ليتهم سكتوا..؟!
يحار المرء في تفسير ما يرى ويسمع ويقرأ عن تصرفات بعض العرب والمسلمين تجاه واقعهم والقضايا التي تشغل الأمة والعالم، فهناك حالة من السيولة في الكلام والتفكير والسلوك، تعدّ من أعجب ما مرّت به الأمة مذ بدأت الحروب الصليبية التي شنها الهمج الهامج بقيادة بطرس الحافي من سانت مونت كلير حتى الآن.
انتفضت الأمة الإسلامية والأحرار في العالم ضد قرار بطرس الحافي الثاني(ترامب) بشأن المدينة المقدسة، ولكن نفرا من الأمة العربية، آثروا أن يقفوا إلى جانب بطرس الحافي الثاني، ويساندوه ويفسدوا اجتماعات الجامعة العربية، والتعاون الإسلامي، إما بعدم الحضور الفعال، اكتفاء بالمشاركة الشكلية، أو تحريض بعض الرؤساء والملوك على عدم حضور قمة العالم الإسلامي، مع أن دولا غير إسلامية، ولا تمت للعرب والمسلمين بصلة غير الانتماء الإنساني شاركت بمستوى رفيع من المسئولين تضامنا معهم، بل إن حاكم كوريا الشمالية أعلن أنه لا يعترف بدولة الكيان الصهيوني، ولا يؤمن بوجودها!
الغريب العجيب أن يشارك بعض المحسوبين على مجال الدعوة الإسلامية والفتوي في مساندة بطرس الحافي الثاني، والتقليل من غضبة الشعوب، ولم يكتفوا بذلك بل دقوا أسافين الإفساد بين الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة، وذهب بعضهم إلى القول في تبجح وصفاقة، إن اليهود لم يقتلوا أحدا من شعبنا، وليس بيننا وبينهم مشكلة!
دعونا نرصد بعض المقولات الغريبة العجيبة التي صدرت عن بعضهم في عز المعمعة والصراع مع العدو الصليبي وتابعه النازي اليهودي:
أولا- قال مسئول عقب قرار قمة التعاون الإسلامي بسحب وساطة أميركا ردا على موقفها العدواني: إن الولايات الأميركية وسيط نزيه!
يفترض في هذا المسئول أنه يملك خبرة سياسية جيدة، فقد عاش طويلا في الولايات المتحدة، وتولى أرفع وظيفة دبلوماسية في بلاده، ويعرف كيف تكون التصريحات الدبلوماسية والسياسية في المواقف المعقدة. فهل الولايات المتحدة التي منحت طرفا معتديا مدينة القدس وسيط نزيه؟ وهل نسي صاحبنا أن الولايات المتحدة تتوسط بين الغزاة اليهود والعرب منذ حرب مضان حتى الآن (44عاما) ولم تحقق خطوة واحدة إلى الأمام بوساطتها النزيهة؟ لاريب أن هذا المسئول معذور فيما يقول، لأن ما يقوله ليس كلامه، والنطق بغيره قد يكلفه رقبته في ظل نظام استبدادي دموي لا يعرف الرحمة مع من يخالفه.
ثانيا- ينشغل الناس بالتظاهر ضد قرار بطرس الحافي الثاني في كل أنحاء الأرض، وفي الحرمين الشريفين يخرج خطيب الجمعة ليتحدث بجوار الكعبة عن بر الوالدين وأهميته، وهو موضوع حسن وطيب ومطلوب، ولكن هل من بلاغة الخطاب أن يتجاهل الخطيب أحوال المخاطبين، ومراعاة المقام الذي تلقى فيه الخطبة؟ ثم ينبري خطيب آخر ليتحدث من جوار قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن تتابع الفصول ، والأحوال الجوية، ويتكلم عن الصيف والخريف والشتاء وبرده القارس الذي حل بالناس، والربيع الذي سوف يخلفه؟ ألم يعلم فضيلته أن أولى القبلتين وثالث الحرمين تباع في سوق النخاسة الصليبي لأشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ أم إنه يوافق ضمنا على البيع وفقا لما صدر إليه من أوامر؟
ثالثا- يترك الداعية الذي يترنم بتغريداته على وسائل التواصل الاجتماعي جريمة بطرس الحافي الثاني تجاه القدس العتيقة، وينشغل بالتغريد عن جواز المسح على الجوربين أو الخفين، وهل هو حلال أو حرام؟ المسح على الجوربين أهم من بيع القدس والأقصى، تمهيدا لبيع مكة والمدينة؟ وصاحب الفضيلة لم يصل إليه خبر البيع!
رابعا- وفي مجال الفتوى يخرج مفت ليقول إن حماس إرهابية، وإن الغزاة اليهود أهل كتاب وقوم مسالمون، ولا تجوز مقاومتهم أو مجاهدتهم. أي خلل في التفكير والرؤية؟ اي منطق وأي عقل يفهم ويقدر ويزن؟ الغزاة اليهود يحتلون فلسطين التي هي في مفهوم الفقهاء والأوطان والقوانين الدولية حق شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وهي وقف إسلامي لا يجوز التصرف فيه ولا التنازل عنه ولا التخاذل في الدفاع عنه والمحافظة عليه. كيف سمح هذا المفتي لنفسه أن يصف من يدافعون عن فلسطين من حماس وغيرها ويقدمون أرواحهم فداء بالإرهاب؟ بدلا من أن يساعد المجاهدين والمدافعين عن فلسطين بكلمة؛ ينسى إسلامه ودينه وفقهه ليصفهم بالإرهاب؟ بئس ما يقول هذا المفتي وأمثاله ممن باعوا دينهم واشتروا دنياهم!
خامسا- يقول بعضهم في مجال الهرولة إلى تل أبيب: إن اليهود عدو عاقل، وإيران عدو أهبل!
لا أدري ما هي مقاييس العقل والهبل عند المذكور؟ هل قتل الفلسطينيين على الهواء من العقل؟ هل قتل العشرات، وإصابة المئات بالرصاص الحي يمثل عقلا ناضجا؟ هل حصار قطاع غزة والمدن والقرى الفلسطينية يمثل عقلا إنسانيا يستوجب الهرولة إلى أصحابه القتلة والتقرب إليهم ومطارحتهم الغزل السياسي؟ هل قتل الفلسطيني ( محمد أبو ثريا) الذي فقد ساقيه في إحدى الغارات العسكرية اليهودية يمثل العقل الذي نفضله على الهبل الإيراني؟ هل من يحتل قدسنا ومقدساتنا ورفض كل القرارات الدولية والقوانين البشرية يمثل العدو العاقل؟ كيف تعقلون؟
سادسا- يأتي من يسمونه داعية ليفتي تغريدا على تويتر فيزعم أن الجهاد ضد الغزاة اليهود لا يكون إلا بإذن من ولي الأمر. ويتجاهل أن هذا الولي يحب اليهود القتلة ويهرول إليهم ليساندوه في عدائه لإيران، ولا يتطرق بكلمة إلى إعلان بطرس الحافي الثاني عن بيع القدس للغزاة اليهود أمام الوفد الأميركي الذي جاء لزيارته بعد الإعلان المشئوم. بل يتحدث عما يسمى خارطة طريق للشراكة مع الغزاة اليهود.. هل تفهمون معني الشراكة مع عدوّ قاتل لا يرقب في الأمة- بما فيها ولي الأمر هذا- إلاّ ولا ذمة؟
يكرر الداعية المدّعي ما قاله المفتي الأكبر عن إرهاب حماس وتسامح الغزاة اليهود القتلة فيقول: إن القتلة أهل كتاب وتسامح، والجهاد ضدهم لا يفيد القضية الفلسطينية! ثم يعطينا درسا بقوله: الجهاد المزيف يجب أن ينتهي، والمتاجرة باسم الجهاد وباسم الاقصى والقضية الفلسطينية، والعنتريات، يجب ان ينتهي، ومن يحمل السلاح دون راية أو إمام معترف به عند المسلمين هو إرهابي بكل ما تحمله الكلمة من معنى!
وإني اسأل هذا الدعيّ: ما هو الجهاد الحقيقي؟ وماذا جنى العرب والفلسطينيون بعد خمسين عاما من الاستسلام والتفاوض الممل الذي لا ينجز قلامة ظفر من حرية أو تحرير أرض؟ ثم من هو ولي الأمر الذي يعترف به المسلمون وكل من حولك مغتصب للسلطة بقوة السلاح، والسلطة عنده أهم من أرض المسلمين ومدنهم ومقدساتهم؟
ليتهم سكتوا.. وأخفوا عوراتهم المفضوحة أمام الله والناس أجمعين!
الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 752