الرسالة الأخيرة للإمام الشهيد حسن البنا
في 8 ربيع الآخر سنة 1370 هجرية الموافق 16 يناير 1951 نشرت مجلة المباحث اخر رسالة من الامام الشهيد حسن البنا الى الاخوان المسلمين
نص الرسالة ......
ايها الإخوة الفضلاء :
أتقدم إليكم جميعا مهنئا بما كتب الله لكم من توفيق وما أجراه على أيديكم من خير وما اختصكم به من ثبات على كلمة الحق مهما تقلبت الإحداث وطالت الأعوام
كما أتقدم اليكم مذكرا بخصائص دعوتكم بين الدعوات وعظيم تبعتكم في هذه الأوقات، فاذكروا أيها الإخوان إنكم الكتيبة المؤمنة التي انتهى إليها في هذا العصر المادي المظلم بالشهوات والأهواء والمطامع واجب الدفاع عن كلمات الله ورسالاته والمحافظة على أحكام شريعته وآياته ودعوة الإنسانية التائهة في بيداء الحيرة إلى الصراط المستقيم فأنتم بذلك تهتفون بأكرم دعوة وتنادون بأقدس منهاج
لن يضيرنا أن ليس لنا دولة ولا صورة ، فقوة الدعوات في ذاتها ثم في قلوب المؤمنون بها ثم في تأييد الله لها
ايها الإخوة الفضلاء:
إن العالم الآن تتجاذبه شيوعية روسيا وديمقراطية أمريكا وهو بينها مذبذب حائر لن يصل عن طريق أحداهما إلى ما يريد من استقرار وسلام وفى أيديكم انتم قارورة الدواء من وحى السماء، فمن الواجب علينا أن نعلن هذه الحقيقة في وضوح وندعو إلى منهاجنا الاسلامى في قوة ، ولن يضيرنا إن ليس لنا دولة ولا صولة فان قوة الدعوات في ذاتها ثم في قلوب المؤمنين بها ثم في حاجة العالم إليها ثم في تأييد الله لها متى شاء ان تكون مظهر إرادته واثر قدرته
وان الأربعمائة مليون مسلم الذين تمتد من المحيط إلى المحيط لن يظلوا أبدا عبيد الاستعمار الذي ضرب عليهم في غفلة من الزمن وترادف المحن وتطورت الأوضاع العالمية
وان كل شبر ارض فيه مسلم يقول لا أله إلا الله محمد رسول الله هو جزء عزيز من وطننا نطلب له الحرية والتخلص من نير الاستعباد الاجنبى الظالم ونكافح في سبيل ذلك بكل ما أوتينا من قوة
وأن هذا الوطن من حدود اندونيسيا شرقا إلى حدود الدار البيضاء غربا يجب إن ينعم بالحرية والوحدة والسلام في ظل الروابط والنظم والأوضاع التي قررها له القران الكريم وهداه إلى الإسلام دينه وعقيدته ونظامه وشريعته
ولقد كان من حسن حظنا إن نشهد ذلك العصر الذي تقف فيه الصهيونية العالمية متحدية الأمم العربية والإسلامية معتدية على مقدساتها بالحديد والنار وانأ نقبل هذا التحدي معتقدين إن الله تبارك وتعالى قد ادخر لنا فضل مقاومة هذا العدوان والقضاء عليه
أيها الإخوة الفضلاء:
إذا كان الكثير من ساسة الأمم العربية والإسلامية وقادتها من تلامذة المدرسة الاستعمارية قد أضاع علينا كل ما أتاحته الحرب الماضية – حرب 48 – من فرص ومناسبات لما طبعتهم عليه عوامل البيئة الاستعمارية التي عاشوا في ظلها من فقر في المواهب وخوف من الغاضب وفقدان للثقة بالنفس وبالله وبقوة الشعب وحرص على الاستفادة والتزيد من الجاه والمال والمنصب وحقد وحسد واختلاف وتردد وإحجام عن أداء الواجب وفرار من الجهاد إلى إعطاء الدنية وإيثار أساليب الدعة والاستسلام، فإن عليكم انتم وقد استروحتم نسمات العزة من الإيمان بالله واستمددتم ارفع معاني القوة من تأييده ونصره
أن تتداركوا ما قالت وان تصلحوا ما افسد البشوات والخواجات والله معكم وهو لأعدائكم بالمرصاد ومهزوم من يحارب الله ويغالب القدر " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
إن الله ميزكم بالانتساب إلى الدعوة فاحرصوا على التميز بآدابها
أنتم الكتيبة المؤمنة التي انتهى إليها في هذا العصر واجب الدفاع عن كلمات الله والمحافظة على شريعته وآياته وشعائرها بين الناس
واصلحوا سرائركم وأحسنوا أعمالكم واستقيموا على أمر الله وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وتوجهوا بالنصيحة في رفق ولين إلى الناس أجمعين
استعدوا للبذل والاحتمال والجهاد بالنفس والمال وأكثروا من تلاوة القرآن وحافظوا على الصلوات في الجماعات واعملوا لوجه الله تعالى مخلصين له الدين حنفاء وانتظروا بعد ذلك تأييد الله وتوفيقه ونصره " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز "
وان اخص ما أوصيكم به بهذه المناسبة أن يكون شعارنا النظافة: في الضمير والتفكير وفى اللسان وفى السير وفى الثوب وفى البدن وفى المطعم والمشرب والمظهر والمسكن والتعامل والمسلك والقول والعمل
وان ما وصى به الرسول عليه الصلاة والسلام أمته " تنظفوا حتى تكونوا كالشامة بين الأمم "
وما أجملها إشارة وأرقها عبارة أن يكون أول فقهنا في العبادات الطهارة وفى الحديث الصحيح " مفتاح الجنة الصلاة ومفتاح الصلاة الطهور " وصدق الله العظيم " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفقير إلى الله تعالى
حسن البنا
وسوم: العدد 820