفاوضات دبلوماسية". وأضاف أنّ عدداً قليلاً من الوزراء المهمّين يحمون الولايات المتحدة من "الفوضى" وأنّهم قادرون على "ردعه (أي ترامب) عندما يتحمّس وتهدئته ومواصلة العمل معه قبل اتّخاذ قرار".

فالمراهنة الأساس الآن لمنع حدوث انفجارات عسكرية عالمية كبرى هي على وصول التحقيقات القانونية الجارية من قبل وزارة العدل (مع المحقّق روبرت ميللر) وفي داخل الكونغرس، إلى نتيجة حاسمة تؤدّي إلى استقالة ترامب أو إلى عزله من قبل الكونغرس. وربّما سيكون مطلع العام القادم 2018 هو الوقت المناسب لإمكانية حدوث ذلك. فهناك استحقاق "الانتخابات النصفية" في نوفمبر 2018، والتي يجري فيها انتخاب كل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وعدد من حكّام الولايات الخمسين. وهناك مخاوف تزداد لدى أعضاء الكونغرس الجمهوريين من التأثيرات السلبية عليهم في الانتخابات القادمة إذا ما استمرّ ترامب في الحكم لمدّةٍ أطول!. 

وسوم: العدد 749