ماذا لو سقطت دولة ولاية الفقيه ؟؟
منذ أن وضع قائد الثورة التي سماها إسلامية قدميه على أرض طهران قادماً من باريس على متن طائرة فرنسية، والحالة التي صنعها الخميني تثير قلقاً كبيراً في المنطقة .
فمع بداية الإطاحة بالشاه، ووثوب دولة ولاية الفقيه على حكم إيران بدأت فكرة تصدير الثورة التي فتن بها الكثيرون، ولاسيما، وهي ترفع شعار الإسلام، ذلك الشعار الخالد الذي اشتاق إليه العالم العربي والإسلامي منذ سقوط الخلافة العثمانية.
إلا أن تحركات دولة (ولاية الفقيه) سرعان ما كشفت عن وجهها القبيح بعد دخولها في أول مواجهة مع الدولة الجار العراق في حرب استمرت ثمانية سنوات، وعلى الرغم من أن تلك الحرب كانت مؤلمة للجمهورية الوليدة، إلا أنها استفادة منها كثيراً بصناعة تحالفات في زمن الحرب الباردة مكنتها من تطوير قوتها العسكرية والتمسك بفكرة صناعة أذرع لها في المنطقة، استغلت فيها القضية المحورية للمسلمين (العداء مع الكيان الصهيوني) في تقوية حزب الله في لبنان باكورة أذرعها العسكرية والسياسية في المنطقة وخطّ دفاع أول عن جمهوريتهم بعد تحويل الصراع في المنطقة لصراع مذهبي إبان الحرب العراقية - الإيرانية في مشهد لا زال عالقاً في الأذهان عندما كان يعطي الخميني مفتاح الجنة لمقاتليه، ولما كان حزب الله قد نجح بشكل كبير على المستوى السياسي والعسكري في لبنان، فقد شجع ذلك ملالي طهران في المضي قدماً في إعادة التجربة في دول عدة.
واستفادة طهران بشكل كبير من سقوط النظام في العراق، لتسرق بغداد من حاضنتها العربية بشكل كبير لتنفيذ أجندة طائفية تشكل تهديداً جديداً للمنطقة.
وتتوالى الأحداث ليكسب نظام دولة ولاية الفقيه كل يوم أرضاً جديدة في المنطقة من سوريا لليمن لزعزعة استقرار البحرين ناشرة فكرها في محيطها الإقليمي، وما بعده ليصل إلى أفريقيا.
لكن القضية التي لطالما غازله بها العالم العربي والإسلامي، قضية الاحتلال الصهيوني، تراجعت من حالة حرب ومواجهة تسعى فيها لتخليص المقدسات إلى حالة دعم فصيل أو اثنين للعمل بالوكالة.
لكن الصراع الحقيقي الباقي في أيديولوجية وخطاب دولة (ولاية الفقيه) في طهران هو الصراع مع السنة، واختارت السعودية ممثلاً له.
وبعد اندلاع التظاهرات في قم ومشهد وكرمنشاه وأصفهان وغيرهم من المدن الإيرانية، يتساءل البعض: هل هو ربيع إيراني يمكن أن يطيح بدولة ولاية الفقيه ؟
لقد كانت للنظام في ظهران تجربة سابقة مع المظاهرات قادها الإصلاحيون، واستطاعوا قمعها بقوة وبسرعة، لكن الحالة هذه المرة تبدو أكبر من سابقتها .
وعلى الرغم من أن مخابرات وأجهزة أمن النظام كانوا متيقنين من اندلاع تلك الاحتجاجات مسبقاً، وحاولوا بقدر الإمكان توغل في الأوساط الشعبية والعمالية لوأد تلك التحركات، إلا أنهم فشلوا حتى الآن بل، ويتزايد الحراك، وينضم إليه فئات جديدة.
وذلك قد يرجع إلى التحول الذي تشهده إيران ذات الثروات الطائلة، والتي يعاني أكثر من 70% من شعبها طبقاً لما أعلنته بعض المؤسسات الدولية من الفقر، بل إن الإحصائيات الحكومية الإيرانية ذاتها قد أعلنت أن بها / 12 / مليون إيراني يعانون الفقر الغذائي، مع إهدار دولة ولاية الفقيه لثروات ومقدرات البلاد على طموحات وأحلام وأوهام فارسية ينفقون فيها على أذرعهم في لبنان وسوريا واليمن والعراق مع غنا فاحش لهؤلاء دولة (ولاية الفقيه) المتشدقين بالتقشف .
وليس الفقر وحده من دفع الشعب الإيراني للخروج في المظاهرات الحاشدة، بل حالة الفساد المستشري في أوساط الدوائر الحكومية والسياسية المصاحب لحالة القمع الأمني للمعارضين وللعامة، والذي تزامن مع حركات مطالبة بالتحرر في الأحواز وبلوشستان وكردستان، والتي عبّر (محمود علوي) وزير المخابرات الإيراني عن مخاوفه من تزايد وتيرتها، والتي قد تهز بشكل كبير حالة الاستقرار الشكلي الذي يشهده نظام طهران.
لكن ماذا لو حدث وسقط النظام في طهران ؟ :
تداعيات سقوط نظام طهران كبيرة ومتشعبة بتشعب تحركاتها على المستوى الإقليمي والدولي، فالداخل الإيراني سيشهد مطالبات باستحقاق الانفصال أو على الأقل حكماً ذاتياً في كل من كردستان والأحواز وبلوشستان، إلا أن فكرة الانفصال قد تواجه بالرفض من قبل دول إقليمية مثل العراق وتركيا ولن تجد لها دعم من دول أخرى رغم الدعم القائم الآن، وأعني هنا السعودية.
وقد تستفيد السعودية بشكل ما بزوال خطر يهدد أمنها تمثل في ذراع طهران في اليمن المتمثل في جماعة الحوثي، وهو ما سيحرم الولايات المتحدة من صفقات سلاح تنفق بحجة التهديدات الإيرانية، وهو ما كان يراه البعض شكل من أشكال الترضيات السعودية للإدارات الأمريكية لمزيد من العلاقات الوطيدة التي تسهم في استتباب الحالة السياسية في المملكة، المربوطة بشكل كبير بتحالف صيغ في اتفاق كوينسي منذ الأربعينيات من القرن الماضي.
إلا أن ذلك لن يصب بحال في مصلحة الأوضاع في اليمن التي فيما يبدو وبحسب التاريخ لن تسهم الجهود المبذولة في استقرار الأوضاع فيها في ظل محاولات أطراف لتقسيمها و الحفاظ على وضعها غير مستقر.
وعلى الصعيد السوري سيفقد نظام الأسد أهم روافد دعمه عسكرياً ولوجستياً وسياسياً، وهو ما يخفف الحمل كثيراً على الثوار في سوريا رغم القصف المتواصل والدعم المستمر للدب الروسي، والذي أثبت أنه لم، و لن ينجح في النزول على الأرض لذا فاكتفى بالدعم من السماء وفي أروقة المباحثات، والذي سيضعف كثيراً فيما لو سقط النظام في طهران.
وفي لبنان قد يتغير شكل النظام السياسي المفروض بقوة سلاح حزب الله لتشهد الانتخابات القادمة في لبنان تشكيلة برلمانية مختلفة بعد تحول التحالفات السياسية، وما قد يصاحبه من إعادة النظر في القانون المنظم للعملية الانتخابية والذي طبخ من اجل إفراز برلمان يرضي طهران.
أما العراق فلا يبدو تغيراً كبيراً قد يطرأ على شكل الدولة، وإن كان متوقع تخفيف حدة الطائفية لصالح حالة تصالحية نوعياً قد تقودها بعض التيارات مثل التيار الصدري الذي حاول كثيرا عدم الظهور بمظهر المتسق بطهران لصالح حالة وطنية جامعة، وهو ما يعني أن قيادات مليشيا الحشد الذين يعدون أنفسهم لخوض غمار العملية السياسية قد لا يكون لهم مكان في برلمان 2018.
أما بالنسبة لتركيا وإن كان سقوط دولة ولاية الفقيه سيريحها من نفوذ توسعي يقلقها بشكل كبير بعد تمدده في العراق وسوريا، إلا أنه وفيما يبدو لم تستعد أنقرة بل، ولم تتخيل سقوط دولة ولاية الفقيه لذا فهي ترى فيه عائق يمكن الاستفادة منه في إيقاف الحلم الكردي في دولة تخترق جنوبها، فأنقرة فيما يبدو ألفت النظام في طهران ومرتاحة بشكل أو بأخر في التعامل مع نظام فهمته .
وعلى المستوى الدولي وخاصة الأمريكي قد يكون سقوط نظام طهران أحد أسباب فوز (دونالد ترامب) في ولاية ثانية، ولاسيما، وهو يحظى بدعم كبير جداً من اللوبي الصهيوني بعد قراره باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ولاسيما وأن الخطر الذي كان يهدد الكيان الصهيوني كما تدعي كل من حكومة الكيان والإدارات الأمريكية المتعاقبة أنه قد زال.
لكن يبقى السؤال المهم: هل بعد هذه المعطيات يمكن أن يسقط النظام في طهران ؟، وهل إذا ما سقط ستنتج لنا الإدارة الأمريكية نظم مشابهة لتلك التي أنتجت في العراق وأفغانستان؟
ياسر عبد العزيز
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 753