أسطورة / علة ملوحة مياه البحر
عاش في الصين في قديم الزمان أخوان ، أكبرهما وأقواهما وانج الذي كان لا يكف عن مضايقة أخيه الصغير وتكدير حياته ، ولما مات أبوهما لم تسوَ أمورهما تسوية عادلة حسنة ، فغدت حياة الأخ الصغير وانج لا تطاق ؛ لأن وانج الكبير احتكر ميراث الأب كاملا : البيت الجميل والجاموسة وسائر المال ، ولم ينل وانج الصغير شيئا البتة ، فحل البؤس في بيته سريعا حتى إنه لم يُلفِ فيه يوما إلا حبة أرز واحدة ، واضطر للذهاب إلى أخيه حتى لا يهلك جوعا ، وحين بلغ بيته حياه وخاطبه بهذه الكلمات : أخي الكبير ! هبني حفنة أرز !
إلا أن أخاه الذي كان مشهورا ببخله العتي أبى أن يعينه ، فانصرف خائب المسعى لا يدري ماذا يفعل ، وبعد تفكير قصد للصيد في شط البحر الأصفر . وهنا لم يوافقه الحظ ، فلم يصد حتى أصغر سمكة في البحر ، ورجع إلى البيت خالي اليدين ، نَكيس الرأس ، مثقل القلب حسرة وغما . وبغتة لمح رحى في متن الطريق ، فحدث نفسه وهو يرفعها : قد تكون دائمة الفائدة !
وحملها إلى بيته ، وسألته زوجته حين رأته : كان صيدك طيبا ؟! أحضرت كثيرا من السمك ؟!
فأجابها : لا يا زوجتي ! لم أجد أي سمك ، وجئتك برحى !
فقالت : وانج الصغير ! تعلم حسنا أننا ليس لدينا ما نطحنه بها ، لم يبق في البيت ولا حبة أرز .
وحط وانج الرحى على الأرض ، وركلها بقدمه مستاء مغتاظا ، فأخذت تدور وتدور طارحة ملحا بكميات كبيرة ، ثم تسارعت في دورانها طارحة المزيد والمزيد من الملح ، وسر وانج وزوجته سرورا عظيما بهذا الرزق المفاجىء الذي يتوالي بتوالي دوران الرحى ، فكبرت كميته وتعاظمت . ودهم وانج شعور بالخوف ، وتساءل كيف يوقف دورانها ، فما هُدي إلى وسيلة ، وفكر ودبر ، وباغتته فكرة إدارتها عكسيا ، فتوقفت في التو . وصار من ذلك اليوم يركل الرحى بقدمه كلما احتاج إلى شيء في البيت ، فيحصل على ملح يقايضه مع جيرته بحاجته ، وبهذا عاش مع زوجته في أمان واقٍ من غوائل العوز . وعلم أخوه الكبير سريعا بسعادته الجديدة ، فانتابه الحسد ضاريا ملهبا ، فقدم إليه ، وقال : أخي الصغير! هبني رحاك !
فآثر وانج الصغير استبقاء لُقطته لنفسه إلا أنه كان يجل أخاه الكبير إجلالا عميقا ، فلم يجترىء على صد رغبته . وكان وانج الكبير متلهفا على أخذها حتى إن وانج الصغير لم يجد وقتا كافيا ليشرح له كيفية توقيفها ؛ إذ حين هم بالشرح كان قد ابتعد بها لطمعه فيها . وما لبث بيته أن انهار لتتابع صوتها الخشن ، فطغى شعوره بالرعب ، ولم يدرِ كيف يوقفها ، ففكر في تشغيلها خارج البيت القائم على ربوة ، فانحدرت بذاتها من على سفح الربوة ، وتابعت دورانها في البحر حتى توارت في عبابه ، ولم يذهب أحد لإيقافها بتشغيلها عكسيا ، وهذه علة ملوحة مياه البحر !
*موقع " قصص وأساطير قصيرة " الفرنسي .
وسوم: العدد 850