استباحة الأرض العربية
تكاد لا توجد في العالم اليوم أرض مستباحة مثل الأرض العربية . النزاع بين روسيا وأوكرانيا على شبه جزيرة القرم حسم بضمها إلى روسيا حتى وإن لم ترض أوكرانيا بهذا الضم . روسيا بكل بساطة ترى أنها استعادت شبه الجزيرة التي منحها هدية لأوكرانيا في 1954خروتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي الذي كانت أوكرانيا جزءا منه . في الأرض العربية الحال مختلفة وصادمة ، ولإسرائيل التأثير الأول في هذا الاختلاف الصادم للمواطن العربي . فهذا الكيان ولد ولادة قيصرية باغتصاب الوطن الفلسطيني ، وبنزعة توسعية تستهدف تجاوز هذا الوطن إلى الأرض العربية المجاورة . ومثل عدوان إسرائيل في 5 يونيو 1967 ذروة هذا التجاوز . ومن بقايا هذا العدوان احتلالها للضفة الغربية ، وضمها جزءا من الجولان السوري ، والسيادة المصرية المنتقصة على سيناء التي لم تمكن مصر من تعميرها وتأمينها . والخطأ بطبيعته الذاتية يفرخ اخطاء ، وهو ما حدث مع خطأ إقامة إسرائيل في الوطن الفلسطيني ، وهذه المتلازمة المنطقية تحدث في الحرب وفي السلم . في الحرب : تريد إسرائيل أن تؤمن ما اغتصبته في 1948 ، ونالت ما أرادته بالتداعيات التي نجمت عن عدوانها في 1967 حين قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة في الضفة وغزة في 15 نوفمبر 1988 ، وسمت ذلك وثيقة الاستقلال الفلسطيني ، مقرة لإسرائيل ضمنيا بحقها في 78 % من الأرض الفلسطينية ، وهو الإقرار الذي صار رسميا بعد اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 . وفي السلم : يحدث ما نراه الآن . تعرض إسرائيل ، فعلا تعرض ، على الأطراف ذات الصلة بصراعها مع الفلسطينيين ، إضافة 1600 كم من سيناء المصرية إلى قطاع غزة لإقامة دولة فلسطينية تحت إشراف السلطة الفلسطينية ، وربما تحت إشراف حماس ، وحكما ذاتيا للفلسطينيين في الضفة ، شرط الموافقة لها على ضم الكتل الاستيطانية بمساحتها الكبيرة إليها . هي بكل جرأة وقحة تريد أن تعوض خسارة أرض عربية بأرض عربية أخرى كأنها المالك الشرعي لهذه الأرض ، والمقلق المُغِم أننا لا نرى من الجانب المصري والجانب الفلسطيني ، ونقصد السلطة ، موقفا حاسما ينهي هذه الجرأة الإسرائيلية الوقحة . كل ما نسمعه نفي غامض من الطرفين ، وحتى إسرائيل تشارك أحيانا في هذا النفي مثلما فعل مكتب نتنياهو الجمعة الفائتة ، وماضيا استغل الموضوع في مصر لاتهام الرئيس المعتقل محمد مرسي بأنه مؤيد له . إسرائيل حقيقةً تسعى جادة لإنجاح هذا المخطط لما فيه من مطابقة لمصالحها الاستراتيجية والسياسية والأمنية ، وهي دائما بكيفية أو بأخرى بينت أنه لن يكون بين النهر والبحر سوى دولة واحدة ، هي الدولة الإسرائيلية أو اليهودية كما تلح وتصر . وإقامة دولة في غزة وجزء من شمال سيناء سيؤمن لها تحقيق مخطط الدولة الإسرائيلية أو اليهودية الوحيدة بين النهر والبحر . هذا المخطط في حال تحققه ، سيفتح مع مضي الزمن الباب للوجود البشري الفلسطيني في الضفة للتوجه شرقا إلى الأردن سلما أو حربا ، ويجهر بعض الإسرائيليين بهذا المصير لفلسطينيي الضفة ، وستفتح دولة غزة بامتدادها في سيناء الباب للوجود البشري الفلسطيني الثاني للتوجه نحو سيناء ، وبذا تتخلص إسرائيل نهائيا مثلما تعتقد وتتمنى من ثقل وخطر هذا الوجود الذي جسد على مدى 70 عاما من اغتصاب الوطن الفلسطيني القوة الحقيقية الصلبة التي اعترضت مجرى المشروع الصهيوني في فلسطين وفي الجوار العربي ، وظلت شاهدا راسخا وعنيدا على بطلان وهم " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " الذي وظفه الصهاينة لخلق مشروعية واقعية وأخلاقية لجريمة سرقتهم وطن العرب الفلسطينيين . لولا هذا الوجود الفلسطيني في مواطنه الثلاثة ، الضفة وغزة والداخل المحتل ، لانتهت القضية الفلسطينية شعبا وسياسة . وهذه الحقيقة الكبيرة توجب بقوة مقاومة مخطط إسرائيل بشأن دولة غزة بامتدادها السيناوي . محظور علينا كفلسطينيين النظر وراء أفق الجغرافيا الفلسطينية . هذا وطننا الأزلي ماضيا والأبدي مستقبلا ، والصهاينة اللصوص الغرباء هم الأحق بالانقلاع منه . هراء أحمق أن يأتينا مهاجر صهيوني من أوكرانيا أو الأرجنتين ، ويزعم أن أسلافه كانوا في فلسطين من قبل 3000 سنة ! ما الذي قذف أسلافه إلى مثل هذين البلدين وسواهما من البلدان التي تبعد عن فلسطين آلاف الكيلومترات ؟! كلهم جاؤوا من أوطان لا تفرق بين مواطنيها حسب الأديان ، وعاش فيها آباؤهم وأجدادهم متساوين في الحقوق والواجبات تساويا لا تنتقص منه الخلافات التي تحدث أحيانا بين مواطني المجتمع الواحد لدواع معينة قد يكون منها الداعي الديني ، إنهم في فلسطين مهاجرون معتدون لا أكثر ولا أقل على أرض لا صلة لهم بها ، وسليمان _ عليه السلام _ الذي صدعوا رأس الدنيا بحكاية تمسكهم بهيكله لا يزيد في رأيهم عن " ساحر يركب الريح " مثلما قالوا حين نزل القرآن متحدثا عن نبوته . وما زالت الأوطان التي هاجروا منها مفتحة الأبواب لهم ، وكثيرون منهم مازالوا يحتفظون بجنسياتها ، حتى بعض الدول العربية مثل المغرب وتونس ترحب بهم كمواطنين . الغرب لأهدافه الخاصة ، والصهيونية كحركة قومية غربية ، صنعا خطأ أو خطيئة إقامة إسرائيل في أرض لا علاقة لهما بها ، وعليهما أن يصححا هذا الخطأ وحدهما . وإذا كان الوهن العربي ، والتهاون العربي ، والتخاذل العربي ، والتخاون العربي ، وسواها من الموبقات العربية ، لا تقدر على إجبار الغرب والصهاينة على الإقرار بخطئهما الخطيئة ، فالحد الأدنى من الواجب الفطري لحفظ الذات ألا نفتح لهما الباب واسعا لتصحيحه بالمزيد من استباحة الأرض العربية .
وسوم: العدد 755