الإجازة المدرسية
يدق الجرس معلنا بدء الإجازة المدرسية بأسابيعها الستة ، وينفجر التلاميذ في حبور عارم مفكرين في الإجازة التي ستحررهم من الدروس المدرسية الكئيبة ، ويهتفون " الحرية ! " . ويتنفس المعلمون تنفس الارتياح ، فهم أيضا يُحبَرون بالحرية التي ستأتيهم بها الإجازة . إن مهنة المعلمين جلابة ضغط شديد ؛ إذا يبقون التلاميذ في المقاعد يوما دراسيا تاما ، وبعض هؤلاء التلاميذ قد يكون جم النشاط والشغب ، وبعضهم قد يكون سيء السلوك ، ليس من السهل السيطرة عليه . وأهلهم ربما يكونون عاجزين عن ضبط واحد منهم فحسب بينما على المعلمين أن يتعاملوا مع 40 تلميذا في ذات الوقت . أضف إلى ما سبق أن مهنة التعليم مملة مسئمة بذاتها . فالمعلمون مجبرون على إعداد الدروس كل يومين ، وعلى الوقوف أمام فصل بعد فصل ، ومن شأن الإجازة أن تهبهم فسحة للاسترخاء ، ولإعادة شحن بطارية طاقتهم . زد على ذلك أنه في وسع المعلمين حضور دورات دراسية في الإجازة الطويلة تمنحهم أفكارا إضافية ، وبراعات وإلهاما . وتمنح الإجازات الطويلة متنفسا للتلاميذ أصحاب الطبيعة النشطة الذين ينحبسون ساعات طويلة في فصول كثيرة العدد ، ويواجهون بعد الدوام المدرسي أكداسا من الأعمال المنزلية . وفوق ذلك ، يضطر بعض التلاميذ إلى تلقي دروس خاصة إضافية في المواد التي يعانون فيها ضعفا ، أو يأخذون دروسا في البيانو أو الكمان أو القيثار أو الباليه أو فنون القتال .
وبداهة لا يجد بعض التلاميذ مع هذه النشاطات الكثيرة وقتا لاختيار ممارسات يحبونها في وقت فراغهم ، فليس لديهم وقت " للتوقف والنظر " ، وليس لديهم أيضا وقت للتواصل مع أفراد أسرهم وأقاربهم . ومن شأن الإجازات الطويلة أن تمنحهم المجال للقيام برحلات مع أسرهم ، بل يكون في وسعهم قضاء شيء من الوقت مع أقاربهم القاطنين بعيدا عنهم ، ويمكنهم المشاركة في نشاطات إثرائية مثل القيام برحلات دراسية إلى بلد أجنبي ، أو شهود معسكرات الشباب مثل معسكر " الرابطة الخارجية " ، وهذا يعين على إنماء شخصياتهم . على أننا يجب أن ننظر نظرة واقعية إلى الناحية الأخرى من القضية : كم من أسرة يمكن أن ترسل أبناءها في رحلات ميدانية خارج البلاد أو إلى دورات " الرابطة الخارجية " ؟! الواقع أن الأبوين في أسر كثيرة يكونان خارج المنزل في العمل طول النهار ، ومن أثر هذا ترك الأبناء دون رقيب ، وهذا خطر على صغارهم ، وأما كبارهم فقد ينجرون إلى أمور ليست مرغوبة ومخالفة لسلوكيات المجتمع مثل السرقة والانضمام إلى العصابات ، والقمار والمخدرات . أضف إلى ذلك أن بعض التلاميذ لا يتلقون تعليما منظما إلا في المدرسة ، وقد يؤدي بعدهم المديد عن دروسهم إلى تراجع بعضهم تراجعا سيئا في مهاراتهم التعليمية . وفي الختام نقول : الإجازة الطويلة نافعة لبعض التلاميذ ، وليست نافعة لبعضهم بالقدر نفسه . أما المعلمون الذين يحتاجون إلى فسحة من رتوب ( روتين ) عملهم الممل الضاغط على نفوسهم فالمؤكد أنهم سيرحبون بهذه الفسحة في الإجازة الطويلة . كما أن الإجازة الطويلة تتيح إمكانات لأبناء الأسر المتميزة للمشاركة في النشاطات الإثرائية خارج المدرسة بينما هي ضارة لأبناء الأسر الأدنى تميزا . وفي رأيي أن إجازة المدارس لا ينبغي أن تكون طويلة حرصا على المصلحة العامة . أما إذا تحتم أن تكون الإجازة الطويلة جزءا من السنة الدراسية فالواجب تقديم بعض النشاطات والخدمات لأبناء الأسر الأدنى تميزا لتشغلهم بطريقة مجدية وآمنة .
وسوم: العدد 805