الشاعر الإنجليزي وليم وردزورث .. حياته وشعره ( 1770 _ 1850 )
*1791 _ 1792 : وجوده في فرنسا في مطلع الثورة .
*1797 : مع أخته دوروثي في ألفوكسدن بمقاطعة سومرست شاير قريبا من الشاعر كوليردج
في شمال ستاوي .
*1798 : ظهور الطبعة الأولى من ديوان " قصائد قصصية غنائية " .
*1799 : استقراره مع دوروثي في جراسمير في منطقة البحيرات .
*1800 : الطبعة الثانية من " قصائد قصصية غنائية " في ديوانين مع مقدمتها الشهيرة .
*1807 : صدور " قصائد في ديوانين " خاتمةً لعشرية شعرية عظيمة في حياته .
ولد وردزورث في كوكرماوث غربي كمبرلاند على الحافة الشمالية لمنطقة البحيرات الإنجليزية ، وأرسل عند وفاة أمه وهو في الثامنة إلى مدرسة هوكزهيد قرب بحيرة إستويث في قلب ذلك الإقليم الشحيح السكان الذي قدر لوردز ورث وللشاعر كوليردج تحويله تاليا إلى مركز للشعر الإنجليزي . وسكن وليم مع إخوانه الثلاثة في كوخ السيدة آن تايسون التي هيأت للصبية الأربعة بعض الراحة ومنحتهم كثيرا من الحب ، وحرية الحركة في الريف وفق مشيئتهم ، فقضى وليم الذي اتصف بالقوة والعزم ، والمزاجية أحيانا ، أيامه الحرة ، وأحيانا " نصف لياليه " في التريض والتنزه والتي وصفها في الديوانين الأولين من " الاستهلال " " يعب من " ( إذا استعملنا إحدى استعاراته المكنية الأثيرة لديه ) مجالي الطبيعة وأصواتها ، ويتعرف حياة قاطني الأكواخ ، والرعاة ، وجوابي الآفاق الذين طافوا في خياله وأحلامه في شعره الذي كتبه في أخريات حياته . ووجد في ذلك الزمان الباكر من حياته الوقت الوافي ليقرأ نهما شرها في كتب مدير مدرسته الشاب وليم تايلور الذي شجع ميله إلى الشعر .
وتوفي جون وردزورث ، والد الشاعر ، فجأة ، ووليم في الثالثة عشرة ؛ مخلفا لأولاده الخمسة المبلغ المالي الكبير الذي كان يدين به إليه اللورد لونز ديل الذي سبق أن اشتغل عنده وكيلا محاميا ، ومديرا لمزرعته الكبيرة . وامتنع ذلك النبل الفظ الشكس الميال للخصام عن سداد الدين حتى وفاته في 1802. ومع ذلك ، كان وردزورث مقتدرا على الالتحاق في 1807 بكلية القديس جون ، في جامعة كمبريدج ، التي لم يجد في منهجها الدراسي المحدود إلا القليل الذي يحبه ، ونال شهادة بكالوريوس الآداب في 1791 دون تفوق . وقام في صيف سنته الثالثة في كمبردج ( 1790 ) مع صديقه الحميم في الكلية ، الويلزي روبرت جونز ، برحلة جاب فيها فرنسا ومنطقة الألب ( وصفها في الجزء الخامس من " الاستهلال " في الوقت الذي كان الفرنسيون يحتفلون فيه مبتهجين بالذكرى السنوية لسقوط الباستيل ) . وأمضى بعد تخرجه في كمبريدج أربعة أشهر في لندن ؛ قام خلالها برحلة أخرى مع روبرت جونز عبر ويلز ( في ذكرى صعود جبل سنودن في " الاستهلال " الخامس عشر ) ، قفل بعدها وحده إلى فرنسا لإتقان الفرنسية بقصد التأهل معلما متجولا لها .
وفي تلك السنة ( بين نوفمبر 1791 وديسمبر 1792 ) صار وردزورث " ديمقراطيا " متحمسا ، ومؤمنا جديدا بالثورة الفرنسية التي بدت له ، ولكثيرين غيره من أهل القلوب السخية العواطف ، واعدة ب " تجديد جليل " . وتوله في هوى آنيت فالون الابنة المتطيشة والحنون القلب لجراح فرنسي من بلوا . وبان جليا أنهما يعتزمان الزواج على ما بينهما من التباين في المذهب الديني ، وفي الأهواء السياسية (كانت آنيت من أسرة كاثوليكية عريقة ، ملكية في أهوائها السياسية ) . وأجبرت الحاجة إلى المال وردوز ورث على العودة إلى إنجلترا حالما أنجبا ابنتهما كارولين ، وحال نشوب الحرب بين إنجلترا وفرنسا دون التئام شمله ثانية مع آنيت ، فتباعدا عاطفيا تباعدا بدا معه أنه لا أمل في التئام شملهما التئاما دائما مفيدا .
ودنا وردزورث من شفا الانهيار النفسي لشعوره بالذنب نحو زوجته وابنته ، ولتمزق ولائه بين إنجلترا وفرنسا ، ولخيبته التي شعر بها تدريجيا من مسار الثورة في فرنسا ، ووصف كل هذه المرارات في الجزء العاشر والجزء الحادي عشر من " الاستهلال " ، وقاده سأمه وضناه من التناقضات التي يعيشها إلى " التخلي قانطا عن القضايا الأخلاقية " . وتعد مقاساته ، وشبه انهياره النفسي ، وجهده الموفق بعد قطيعته الصارمة مع ماضيه " لعقد زواج ناجح مع ذاته الحقيقية " ؛ التجارب التي أرست أساس قصائده العظيمة . وفي تلك المرحلة من حياته ، توفي صديقه الشاب ريزلي كالفرت ، وترك له مبلغا من المال بالكاد يكفيه ليعيش به ، وبالمبلغ الزهيد الذي يعود عليه من شعره . واستقر في كوخ بلا إيجار في ريسدوان بدورسيت شاير مع أخته المحبوبة دوروثي التي بدأت في ذلك الحين عملها المتواصل بصفتها المؤتمنة على أسراره ، وملهمته ، والقائمة بأعماله . وفي ذلك الحين أيضا ، التقى بالشاعر صامويل تايلور كوليردج ، وانتقل بعد عامين من التقائهما إلى الفوكسدن ليكون على مقربة من كوليردج الذي كان في شمالي ستاوي على مبعدة أربعة أميال . وبعد انتقاله إلى الفوكسدن ، وتمام شفائه فيها ، ولج وهو في السابعة والعشرين ربيع حياته الشعرية متأخرا .
ولمح كوليردج حتى حين كان وردزورث لا يزال طالبا في كمبريدج سمات عبقريته في قصيدته غير التقليدية التي كتبها عن رحلته في منطقة الألب ، وهي "صور وصفية " التي نشرت في 1793 . وبعد تخرجه أثنى عليه دون تحفظ واصفا إياه ب" أحسن شعراء العصر " . وكان الاثنان يلتقيان يوميا ، ويتحدثان ساعات عن الشعر ، وينظمانه . وكان اتحادهما وثيقا جدا حتى فقدا كل شعور بالخصوصية الفردية في نظم الشعر ؛ إذ نجد نفس العبارات تتردد في قصائدهما ، وفي اليوميات الخفيفة التي احتفظت بها د وروثي . واشترك الاثنان في بعض الكتابات ،وتبادلا الأفكار والفقرات بحرية . وتولى كوليردج إكمال القصائد التي خلفها وردز ورث منقوصة . وأثمرت جهودهما الموحدة ديوان شعر صغيرا نشراه غفلا من اسميهما في 1798 بعنوان " قصائد قصصية غنائية مع قصائد أخرى قليلة " ، واستهلاه بقصيدة كوليردج "الملاح القديم " ، إضافة إلى ثلاث قصائد أخرى من نظمه ، وعدد من حكايات وردز ورث الشعرية ، ومقالات نفسية عن بعض الناس البسطاء ، وثمة بعض القصائد الغنائية التي بدا فيها تأثير إحدى الغابات الخضراء عليه . ويختم الديوان بقصيدة وردز ورث العظيمة من الشعر المرسل بطابعها الوصفي التأملي (ليست قصصية غنائية ) ، ولكنها إحدى " قصائد أخرى " ،وعنوانها " دير تنترن " . ولم يعلن أي ديوان شعر بالإنجليزية انطلاقة أدبية جديدة مثلما أعلن هذا الديوان المشترك بين الشاعرين .
وكتب الناقد وليم هازلت أنه حين سمع كوليردج يقرأ بصوت عالٍ بعض هذه القصائد ؛ سيطر عليه الشعور ب " إحساس جديد وروح جديدة في الشعر" مع شيء من التأثير " يشبه التأثير الذي يحدث عند حرث الأرض وظهور الثرى ، أو هبوب أول أنسام الربيع " إلا أن مراجعي الكتب المختصين كانوا أدنى حماسة للديوان .
ومع ذلك نفد ديوان " قصائد قصصية غنائية " في عامين ، فنشر وردزورث طبعة ثانية في 1800 تحمل اسمه ، وأضاف إليها ديوانين آخرين معظم قصائدهما كتبت في الحنين إبان مشتاة طويلة وقاسية وباردة عاشها مع دوروثي في جوسلر بألمانيا في 1798 _ 1799 . وأعلن في المقدمة الشهيرة لهذه الطبعة ؛ تلك المقدمة التي خطط لها بالتشاور مع كوليردج شأنها شأن كثير من القصائد ؛عن مبادىء النقد الجديد العقلاني للشعر الجديد . ومن القصائد الهامة التي كتبها في تلك الفترة التي تميزت بوفرة إنتاجه الشعري قصيدة "الكوخ المهدم " القاسية والقوية والمأساوية . وعاد وردزورث ودوروثي في آخر 1792 عودة نهائية إلى موطنهما في منطقة البحيرات ، واستقرا في جراسمير في المنزل الذي سمي تاليا " كوخ الحمامة " ، ولحق بهما كوليردج الذي استأجر قاعة جريتا في كِسوِك على مسافة ثلاثة عشر ميلا من منزلهما . وحصل وردزورث أخيرا على ميراث والده في 1802 . وبعد أن عقد تسوية ودية مع زوجته آنيت فالون تزوج ماري هتشنسون ، وهي فتاة من ريف منطقة البحيرات عرفها في الطفولة . وحطمت مصائب متنوعة بعد ذلك مجرى حياته ، وهي موت أخيه المحبوب جون غرقا في 1805 ،وهو قبطان بحري تحطمت سفينته في عاصفة ، وموت اثنين من أبنائه الخمسة في 1812، وتنامي تجافيه مع كوليردج حتى انتهى بعراك علني بينهما لم يتصافيا عقبه طوال عشرين عاما تقريبا .وأعقب تلك المصائب الثقال تدهور الصحة البدنية والعقلية لأخته دوروثي منذ 1830 فصاعدا إلا أن حياته في منتصف عمره اتصفت بالثراء وبعد الصيت المتناميين تناميا مطردا ، وتنامت معهما نزعته المحافظة في السياسة والدين .
وجاء تعيينه في 1813 في وظيفة موزع الطوابع (أي جامع الريع ) برهانا مبينا على الاعتراف به شاعرا وطنيا للأمة . وصارت أماكن سكنه شيئا فشيئا ،نظرا لتنقله الواسع من حي إلى آخر ، أماكن انتجاع مألوفة للسياح ، ومنح درجات الشرف ، وفاز في 1843 بإكليل الغار . وتوفي في 1850 وهو في الثمانين . وعندئذ نشر أوصياؤه رائعته "الاستهلال " ؛ قصيدة سيرته الذاتية التي شرع في كتابتها في 1798 ، وأتم نسختها الأولى في 1805 ، وإن تابع تنقيحها وتنقيح التنقيح حتى العشرية الأخيرة من حياته .
وكتب وردز ورث غالبية أعظم شعره في 1807 حين نشر " قصائد في ديوانين " ، و " النزهة " في 1814 ، وأول طبعة مجموعة لقصائده في 1815 . ومع أنه تابع كتابة الشعر بغزارة إلا أن ثمة تدهورا بينا في قواه الشعرية . وكثيرا ما نوقشت أسباب ما يسمى غالبا " معارضة وردزورث للارتقاء للقمة " ، ويظهر أن سببها الأساسي كامن في ذات طبيعة أشد ما يميز كتابته من خصائص . فهو أولا وأخيرا شاعر تذكار الماضي ، أو كما قال هو نفسه :" شاعر العاطفة المتجمعة في هدوء " ، فيأتي شيء أو حدث في الحاضر يجدد تلك العواطف التي عاشها في شبابه تجديدا مفاجئا ، وتكون النتيجة قصيدة تكشف التناقض بين ما سماه " الوعيين " لما هو عليه الآن وما كان عليه في الماضي ، لكن تجربة الإنسان العاطفية المبكرة ليست نبعا لا ينضب للشعر . ومثلما قال باسيل ويلي إن وردز كان يعيش على " رأس مال " ، وهو يعرف ذلك ؛ إذ إنه يقول في " الاستهلال الثاني عشر " واصفا تردد " ومضات الزمن " لديه : " يعاودني زمن قد مضى * من العمر في فجره الباكر "
" فأدنو إليه ، ولكنه * يغيب وينأى عن الخاطر "
" فلا أرى منه سوى ومضات * وبالكاد يلمحها ناظري "
والماضي الذي تذكره وردز ورث كان ماضي الاضطراب العاطفي الذي نظَمه في الحاضر الأهدأ في توازن ظفر به في مشقة . وكانت النتيجة شعرا مثارا في الهدوء ، وعبقرية مثلما قال في " الاستهلال الثالث عشر : 1_ 10" : " ولدت لتزدهر بالتمازج بين الهدوء والإثارة " .
ومع توالي الزمن ،غدا التوازن القلق في مرحلة إنتاجه الشعري العظيمة عادة مستقرة .
وأخيرا حاز ما تمناه في قصيدة " أغنية إلى الواجب " التي كتبها في 1814 ؛ " راحة لا تتبدل " ، ولكن بثمن الألم والإثارة اللذين أمكناه تحت السطح الهادىء من كتابة أجود قصائده وأغناها تميزا . وكان من شأن تجربة صادمة بين حين وآخر في منتصف أربعينات وردز ورث وما بعده ؛أن تحيي قوة ذكريات عاطفته وحدتها ، وقدرته الشعرية المبكرة ، فمثلا سونيتة " الفرح المثير " المؤثرة كتبها في أربعيناته حين أيقن فجأة أن الزمن أخذ يقلل أساه لموت ابنته الصغيرة كارولين قبل سنين وجيزة . وحين كان في الخامسة والستين ذكره النعي المفاجىء لصديقه جيمس هج بالشعراء العظام الآخرين الذين أحبهم وعاش بعد موتهم ، وكانت النتيجة " فيضا مرتجلا " من الشعر كتبه على مثال الرباعيات البسيطة في " القصائد القصصية الغنائية " المبكرة ، وعلى مثال الصوت الرثائي العظيم الذي عبر عن الأشجان اللاذعة لوفاة لوسي قبل 35 عاما .
*عن " مقتطفات نورتون المختارة من الأدب الإنجليزي "
وسوم: العدد 901