حكاية صينية / لا تغضب!
رأى الحكيم الصيني كونفوشيوس اثنين من تلاميذه يشتجران ، أحدهما دمث الخلق يلقبه التلاميذ المسالم ، والآخر حسن العقل ، طيب القلب إلا أنه تنتابه بين الحين والآخر نوبات غضب عارم ، فهو إن رغب في شيء فعله دون أن يجسر أحد على منعه من فعله ، وإن حاول أحد منعه من فعل ما يرغب فيه انتابه غضب عارم مخيف . ومرة ، عقب إحدى نوبات غضبه ، سال الدم من فمه ، فانتابه الهلع ، وقصد معلمه كونفوشيوس ، وسأله : " ماذا أفعل بجسمي ؟! أخاف أن أموت قريبا ، والأحسن لي ألا أدرس وألا أعمل . أنا تلميذك ، وتحبني حب الأب ابنه ، فقل لي ماذا أفعل لأحمي جسمي ؟! " .
فأجابه كونفوشيوس : " يا تزي لو ! فكرتك خاطئة عن جسمك . مشكلتك ليست في دراستك ، ولا في عملك في المدرسة . مشكلتك في غضبك العارم ، وسأعينك على فهم هذه الحقيقة . تذكر يا تزي شجارك مع نو وي ، هو هدأ وبدا سعيدا بعد وقت وجيز من الشجار إلا أنك أخذت وقتا مديدا حتى غلبت غضبك ، وليس لك أن تتوقع أن تعمر طويلا ما دمت تسلك على هذه الشاكلة . تغضب غضبا عارما متى قال أحد التلاميذ شيئا لا تحبه ، وفي مدرستنا ألف تلميذ ، ولو تأذيت من كل تلميذ أذية واحدة فستغضب غضبا عارما ألف مرة هذه السنة ، وحتما ستموت إن لم تضبط نفسك . أحب أن أسألك جملة أسئلة :
_ ما عدد أسنانك ؟
_ اثنتان وثلاثون يا معلمي .
_ كم لسانا لك ؟
_ واحد .
_ كم سنا فقدت ؟
_ واحدة وأنا في التاسعة ، وأربعا وأنا في حوالي السادسة والعشرين .
_ماذا عن لسانك ؟ أما زال على ما تحب ؟
_ نعم .
_ هل تعرف من جن الذي بلغ من عمره عتيا ؟
_ نعم ، أعرفه .
_ كم تقدر عدد أسنانه حين كان في مثل عمرك ؟
_ لا أعرف .
_ كم سنا في فمه الآن ؟
_ أحسبها اثنتين ، لكن لسانه في أحسن حال وإن كان بلغ من عمره عتيا .
_ انتبه إلى أنك فقدت بعض أسنانك لكونها قوية ، وتعزم على كسب كل ما تحب ! هي صلبة ، وآذت لسانك كثيرا إلا أنه لم يؤذِها ، ومع هذا يمكث سليما حتى النهاية بينما أسنان الإنسان أول ما يتلف منه . اللسان مسالم ورقيق في معاملة الأسنان ، لا يغضب البتة ، ولا يشاجرها حتى حين تخطىء في حقه . ودائما يعينها على تأدية وظيفتها في تهيئة غذاء الإنسان وهي التي لا تعينه البتة ، ودائما تتصدى لكل شيء ، وهذه حال الناس : أشدهم عنادا أولهم تلفا ، وهو مصيرك يا تزي إن لم تتعلم كيف تضبط نفسك .
*هذه الحكاية منسوبة في موقع " القصة القصيرة " الأميركي إلى الحكيم الصيني كونفوشيوس مع أنها مثلما نرى محكية بضمير المفرد الغائب . ( ح .ص ) .
وسوم: العدد 818