الموازنة بين الطموح والإمكانات
كتب الشيخ يوسف القرضاوي(*) يقول: « من الواقعية التي تحتاج إلى تثبيتها في فكرنا: أن نوازن بين طموحنا وإمكاناتنا، بين ما نصبو إليه وما نقدر عليه، فلا نورط أنفسنا في أمور لم نعد لها العدة، ولم نهيء لها الوسائل اللازمة.
إن القرآن يجيز للمقاتل أن يفر من الزحف إذا كان (متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة).
ويرخص له في حالة الضعف أن ينسحب من المعركة ، إذا كان جيش العدو أكثر من ضعف جيش المسلمين (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مئتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين) (سورة الأنفال:66).
وفي معركة مؤتة كان جيش الروم أضعاف جيش المسلمين (كان جيش المسلمين ثلاثة آلاف وجيش الروم يقدر بنحو 150 ألفا).
وهذا ما جعل القائد العبقري خالد بن الوليد يخطط لانسحاب المسلمين بسلام ولا يغامر بهم في معركة تشبه الانتحار.
وبعد رجوعه مع أصحابه إلى المدينة استقبلهم المتحمسون من شباب المسلمين بالحصى يرمونهم به، واصفين إياهم بأنهم (الفرار)!
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم دافع عنهم قائلا: بل هم الكرار إن شاء الله.
إن القائد الحكيم هو الذي يحرص على حياة جنوده، وهذا ما جعل عمر في أول الأمر يتهيب من غزو الروم قائلا للذين يحرضونه على ذلك: والله لمسلم واحد أحب إلي من الروم وما حوت!
والمسلم البصير هو الذي لا يورط نفسه فيما لا يستطيعه، والله تعالى يقول: (فاتقوا الله ما استطعتم) (سورة التغابن:16).
وفي الحديث "لا يحل لمسلم أن يذل نفسه. قيل: يا رسول الله، وكيف يذل نفسه؟ قال: يحملها من البلاء ما لا يطيق".
ومن الخطأ الذي يمكن أن تقع فيه الحركة الإسلامية، استجابتها لعواطف العامة في اتخاذ القرارات المصيرية والهامة.
ففي بعض البلاد قد يدفع الشارع المسلم بعض قادة الحركة إلى خوض المعركة السياسية بكل قوتهم وطاقتهم، قبل أن تنضج قدراتهم الفكرية والسياسية والفنية لمثل هذه المرحلة.
وبذلك يحملون أنفسهم أكثر مما تطيق، وهذا من أسباب الإخفاق من غير شك.
وهذا قد تدفع إليه العجلة، وسوء تقدير العواقب، والمبالغة في تقويم قدرات الذات، والتقليل من إمكانات الغير.
وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يأبى على أصحابه في مكة أن يبدؤوا صداما مسلحا مع قوى الشرك، وإن آذوهم وعذبوهم، وكان يقول لهم: "كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة".
حتى هيأ الرسول أرضا حرة، وقاعدة صلبة للانطلاق، فبدأ منها الجهاد والصدام، ونزل في ذلك قوله تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) (سورة الحج: 39)» .
-----------
(*)من كتابه: أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة - الباب الثالث" الحركة الإسلامية في مجال التربية والتكوين
وسوم: العدد 820