لا يمكن تعطيل نصوص القرآن أو الحديث بذريعة تغيّر ظروف حياة الناس في عصرنا

استوقفني عنوان مقال منشور على موقع وجدة سيتي وهو : " إشكالية الخطبة أم مشكلة الخطيب " لصاحبه السيد بنيونس موليلا ، واسترعى انتباهي في المقال إثارة صاحبه  قضية سفر المرأة المسلمة مع ذي محرم، وهو يتحدث عن خطيب تناول في خطبته تكريم الإسلام للمرأة المسلمة ، وذكر خلالها  قضية مرافقة المحرم لها في سفرها بناء على ما جاء في الحديث الشريف : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) . وقال صاحب المقال : "  الحديث النبوي الشريف فوق رؤوسنا ،ولكن الظروف تغيرت ، ووسائل النقل تحسنت ، والمسالك أصبحت آمنة ، كما أن نظرة المجتمع للمرأة قد تطورت في عصرنا الحالي ، ومقياس الذكورة أصبح متجاوزا للسيطرة على  المرأة ، وفرض الوصاية عليها بدعوى من الدعوات لأن أفضل مسلك يمكن أن يخلصها من الحجر والتبعية للرجل هو تحصينها بالعلم والمعرفة لأن محرم المرأة هو عفتها وثقافتها "

وأرى أن هذا الكلام يناقش إذا ما سمح صاحب المقال  المحترم ،واتسع صدره لذلك مشكورا . والقضية التي يثيرها هذا الرأي في غاية الحساسية لأنه لا يمكن أن تعطل نصوص القرآن أوالحديث بذريعة تغيّر ظروف حياة الناس في زماننا أو زمان غيرنا لأن الأمر سينتهي في نهاية المطاف إلى تعطيل الدين جملة وتفصيلا حين يحملنا تغيّر الظروف على تجاوز النصوص التي يقوم عليها، وهي كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ولقد اجتهد الفقهاء في كل عصر لتطويع واقع الناس لنصوص الدين، وليس العكس لأن نصوص الدين ثابتة وواقع الناس متغيّر ، ولا يمكن تعطيل الثابت من أجل المتغيّر . ومعلوم أن الرسالة الخاتمة التي ختم بها الله عز وجل الرسالات هي رسالة للعالمين إلى قيام الساعة ونهاية العالم ، لهذا إذا أجاز الناس تعطيل نصوصها بسبب ما يطرأ على حياتهم من تغيير نقض ذلك عالمية هذه الرسالة ، وصار حكمها كحكم الرسالات السابقة التي كانت خاصة بأقوام بعينهم  وأزمنة بعينها . ولقد نزّه الله تعالى هذه الرسالة من التفريط أو النقص ووصفها بالكمال وارتضاها للعالمين ،وهي تتضمن شرعه الذي لا تتعلق بغباره الشرائع الوضعية لعدالته سبحانه وتعالى .

ولنعد الآن إلى قضية سفر المرأة مع محرم  لها ، ونتساءل هل سفر المرأة مع محرم يعني فرض الوصاية عليها أو هو حجر عليها يجعلها تابعة للرجل ؟ وهل يفهم من مرافقة المحرم لها الشك والارتياب في سلوكها  ؟ أليس في وجودها رفقة محرم حين تسافر تكريما وصيانة لها ؟ أولا يتخذ ذوو الشأن  ذكورا وإناثا حراسا يرافقونهم  في سفرهم لحمايتهم دون أن ينال ذلك من شأنهم بل بالعكس يعتبر ذلك مما يفرضه شأنهم ؟ ألا تستحق المرأة أن توفر لها الحماية حين تسافر ويكون الشخص المؤهل لذلك من محارمها لأنه أقرب الناس إليها ،وهي أحوج  ما تكون إليه  في ظروف السفر وما تنزله من منازل ، وما ترتاده من أماكن  تكون لها فيها وضعيات خاصة . ولنفرض أن هذه المرأة في زماننا لم يتيسر لها أن تسافر عبر وسائل النقل العمومية برية وبحرية وجوية ، وكانت مضطرة للسفر في سيارة وحدها ،وتقطع مسافة طويلة فتتعطل سيارتها وهي بعيدة عن الأماكن المأهولة، فهل يوجد من يضمن سلامتها؟  فالقضية هنا لا تتعلق بعفة أو ثقافة  المرأة  التي جعلها السيد موليلى بديلا عن رفقة المحرم بل القضية قضية ظرف قد يعرض سلامتها للخطر . ولا بد من الوقوف عند لفظة " محرم " وهي ليست لفظة " مرافق " أو " رفيق " كما جاء في مقال السيد بنيونس، ذلك أن المحرم له حكمه الشرعي بينما غيره يسمى أجنبيا ولا يجوز له  شرعا أن يختلي بالمرأة . ولا يمكن أن تسافر المرأة  المسلمة تحديدا  مع غير محرم لها  مختلية على متن سيارة لمسافة طويلة وإن كانت من اللواتي خطرن ببال السيد بنيونس وهو يتابع خطبة الجمعة من مغيّرات الأحداث في العالم المعاصر أو المكافحات من أجل الكرامة والعزة والحرية لأن الشيطان حي كما يقول العوام ،وما اختلى رجل بامرأة إلا كان هو ثالثهما ، وبئس الثالث . وإذا كانت المرأة المسافرة مع غير محرم لها عفيفة فمن يضمن لنا عفة الأجنبي المرافق لها ؟ وإذا كان هذا المرافق على عفة نبي الله يوسف عليه السلام، فمن يضمن لنا ألا تكون هي كامرأة العزيز وصويحباتها ؟ومعلوم أن تطور العصر لا يمكن أن يغير شيئا من غرائز بني آدم ، ولا عصمة إلا لنبي . ومما يوجب مرافقة المحرم للمرأة إذا سافرت  في عصرنا استهدافها كما يشهد على ذلك واقع الحال حيث تتعرض للتهديد والتحرش وهي غير مسافرة، فكيف يكون الحال وهي مسافرة ؟ ألم تصرح وزيرة الأسرة المغربية بمناسبة  الحملة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة أن نسبة الاعتداء على النساء في الأماكن العمومية تجاوزت 70 في المائة حسب إحصاء سنة 2016؟ فإذا كان هذا يحصل في حال الإقامة وفي الأماكن العمومية ،فكيف يكون الأمر في حال السفر وفي غير الأماكن العمومية ؟

وأعتقد أنه لا يكفي أن نجعل النصوص الدينية قرآنا وحديثا  تيجانا فوق رؤوسنا ولا نلزم أنفسنا بالانضباط لها مهما كانت المبررات والظروف ، لأن هذه النصوص لم توجد لتكون مجرد تيجان فوق الرؤوس بل لتؤثر في هذه الرؤوس وقد جعل فيها الله عز وجل عقولا تتفاعل مع أوامره ونواهيه التي ليس وراءها إلا مصلحة الإنسان .

وسوم: العدد 752