خطاب "ما بعد بعد الرياض" شعاراً لإيران
لم تقتصر مفاعيل تهديدات إيران أولاً ، ووكيلها (عبد الملك الحوثي) على توجيه الرسائل إلى الداخل، بل كان يسعيان إلى إحداث أثرها الفعال أيضاً على صنّاع القرار السياسي والأمني في الرياض وبعض عواصم دول مجلس التعاون الخليجي، لكن الجديد ــ القديم هو المزيد من المعطيات التي تكشف أن الوعيد وخطابات التهديد تحولت إلى مادة أساسية في الإعلام الإيراني، والذي باتت معه تتصدر الصحف والمواقع الالكترونية المحسوبة على المحافظين والإصلاحيين على حدّ سواء، والتي يُراد من خلالها شن حرب نفسية وبلا هوادة على السعودية وحلفائها الخليجيين .
ومن أبرز المواقف التي بدا حضورها في إيران بشكل شبه يومي، خطاب تهديدي شعاره « ما بعد بعد الرياض »، والتبشير بقرب سقوط الصواريخ لاستهداف «أبوظبي ».
انسجم شعار إيران هذا مع خطاب عبد الملك الحوثي الذي ألقاه قبل أيام، وبات محوراً لأطروحات كثير من برامج التلفزيون الإيراني السياسية لتضليل الشارع الإيراني والإقليمي والدولي بشأن دوافعه وأهدافه، وكأن الحوثي القابع في أحد كهوف "صعدة " معتلياً كومة من " القات " لديه القدرات العملية على صناعة وتطوير الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، بحيث باتت عملية الترويج لهذا "الفتح العظيم " حقيقة غير قابلة للدحض، وباتت مادة إعلامية دسمة على ألسنة الرئيس (روحاني)، ووزير خارجيته، ودفاعه ،وقائد الجيش، والحرس الثوري ....، وهم الذين حوّلوا هذا الخطاب إلى شعار» .
ترى إيران ضرورة شن هذا الشكل من الحرب النفسية من خلال كمبرس ضعيف الأداء، والتلويح بتوسيع مدى حرب الصواريخ سيجبر معه الخصوم الجلوس على طاولة المفاوضات لجهة تحقيق صفقة سياسية ستحسم المعركة لصالحهم في نهاية المطاف ».
تُدرك إيران أنه وبفضل هذه الحرب وبركاتها فإن السعودية قد ابتلعت الُطعم، وأن المصلحة تقضي استنزاف قدراتها في "المستنقع اليمني" قدر المستطاع، وما ترويج جريدة " كيهان " بالأمس بأن الصواريخ الحوثية قد استنزفت مخزون السعودية من صواريخ " الباتريوت "؛ مما سيكبّد الرياض خسائر فادحة في حال إمطارها بالصواريخ الإيرانية القادرة على تدمير بنيتها التحتية والعسكرية والاقتصادية خلال / 12 / ساعة من انطلاقها .
بموازاة ذلك تُروج إيران إلى مقولة مفادها "عندما يهدّد أنصار حزب الله فإن على السعودية وحلفائها تصديقه؛ لأن (عبد الملك الحوثي) – حسب الزعم الإيراني - قائد هذه الحركة قد أعلن عن معادلة ردع جديدة، أكد من خلالها أن "مدى الصواريخ متوسع ومستمر واليد الطولى ستنالُ من أماكن أخرى"؛ لكنه نسي أن تهريب الصواريخ، وتوقيت إطلاقها، وتعيين أهدافها مُرتبط بقرار طهران أولاً وأخراً، ففي الوقت الذي كانت تهدد به إيران السعودية وحلفائها في عاصفة الحزم، كانت الصواريخ الإيرانية تنطلق عبر البريد الحوثي، ووعيد إيراني أن ما بعد صمود ألف يوم مرحلةٌ مغايرة لما قبله.
نحن بالتأكيد كنا بصدد التعليق والتحليل للخطاب الإيراني لمحاولة شرح نقطة، أو توضيح أخرى، لجهة المعاني والدلالات التي تضمنها، أو الرسائل السياسية لجهة التوقيت في الكشف عن حقائق عسكرية سيتكفل الميدان بالإفصاح عن بعض منها في قادم الأيام كما أعلن عن ذلك مساعد قائد الجيش الإيراني حبيب سياري الذي أعلن أن الحسابات العسكرية لأنصار الله دخلت طوراً آخر تتسع معه درجة التوازن في الرعب، بموازاة ذلك فإن بعض التصريحات الإيرانية ألمحت إلى متغير مرتقب في أسلحة الدفاع الجوي الحوثي، ولا نستبعد سهولة استهداف الطائرات المدنية السعودية، وتكلمت بلغة الواثق أيضاً عن تطور كبير في القوة الصاروخية البحرية، وربما سنشهد استهدافاً لناقلات النفط، مما قد يُشير إلى تطور نوعي في المواجهة مع السعودية .
أدرجت إيران نيابة عن الحوثي كذلك مجموعة من الأهداف الجديدة كما رتبتها وسائل الإعلام الإيرانية؛ « كالمطارات ومصافي النفط ومحطات التحلية السعودية ، حيث أصبحت هدفاً عسكرياً»، مطالبة الشركات الأجنبية العاملة لدى دول التحالف بأن «تحزم حقائبها، وتغادر مواقعها هناك »، ومتوعدة أن صواريخ أنصار الله ستنطلق براً وبحراً وجواً، وقد بشر قائد فيلق محمد رسول الله التابع للحرس الثوري الإيراني بمفاجآت حوثية سارة ونوعية خلال الفترة القليلة القادمة،
ما يجعلنا على أعتاب مرحلة جديدة من التصعيد الإيراني المباشر من خلال "وكيله الحوثي" في توجيه مجريات هذه الحرب التي بدأت تأخذ منحى جديد عنوانه دخول إيران بثقل أكبر في الأزمة اليمنية.
والله المستعان .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 752