ترامب ليس أميركا
قولوا عني إنني متفائل لا أمل له في تفاؤله إلا أنني موقن أن الولايات المتحدة ونحن معها سنجتاز عقبة هذه الرئاسة المجنونة ، ذلك أنني ببساطة لا أعتقد أن ترامب سيغير أميركا أو حتى العالم تغييرا جوهريا . أميركا في كثير من جوانبها كبيرة كبرا لا يصدق ، ومتنوعة ومتعددة ، وذات نظام قانوني صارم ، ولا تزال ديمقراطية مثيرة للدهشة والإعجاب ، وشعبها واثق من نفسه ، ولا يسلس قياده لأحد بسهولة ، والرئيس فيها ليس مطلق اليد ، وكل صنوف المؤسسات القوية والقوانين الصارمة فيها نافذة المفعول لضمان كبح سلطته ، ومن ثم أنا موقن تماما أنه ما من رئيس يجد الحكم فيها سهلا ميسورا . وبديهي أن لترامب أنصاره ، وهم على استعداد حتى للمشي فوق الفحم المتقد مناصرة له غير أن سائر مواطني البلاد إما أنهم لا رأي واضحا لديهم عنه ، وإما أنهم يعارضونه بصورة واضحة . ولاحظت أن هؤلاء المواطنين لم يتواروا ، أو يغلقوا على أنفسهم الأبواب لكون ترامب يلي السلطة ، فكثيرون منهم يتساءلون حول سياسته ، ونجد هؤلاء في الإعلام والجامعات والكونجرس والولايات ذات النزعة التحررية مثل كاليفورنيا ونيويورك ، وهم يبطئون تحركه بتكديس ملفات القضايا ضد أفعاله ، وينغصون راحة باله ، ويشاغلونه ، ويصعدون الاحتجاجات في مواجهته . وقد يكون بعض الأميركيين متشائمين إزاء مستقبل بلادهم إلا أنني بوصفي أوروبيا أحسب كل ما يحدث في أميركا الآن رمزا مؤثرا دالا على عنفوان المجتمع الأميركي والديمقراطية الأميركية ، فترامب ليس أميركا ، والمؤكد أنه تصور أن رئاسته أسهل كثيرا مما بان حتى الآن يوم ألقى خطاب استهلال رئاسته المظلم قبل عام على درجات مبنى الكابيتول في واشنطون ؛ إذ وعد يومئذ أن يفعل كل شيء بطريقة مختلفة ، وأن يجدد أميركا تجديدا كليا في السياسة والاقتصاد والمجتمع ، وأعلن ثورة ترامب الجوهرية الكبرى ، ولكن ما رأيناه حتى الآن لا يتعدى في أحسن الأحوال وصفه ب " ثورة صغرى " . صحيح أن الاقتصاد يسير في سلاسة إلا أن هذه السلاسة وليدة الدورة الاقتصادية العادية ، وكان في إمكان أي رئيس جمهوري آخر أن يطبق خطة ترامب الخاصة بالضرائب ، وهو بدلا من إلغاء قانون أوباما الخاص بالرعاية الصحية دفعه بكل بساطة نحو الأردأ . وفي ما يتصل بقضية الهجرة نرى كل ما قدمه حلولا ترقيعية متشددة ، زد على ذلك أنه من غير الوارد أن يحصل على تمويل لخطته الخاصة بالبنية التحتية التي يفرط في امتداحها ، ولا لبناء سور على الحدود مع المكسيك دون موافقة الديمقراطيين ورضاهم .
*رونالد نلز . دير شبيجل الألمانية
وسوم: العدد 759