حفتر: مَنْ يكاتب أيتام المخابرات المركزية؟
هل كان الجنرال/ الماريشال الليبي خليفة حفتر قد قبل باتفاق الصخيرات، أصلاً، لكي يعلن اليوم «انتهاء صلاحيته»، ويبشّر ببديل له هو «صوت الشعب الليبي الحر»؟ وما الذي يمكن أن تعنيه هذه العبارة الغائمة، سوى رغبة حفتر الجارفة في ترشيح نفسه لرئاسة البلد، استكمالاً لتنصيب نفسه، بنفسه، «منقذاً» للشعب الليبي، وحفار قبر «الإرهاب الدولي» في ليبيا؟
هذه، على نحو متطابق بدرجات عالية مذهلة، هي اللوثة التي سبق أن أصابت ممثّلي العسكرتاريا في قلب بعض الأنظمة العربية، خاصة تلك التي ادعت «التقدم» و»اليسار» و»الاشتراكية» في السابق؛ قبل أن تهتدي إلى، أو تجبرها متغيرات الكون الإيديولوجية على، اعتناق عقيدة (زائفة، مضللة، غوغائية…) بديلة هي «محاربة الإرهاب». الضابط الذي اعتبره معمر القذافي بمثابة ابن له مطلع سبعينيات القرن الماضي، وقائد الحملة العسكرية التي سيّرتها ليبيا ضدّ تشاد سنة 1987، والأسير لدى الجيش التشادي الذي سوف يتخلى عنه سيده العقيد، المعيّن ذاتياً قائد «الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا»، الذي سوف تنقذه المخابرات المركزية الأمريكية وتنقله جواً إلى ولاية فرجينيا بعد انقلاب تشاد المناصر للقذافي… كيف لا تصيبه لوثة التنطح للإنقاذ وللقيادة والرئاسة!
وبالطبع، حين انحنى القذافي أمام الإرادة الأمريكية وأوقف أحلامه النووية، توجب أيضاً أن ترسل له واشنطن بعض الأعطيات، وكان في عدادها تخلّي المخابرات المركزية عن حفتر، الذي رضي بمصير «السعيد بين أحفاده» في فرجينيا كما صرّح؛ وأن تنقله من مصافّ رجل الخدمة إلى لائحة أيتام الوكالة، وهم كثر! عودته إلى ليبيا لم تكن بترتيب أمريكي، إذْ أنّ إدارة باراك أوباما كانت منخرطة لتوّها في صيغة التقاسم التي ستلد اتفاق الصخيرات حول التسوية السياسية، ولهذا فإنّ إدارة دونالد ترامب ليست بدورها في صدد إعادة تجنيده، فالحاجة إليه في ليبيا الراهنة نافلة. أمّا رعاته الإقليميون فإنهم اليوم أكثر انشغالاً بملفات ملتهبة، داخلية خاصة بهم أو إقليمية تمسّ أمنهم القومي مباشرة، من أن يقطعوا أية خطوة ملموسة تداعب أوهام الماريشال الرئاسية.
هل ثمة مَن يكاتب الجنرال/ الماريشال إذن؟ ليس فائز السراج، و»المجلس الرئاسي»؛ ولا عبد الرحمن السويحلي، و»المجلس الأعلى للدولة»؛ بوصفهما ضمن هيئات انبثقت عن اتفاق الصخيرات ذاته، الذي أعلن حفتر دفنه من طرف واحد. وليس عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الموازي في المنطقة الشرقية، لأنه لم يشاطر حفتر في إعلان الوفاة، بل شدّد على النقيض: أي خيار الانتخابات، والحوار مع هيئات المنطقة الغربية. وأمّا أنصاره الضباط فقد بدأت أعدادهم تتناقص لأسباب لوجستية تتصل بتوحيد الجيش الرسمي، وأخرى قبائلية تأخذ ولاءات الضباط إلى مشارب لا تتطابق دائماً مع برامج حفتر؛ فضلاً عن تمركز القوّة العسكرية الأبرز في مصراتة والمنطقة الغربية عموماً، وليس في بنغازي حيث تنتشر الوحدات الموالية للماريشال.
والحال أنّ لجوء حفتر إلى العزف على نغم الرجوع إلى «الشعب الليبي الحرّ دون سواه، فهو الوصيّ على نفسه والسيد في أرضه»، تشير ضمناً إلى شرخ في علاقة التضامن والتكافل التي جمعته مع صالح ومجلس نواب الشرق، من جهة أولى؛ كما توحي، من جهة ثانية، بتآكل حلفائه، أو قلقه من أنّ قبائل فاعلة يمكن أن تنفضّ عنه إلى خطوط تحالف أخرى. وفي كلّ حال، لم يعد خطابه عن تحويل ليبيا إلى مقبرة لـ»الإرهاب الدولي» بضاعة رائجة، تعبوية أو تخديرية، بالنظر إلى عجزه عن استهداف «الدولة الإسلامية» حيث يتوجب أن تُضرب في مواقعها الحصينة، أو فشل العمليات العسكرية المحدودة التي شنتها قواته فعلياً في هذا الصدد.
وفي الحصيلة، يبدو مشروع حفتر سائراً نحو مآلات عجز مفتوحة، تنتهي في جوهرها إلى ردّ الجنرال من حيث أتى؛ في لائحة الأيتام إياها!
وسوم: العدد 752